بقلم خليل اسماعيل رمّال
طغى خبر ضرب الأم اللبنانيَّة، الذي أدمى القلب والعين، من حيث الاهميَّة على المشهد
السياسي اللبناني. وكم كان المشهد رهيباً على النظر والسمع ونحن نشاهد فيديو ولد عاق إبن شارع يتجرأَّ على ركل أمِّه أمام الكاميرا وأعيُن الحاضرين في برنامج «عل أكيد» على شاشة قناة «المستقبل»، بعد أنْ كال لها الشتائم والتحقير والتهديد. المنظر كان مقزِّزاً للنفس ونحن نرى الأم دنيا الأسعد تتلقى من فلذة كبدها، الذي لا يملك ذرَّة من الأخلاق، ركلةً من رجله المكسورة على الوجه مباشرةً وعلى الهواء وكأنَّ هذه الرفسة من «بهيم حقير» أصابتْ قلوبنا ووجداننا جميعاً.
لقد ضاقت بنا الدنيا جزعاً على الأم: دنيا. حتى مجرد قراءة الخبر أحدث رد فعلٍ عفوي لدينا بالتردُّد في رؤية الفيديو الرهيب إلاَّ بعد جهد جهيد. وبعد المشاهدة لم نكد نتخلّص من الصدمة حتى حلَّ التساؤل عن سر هذا الحقد الدفين من وحش لم يلتقِ بأمِّه ٧ سنوات ويحمل كل هذا السُّم والبُغض الذي لا يظهره حيوان أو دابة؟!
إنَّ المجتمع في «شقفة الوطن» أصبح بهذا الإنحطاط إلى درجة إهانة وضرب الأم على رؤوس الأشهاد رغم كل المحاذير الدينية والأخلاقية والروابط العاطفية والاجتماعية بالأم التي هي ست الدنيا والكون كله بالنسبة إلى أبنائها. ولا شك تتحمل إدارة قناة «المستقبل»، مثل كل الإعلام الرخيص في لبنان الساعي إلى الإثارة ولو على حساب القيم، كل المسؤولية في إحضار إبن الخنوص أبيه، لا إبن أمِّه الطاهرة لأنَّ الله يخلق الخبيث من الطيِّب، قبل أنْ تقابل هذا الشخص وتتأكد من صحة تصرفاته العقلية وقبل أنْ تجمعه مع والدته في البرنامج غير الموفَّق!
كما يتحمل المجتمع الذكوري باقي المسؤولية المعنوية على تمييزه العنصري بين الذكور والإناث وتفوق الفصيل الذكري وتفضيله على كل الفصائل والأجناس منذ الصغر حتى على الوالدة مخالفةً لكل الشرائع والديانات والأعراف. ولهذا السبب تقع في «شبه الوطن» جريمة كل أسبوع بحق النساء من قبل الوحوش الجبناء الذين يستقوون على امرأة، كما يعطي النظام السياسي المهتريء، إلى النخاع، الأولوية للرجل ويعامل المرأة مواطنة درجة عاشرة فيحق للرجل مثلاً أنْ يمنح الجنسية لمن يشاء من الزوجات والأبناء ولا يحق ذلك للمرأة مع أن النظام التعليمي الفاشل كان يطلب منا دائماً على مقاعد الدراسة أنْ نفصِّل له في مادَّة الإنشاء العربي موضوع «أنَّ المرأة نصف المجتمع». لكن في بلد العجائب، النظرية شيء أما التطبيق ففي خبر كان. كذلك المؤقَّت دائم وسياسة صيف وشتاء فوق سطحٍ واحد. ربَّما لا يريد حماة النظام البائس أنْ يعكِّروا صفاء العرق الفينيقي بمنع النساء اللبنانيات مثلاً من منح الجنسية لأبنائهن!
ولطالما تغنَّى مؤسسو الكيان الجهيض بالحرية والديمقراطية فيه لكن الكوتا النسائية مازالت تُبحث في مجلس النوَّاب، كما تهكموا على سوريا وأطلقوا نكتاً ما أنزل الله بها من سلطان عن «الحماصنة» ولم يدروا أن النكت عليهم هم. ففي سوريا كانت هناك دولة قائمة مكتفية ذاتياً وموفِّرة كل الأمان الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها قبل المؤامرة الكونية عليها حتى أنَّ نساءها تقلَّدن مواقع قيادية سياسية عالية منذ زمن بعيد مثل الوزيرة العطار. أما في بلد الحروب الأهلية فهو متأخَّر عن التطور والحداثة بسنين ضوئية حتى إذا ما قرر الإستفادة من طاقات النساء لم يجد إلاَّ «أم رعيدة» نائلة معوَّض وصولانج الجميِّل وفلتة الشوط الاخيرة أليس شبطيني، المتحدِّثة القديرة «المالئة» لمنصبها فعلاً! اللبنانيون الفينيقيون هم آخر من يحق لهم أنْ «يتمسخروا» على أحد بعد أن أصبحوا مسخرة وممسحة التاريخ!
وبمناسبة حديث المسخرة جدَّد مجلس النوَّاب المنتهية صلاحيته والمُمدِّد لنفسه من دون تفويض والذي هو من أكثر برلمانات العالم كسلاً وقلة فاعلية، نشاطه بتمرير مشروع اللاعنف ضد المرأة ولكن من دون الأخذ بمطالب حركة «كفى» التي تمثل الأمهات المظلومات، إن قانون العقوبات الجديد يعاقب على قتل النساء، ولكن المطلوب كان تجريم العنف الأسري الذي يتراكم ليصل إلى القتل، وتأمين إجراءات حماية للنساء المعنفات تتيح لهن عدم الصمت على ما يتعرضن له، وهو ما لم يحصل. كذلك فشل المشرعون الذين يتقاضون أعلى الأجور في العالم في تحقيق سلسلة الرتب والرواتب للمعلِّمين ومشروع قانون عادل للإيجارات مثل كل بلدان العالم. مبروك تشريع واحد في كل السنة!
ويوازي «نشاط» مجلس النوَّاب الذي «بلا غلَّة»، بل يضاهيه، نشاط رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يريد أنْ يحقق في شهر واحد ما عجز عن تأمينه خلال ٥ سنوات و١١ شهراً قضاها بالسياحة والإستجمام في الخارج.
ووسط هذا العقم الحكومي تم تنفيذ الخطَّة الأمنية في طرابلس حيث انتشر الجيش بسحر ساحر وأزال الدشم والمتاريس من الاحياء التي شهدت ٢٠ جولة عسكرية طاحنة و٢٥٠ قتيلاً خلال فترة ثلاث سنوات، وبدأ الجيش بالبحث عن زعران الأحياء من فستق إلى المولوي والعلوكة وحسام الصبّْاغ وغيرهم ممن موَّلهم وشحنهم مذهبياً «التيَّار الزرقاوي»، فنزَّلهم إلى نصف البئر ثم قطع الحبل بهم كالعادة وتخلى عنهم سعد وريفي والمشنوق بعد أنْ حان وقت التسوية وهؤلاء لم يتعلَّموا من التجارب الماضية وكأنهم لم يروا مصير العملاء قبلهم. كل هم التيَّار الأزرق كان حماية مستشار الحريري الأمني عميد حمود من القضاء بينما تُرك الآخرون لمصيرهم ففروا من بيوتهم وربما تنكروا بزي النساء كعمَّار حوري وأحمد الأسير ولذلك علت صرختهم ونقمتهم على تيار «المستقبل» الذي أخذهم «لحمة ورماهم عظمة»، كما يقول المثل.
وحالما دخل الجيش الى المدينة التي استردَّتْ أنفاسها إلتحم أهل باب التبَّانة وجبل محسن بعناق وحب وكأنَّ شيئاً لم يكن وهذا دليل على أنَّ اللبنانيين لو تُركوا من قبل السياسيين لفطَّسوا بعضهم من الحب والقبلات! غير أنَّ الخطوة الأمنيَّة على أهميتها تبقى ناقصة من دون إلقاء القبض ومحاسبة المجرمين من ميليشيات الأحياء الذين تسبَّبوا بقتل الناس وتسعير الفتنة وهم قنبلة موقوتة قد تنفجر مجدداً في أية لحظة إذا ما تغيَّرتْ أجندة «١٤ عبيد زغار» الذين أصبحوا وحيدين بمسك الأمن هناك من خلال قوى الأمن الداخلي و«المعلومات” المعروفة الانتماء، أو إذا تبدَّلتْ مخططات رعاة صغار «١٤ الشهر»! لقد كان يشكل جبل محسن عنصر توازن وردع. كذلك أخذت الخطة الأمنية من كيس «٨ آذار» حيث قورن المناضل رفعت عيد ووالده علي عيد بميليشيات الزواريب من المجرمين الذين كانوا يعتدون على أهل جبل محسن. فـ«العيدان» لم يكونا البادئين بالمعارك وكانا فقط يدافعان وهما يمثلان حزباً وطائفة ولا يجب شملهما بأمراء الحروب. ثم لماذا نجحت الخطَّة الأمنيَّة اليوم وفشلتْ طيلة الأعوام الثلاثة الماضية؟! طبعاً فإنَّ إغلاق الحدود اللبنانية والمنفذين الشمالي تحديداً على سوريا وانتصار المقاومة والجيش السوري في معركة القَلَمون، فرضتْ هذه التسوية الأمنيَّة في طرابلس بعد عرسال رغم نفاذ بعض الصواريخ الى اللبوة والنبي عثمان وهي محاولات يائسة لن تحقِّق شيئاً.
كذلك لن يتحقق أي تطور عسكري يُذكر لصالح أعداء سوريا رغم التدخُّل العسكري التركي المباشر في ساحل اللاذقيّْة معقل الحكومة السوريَّة بالتنسيق مع النظام الأردني وسوف يخف زخم الأتراك بعد أنْ حقَّق أردوغان ما يريد وهو الإنتصار الإنتخابي المفاجيء لحزبه. ويبدو أنَّ الناخب التركي يشبه نظيره اللبناني في عملية الإختيار حيث «ينشرحريم النظام» والنائب أو المسؤول على «صنوبر اسطنبول» لكنه وقت الإنتخابات يذهب صاغرا لإنتخاب نفس النائب أو المسؤول!.
Leave a Reply