علي حرب
يختزن لبنان تحت مياهه الإقليمية ثروةً نفطية وغازية تقدر قيمتها بحوالي تريليون دولار (ألف مليار) يمكن استخراجها في فترة تمتد لحوالي ٧٥ عاماً، ستكون كفيلة بإطفاء ديون البلاد وتوفير حياة أفضل لملايين اللبنانيين شرط ألا يتم تسييس هذه الثروة وتوزيعها كمغانم طائفية، بحسب الخبير الجيولوجي والنفطي، فؤاد جواد، الذي أكد لـ«صدى الوطن» أن ترك هذه الثروة بيد الطبقة السياسية الحالية سيكون له انعكاسات سلبية عديدة، لاسيما وأن الفرقاء السياسيين «لا يثقون ببعضهم، وإذا منحوا إدارة هذا المشروع فإنه سيموت حتماً وسيضيع في متاهات السياسة والفساد».
فؤاد جواد |
وجواد هو الرئيس الحالي لشركة خاصة للإستشارات النفطية تدعى «بيتروسيرف»، مقرها في جزيرة قبرص، وهو خريج جامعة «تكساس»، وقد قدم في العام الماضي دراسة من ٦٠ صفحة إلى رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، تتعلق بضرورة تشكيل شركة وطنية للبترول والغاز لكنه حتى اليوم لم يلق هذا المقترح تجاوباً من أي مسؤول لبناني.
مؤسسة عامة مستقلة
وأشار جواد إلى أهمية إدارة قطاع النفط في لبنان عبر إنشاء مصلحة مستقلة غير حزبية وغير مسيسة تقوم بدور التفاوض مع شركات التنقيب عن النفط وتشغل محركات العمل بالطاقة تحت رعاية الحكومة، وقال «إن الشركة الوطنية للبترول والغاز اللبنانية (المقترحة) سوف تكون مملوكة من قبل الدولة لكنها بإدارة فريق محايد في السياسة مؤلف من تكنوقراط يقوم بالإشراف على سير العمل فيها ويتولى حفظ سيادة البلاد الوطنية وحقها في مجال الثروة النفطية والغازية». وأضاف «إن قطاع النفط يجب أن تديره شركة غير منحازة تماماً مثل إدارة طيران الشرق الأوسط التي تلتزم العمل على تسيير قطاع الطيران المدني اللبناني، هذه المصلحة المستقلة عن السياسة ستكون ركيزة قطاع النفط وعماده» حسب جواد.
لكن صناعة النفط والغاز لكي تزدهر في لبنان تحتاج الى ثلاث ركائز أخرى «أولها وزارة النفط والغاز لكي تكون الواجهة الإعلامية للبترول في لبنان حيث يقتصر عملها على الشكليات، لأن طبيعة دور الوزير هو تمرير مشاريع القوانين إلى رئيس الحكومة للتوقيع عليها والاجتماع مع نظرائه من الوزراء الزائرين وتمثيل قطاع النفط لدى العموم». والركيزة الثانية، حسب جواد، هي إنشاء مديرية للنفط لكي تحدد القوانين والإجراءات المرعية، أما الركيزة الثالثة فهي ركيزة الأمن والإستقرار في البلد الذي هو ضرورة للقطاع.
وقد أسس جواد في لبنان «الشركة الوطنية للنفط والغاز» وهي شركة خاصة هدفت إلى تزويد الشركات العالمية التي ستقوم بالتنقيب عن النفط في شواطئ لبنان، بالمواقع الآمنة لكي تستمر في حفرياتها إذا حدث أي تدهور أمني. وقال إن شركة «بيتروسيرف» القبرصية «سيكون لها الدور المحوري في تأمين الدعم اللوجيستي الضروري لشركات البحث عن النفط في شواطئ لبنان لكن من خلال موقعها الآمن والقريب من مواقع عمليات البحث والتنقيب في قبرص»، وأعرب جواد عن استعداده للتبرع للحكومة اللبنانية بامتياز اسم الشركة وموقعها nogcl.com، إذا قررت أن تتبنى الشركة، كما أبدى رغبته في لعب دور رئيسي في شركة النفط الوطنية شرط أن تبقى بعيدة عن السياسة، حيث شدد على أهمية توظيف كفاءات لبنانية لها خبرة في مجال الصناعة النفطية من دون محسوبية أو واسطة أو تمييز فئوي أو مذهبي على «الطريقة اللبنانية المعهودة»، «لأن القطاع يتطلب مهارات فنية وتقنية عالية وخبرة ميدانية فائقة».
حصة لبنان يمكن أن تصل الى ٢٠ بالمئة
وزير الطاقة السابق جبران باسيل قدم إقتراحين لتنظيم قطاع الصناعة النفطية في لبنان إلا أن جواد إنتقدهما بشدة واصفاً إياهما بـ«الكارثة». الإقتراحان يقضيان بمنح لبنان حقوقاً دائمة بنسبة ٤ بالمئة فقط «في حين يجب أن تكون بنسبة ١٥ بالمئة من إنتاج حقول النفط والغاز». وقال «لو كنت في موقع يخولني التفاوض مع شركات البترول فإني سأضع هدفي ٢٠ بالمئة». وأضاف أن حصة البلد ترتبط عادة بالمخاطرة التي قد تواجهها شركات البترول، وفي مقدمتها المخاطرة الناجمة عن احتمال عدم وجود مخزون نفطي أو غازي كبير في المياه اللبنانية، «لكن هذا الخطر ضعيف في لبنان لأن هذه المخزونات وجدت أيضاً قرابة شواطئ قبرص وإسرائيل».
وألمح جواد إلى أن سبب تدني نسبة الحقوق المالية الدائمة تعود إلى نفوذ وكلاء وسماسرة الشركات البترولية. وأردف «أن الأشخاص الذين أداروا عملية الصناعة النفطية في الحكومات السابقة قد فشلوا فقد كانوا يتبعون نماذج متبعة في عدة بلدان ويستمعون إلى نصائح من غير اللبنانيين، وهذه العناصر الأجنبية استغلت جهل لبنان في مجال النفط والغاز، والذي يوجه له اللوم على هذا هو من حمل مسؤولية ملف النفط». وتابع «لقد إختاروا ألا يتفقوا.. إلا على إبقاء الشعب اللبناني جاهلاً لكي يتسنى لهم القيام بصفقات داخل غرف سرية مع شركات النفط». وأكد جواد أن «بعض الشركات التي وجدتها وزارة الطاقة مؤهلة بدخول المناقصة الرسمية لا تمتلك القدرات الفنية المطلوبة لبدء التنقيب في المياه اللبنانية».
لماذا عشرة بلوكات؟
وأشار إلى أن المولجين بالتفاوض مع شركات النفط العالمية لم يضعوا مصلحة لبنان في أولىات حساباتهم». كما عارض جواد مقترحي باسيل لأنهما «يقسمان المياه اللبنانية إلى ١٠ بلوكات للتنقيب وأصر على ضرورة رفع العدد إلى ١٦ من أجل زيادة التنافس بين شركات النفط العالمية واستدرار المزيد من الإستثمار في البلد وإطالة أمد العملية». وأوضح «بوجود ١٦ بلوكاً يمكن للبنان أن يحتفظ بستة بلوكات من دون مناقصة حتى تتاح لاحقاً الفرصة لشركة نفط وغاز وطنية القيام بالتنقيب والبحث عن نفطها بعد اكتسابها الخبرات الفنية والتقنية المطلوبة لإستخراج البترول».
ويلفت جواد الى أنه بالإضافة إلى حصة الدولة من هذا القطاع الحيوي فإن لبنان يمكن أن يجني فوائد وعائدات تصل الى نسبة ٣٠ بالمئة من أرباح شركات النفط، بعد دفعها للحقوق المالية للبنان وتغطية كلفتها، ولكن المقترحين الحاليين لباسيل لا يحددان ذلك بوضوح، وتابع جواد أن قوانين النفط والغاز في لبنان توصي بأن تجني الدولة نسبة مئوية من أرباح شركات النفط الدولية وهذه النسبة تؤخذ بشكل ضريبة على الدخل إلا أن ساسة لبنان فشلوا في التنبّه لمسألة مهمة جداً، وهي أن أرباح الشركات النفطية قد يتم التلاعب فيها بعدة أساليب محاسبية.
واستطرد جواد أن «التفاوض مع شركات النفط واقتراح قوانين ترعى الصناعة النفطية قبل تشكيل شركة نفط وطنية غير مسيسة هو كمن يفتح مستشفى من دون أطباء». ودعا إلى خلق «ثقافة نفطية في لبنان من خلال التعليم المدرسي وفي الجامعات والكليات والمعاهد، والبدء بتدريس تخصصات ومواد علمية تتعلق بقطاع النفط ومشتقاته مثل الهندسة البترولية والجيوفيزياء النفطية».
ثلاث سنوات على الأقل
وأضاف جواد أنه من الممكن أن تبدأ عمليات البحث والتنقيب بعد ثلاث سنوات من ابرام الإتفاق مع الشركات النفطية، وأكد أن التنقيب في أعماق المحيطات هو الجبهة الجديدة لشركات النفط، فالتسريب النفطي الذي حصل في خليج المكسيك كشف إمكانية الحفر مقابل الشواطئ فبالرغم من وقوع الكارثة البيئية إلا أن الناس رأوا التدفق الهائل للنفط. لقد شاهدوا الثروة بأعينهم».
ولا توجد حدود بحرية دولية واضحة تفصل لبنان عن الحدود المائية لفلسطين المحتلة وقد أدى هذا إلى تهديدات مشتركة بين لبنان والكيان الإسرائيلي، جواد دعا إلى «عدم الالتفات لاسرائيل وخلق منطقة عازلة شمال المنطقة المتنازع عليها من أجل تجنب أية مجابهة مع الكيان الصهيوني، وأكد أن المنطقة العازلة ستمنع اسرائيل من تبرير القيام بهجوم عسكري على مواقع النفط والغاز اللبنانية وقال «إن جنوب لبنان هو المكان المنطقي لبدء الحفريات لأنه بمحاذاة فلسطين حيث تم البرهان أخيراً على احتوائها على النفط». وقد حصل نزاع مماثل مع قبرص لكن جواد دعا إلى عدم إضاعة الوقت معها لأنه كلما قربت المسافة مع قبرص كلما خفت احتمالات العثور على النفط بسبب عمق المياه بين البلدين.
Leave a Reply