ديربورن – سامر حجازي
الإحتفال بتقليد جمع بيض عيد الفصح المجيد الذي تقيمه كنيسة «تشيري هيل» سنوياً والمقرر يوم الأحد المقبل في ١٢ نيسان (أبريل)، لن يكون بهدوء السنوات السابقة، بعد أن تحوّل الموضوع إلى مادة سجال إعلامي نالت تغطية على المستوى الوطني.
الجديد هذا العام، تقرير مضلل نشرته صحيفة «ديترويت فري برس» حول امتعاض الأهالي العرب الأميركيين في المدينة من توزيع منشور دعائي لـ«مهرجان جمع بيض الفصح» في إحدى المدارس العامة في ديربورن.
وجاء في تقرير الصحيفة بقلم الكاتب نيراج واريكو تحت عنوان «آباء مسلمون مستاؤون من منشور ترويجي لجمع بيض الفصح» (قبل تعديله)، لكن لدى قراءة المقالة سرعان ما يتبين أن «الآباء»، لم يكونوا سوى شخصاً واحداً هو المحامي المثير للجدل ماجد مغنية الذي يدير صفحة «أعضاء جالية منطقة ديربورن» على موقع «فيسبوك»، والأنكى من ذلك أن اعتراضه على توزيع المنشور لم يكن لأسباب دينية بل أن مغنية كان يحتجّ على عدم فصل الدين عن الدولة كون المدرسة التي يدرس بها ولداه هي مدرسة عامة.
لكن واريكو تعمّد استغلال «فزلكات» مغنية القانونية، وأعطى للموضوع بعداً دينياً باستخدامه تعبير «آباء مسلمين»، ليبدو وكأن الجالية العربية بمنطقة ديربورن، والتي معظمها من المسلمين الأميركيين في حالة صدام مع باقي مكونات المجتمع المحلي.
وقد أثار تقرير «فري برس» انتقادات واسعة في أوساط الجالية حيث عبّر الكثيرون عن استيائهم من إثارة البلبة الطائفية الرخيصة لمجرد حب الشهرة والرغبة بإحداث ضجة إعلامية دون الإلتفات الى مدى الأذى الذي قد يلحق بمجتمع ديربورن. وفي هذا الإطار، قام وفد من نشطاء وقياديي مؤسسات الجالية بزيارة تضامنية الى الكنيسة، نالت تغطية الإعلام الأميركي، رداً على «محاولات بث الفرقة الدينية في مجتمعنا المتآلف»، وقد أكد أعضاء الوفد على ترحيب المجتمع العربي المسلم بنشاطات الكنيسة وبعيد الفصح المجيد، كما دعوا أبناء الجالية للمشاركة في المناسبة، مع الإشارة الى أن الكنيسة تقع على شارع تشيري هيل، عند تقاطعه مع تلغراف في غرب ديربورن.
وفي مقالته، نقل الكاتب واريكو تذمّر مغنية من توزيع المنشور في مدرسة أبنائه، وقال الأخير إن «الأمر أزعج إبني فعلاً». ونسبت الصحيفة إلى مغنية قوله «لقد ضايق هذا الأمر ولدي الإثنين فعلاً وأحدهما قال له: «أبي إني غير مرتاح لوجود هذه النشرة التي تدعونا للذهاب إلى الكنيسة، لقد كنت أظن أن المدارس يجب أن لا تختلط مع الكنائس».
وفور نشر مقالة واريكو توالت ردود الفعل حول الموضوع، وقد كان للجالية المسلمة نصيبها التعليقات العنصرية حيث وردت عشرات التعليقات العنصرية على موقع «ديترويت فري برس»، في حين شن عرب أميركيون ناشطون إلكترونياً حملة تعليقات عنيفة ضد مغنية و«فري برس»، عبر صفحات «فيسبوك» بما فيها صفحة مغنية التي شهدت نقاشات حادة دفعت إدارة الصفحة الى إلغاء الكثير من الحسابات، وأكد معظم المعلقين ألا أحد غير مغنية «منزعج» من المنشور، فيما تساءل آخرون عن أغراض واريكو ومغنية من هذه «الخبطة الإعلامية».
تأكيدات ناشطي الجالية العربية على التسامح المسيحي الإسلامي في المدينة، لم تنحصر في العالم الإفتراضي، حيث دعا ناشر صحيفة «صدى الوطن» الى الرد على مقالة «فري برس» المضللة وذلك بزيارة الكنيسة والتضامن معها، وبالفعل تم تشكيل وفد من مؤسسات الجالية التقى مسؤولي الكنيسة وتبرع بالمال المطلوب لشراء بيض الإحتفال.
السبلاني متحدثاً الى راعية كنيسة «تشيري هيل» خلال زيارة تضامنية يوم السبت الماضي |
وقد شارك في الوفد رئيس المجلس التربوي في ديربورن حسين بزي وممثلون عن مؤسسات حقوقية وإجتماعية ودينية بينها «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» و«اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز» (أي دي سي- ميشيغن) و«النادي اللبناني الأميركي» و«اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، إضافة الى رجال أعمال ناشطين.
وأشاد السبلاني في كلمة ألقاها وهو يقف الى جانب راعية الأبرشية نيتا نيكولز، «بالنشاطات التي تجمع أبناءنا» وقال «نحن نعتقد أن الكنيسة تقوم بالعمل المناسب بدعوة الجميع للمشاركة لكي نتمكن من التلاقي والتفاهم حتى نحب بعضنا البعض».
وبدورها، أعربت نيكولز عن ذهولها من شكوى مغنية ومن الضجة التي تسبب بها تقرير «فري برس»، وأضافت أن الهدف من دعوة الجميع هو تنظيم مناسبة اجتماعية تستمر ليوم كامل، مؤكدة أنه لا يوجد عنصر ديني في هذا النشاط.
عضو الوفد، سامر جعفر، قال لـ«صدى الوطن» إنه أصيب بخيبة أمل من إستغلال الإعلام للموضوع، وأضاف «إنه من العار أن تركز وسائل الإعلام على رأي شخص واحد» مؤكداً أنه سأل العديد من أقاربه وأصدقائه ولم يظهر أحد منهم أي اعتراض على الموضوع. وقال جعفر «نحن هنا اليوم لإبداء تضامننا مع أخوتنا المسيحيين، مضيفاً أن «هذه الأرض يفترض أن تكون أرض الحرية حيث يسمح لأي شخص أن يؤمن بما يريد ويحتفل بما يشاء».
وطوال الأسبوع الماضي أمضى قياديون أوقاتهم يتحدثون إلى وسائل الإعلام المختلفة محاولين تبديد الصورة المضللة التي بثها واريكو المتخصص بتغطية شؤون الجالية العربية في صحيفة «فري برس».، كما حرر نشطاء عرب أميركيون رسالة أرسلوها إلى ناشر «فري برس»» يعربون فيها عن قلقهم من تقصّد واريكو بتشويه صورة الجالية العربية والإسلامية.
يذكر أنه بعد الحملة العنيفة على «فري برس» عدّلت الصحيفة عنوان المقالة ليصبح «أب مسلم» بدلاً من «آباء مسلمين»، لكن العنوان الأول ظل مرفوعاً على مواقع وطنية نقلت الخبر مثل شبكة «فوكس نيوز» وموقع «ياهو» الإخباري.
واستغلت شبكة «فوكس» اليمينية «انزعاج مغنية» واستضافته يوم الإثنين الماضي في برنامج «هانيتي» الذي يستضيفه شون هانيتيو لكي يوضح ملابسات موقفه، لكن بدلاً من ذلك وقع الإثنان في جدال وأخذٍ ورد حول مفهوم المسلمين الأميركيين في الإعلام الوطني، وكان لافتاً أن الكثير من التعليقات الواردة في «صفحة مغنية» على موقع «فيسبوك» اعتبرت أن الأخير وقع ضحية «كمين إعلامي» دبرته له «فوكس نيوز» للإساءة الى المسلمين كعادتها.
أمال حمود بري، وهي ناشطة إلكترونية، أبلغت «صدى الوطن» عن امتعاضها من التصرفات الطائشة «التي أرجعتنا عقداً إلى الوراء». وقالت بري إن موقف مغنية من فصل الدين عن الدولة هو «هرطقة» لأن مدارس ديربورن العامة قد قامت بتعديل نظامها من أجل تقديم تسهيلات للجالية، في إشارة الى تقديم الوجبات الحلال على الطريقة الإسلامية للطلاب. وختمت بري قائلة «لقد نصّب (مغنية) نفسه متحدثاً باسم الجالية ولكن للأسف خطته لم تكن مدروسة وقد أساء تقدير العواقب». وأكدت بري عزمها على مشاركة أولادها في إحتفال الكنيسة وأن تقليد جمع بيض الفصح كان دائماً في صلب ممارسات عائلتها وعائلة أصدقائها من المسلمين، كما الكثير من المهاجرين المسلمين القادمين من بلدان مثل لبنان وسوريا وفلسطين ومصر والعراق، حيث يشكل المسيحيون جزءاً أساسياً من النسيج الإجتماعي فيها.
ومن جانبه، أدان إمام «دار الحكمة الإسلامية» في مدينة ديربورن هايتس، الشيخ محمد علي الهي، «طريقة تعاطي البعض مع الموضوع»، مشدداً على أهمية الحوار بين الأديان لمناقشة المسائل المثيرة للخلاف بشكل يعكس انفتاح الجالية المسلمة، كما أكد على تواصل «دار الحكمة» مع عدة مراكز دينية مسيحية وتعاونها مع كنيسة «تشيري هيل».
Leave a Reply