بقلم: صخر نصر
فاجأني ابني الصغير وهو تلميذ في المدرسة الابتدائية راكضا ملهوفا وهو يقول: لقد صدمتُ سيارتَنا بسيارة جارنا ،وأصيبت السيارتان بأضرار فادحة ،صعقت لما سمعت من الطفل الصغير الذي لم يكمل العاشرة من عمره ولم نسمح له بالجلوس يوماً خلف مقود السيارة، فكيف له ان يقود سيارة ويصدمها وماهي تبعات ذلك الحادث الذي جاء نبأه كالصاعقة على رأسي.
ركضت باتجاه الباب الخارجي لأستطلع الأمر فسمعت ضحكة مجلجلة :بابا إنه الأول من نيسان، كانت حبات عرق بارد قد ملأت جبيني في تلك الثواني القليلة وعدت إليه غاضبا لنهيه عن الكذب هذه المرة، حتى لو كان في نيسان، فأجابني بصوت مرتجف: كلهم يكذبون في هذا اليوم إنه عيد.
أعادت هذه الحادثة بي الذاكرة الى كثير من المواقف بعضها كان طريفا ومعظمها كان مؤسفا إذ تسبب الكذب الابيض (كما يسمونه) في الاول من نيسان في كثير من المواقف المحرجة لاناس عديدين وكادت هذه الكذبه أن تدمر مؤسسات زوجية وربما انتهى بعضها الى الطلاق أو كاد.
فقد كان عدد من الاصدقاء في زيارة صديقهم الذي جاءت زوجته بالعشاء محمولا على صينية كبيرة وعندما همت بوضعه على الطاولة بادر أحدهم بسؤال صاحب المنزل عن زوجته الثانية التي اعدت لهم عشاء لذيذا غير مرة، فما كان من الزوجة الا أن انهارت ورمت بالعشاء أرضاً وسقطت مغشيّاً عليها. ولم يصلح الامر بين الزوجين إلا بعد مدة طويلة تأكدت فيها المرأة من المعلومة التي لم تكد تكون سوى كذبة سمجة في الاول من نيسان.
في الحقيقة هذه المناسبة التي تسمى عيدا هي عالمية بامتياز يعرفها الناس في اصقاع الارض، ولكل عيد ناس واختصاص، عيد المرأة وعيد الطفل، الأب، التمريض، العمال، القطن، الفلاحين، الصحفيين، المعلم، الفطر، الأضحى، الميلاد، الفصح، الشكر، رأس السنة، الهالوين، الربيع، النيروز، الغدير، التحرير، الثورة، الجلاء، الجيش، الشرطة، الاستقلال.. كل من هذه الاعياد تعني فئة معينة من الناس، ولا تعني آخرين، إلا عيد الكذب فيعني الناس جميعا بلا استثناء، فلا أحد على وجه البسيطة إلا وكذب يوما ما سواء على زوجته أو على مدرسه أو على ابنه أو على أهله أو على محبوبته أو على مديره بالعمل، أو وُضع بموقف محرج خرج منه بكذبة أطلق عليها تصالحاً مع نفسه كذبة بيضاء، أي لا ضرر منها ولا ضرار، وقاكم الله شرّ الكذب والكذابين.
Leave a Reply