بقلم خليل اسماعيل رمّال
«عفَشَتْ» جريدة «الأخبار» ميشال سليمان بفضيحة مجلجلة وضبطتْه متلبِّساً بالتزوير بعد نشر وثائق دامغة تثبت أنه عام ٢٠٠٥ حصل على وثائق سفر فرنسيَّة مزوَّرة له ولعائلته مع مدير مكتبه وفيق جزيني وصديقهما رضا الموسوي وعائلتيهما. وتبين أنَّ السلطات الفرنسيَّة طلبتْ سليمان للتحقيق حتى أنَّها هدَّدتْ باعتقاله إذا دخل أراضيها فأنقذه يومها، من بين كل النَّاس، اللواء جميل السيِّد عندما كان مديراً عاماً للأمن العام والذي أوضح لاحقاً كيف أنَّ المذكّْرة الفرنسيَّة لم تُصنَّف سريَّة حسب الأصول بعد إحالتها على المدَّعي العام وذلك من أجل فضح سليمان وتسريب المذكَّرة لأنَّ قرطة حنيكر الدروندي يومها كانت تظن أنَّ سليمان في خط المقاومة والتحالف مع سوريا.
«هيدا لبنان» تصدح الحناجر، «وطن النجوم» كما سمَّاه الشاعر إيليَّا أبو ماضي. لكن كان هذا من الماضي ولو عاد الشاعر إلى الحاضر لَغيَّر فكره وربَّما أسماه وطن «السموم». قائد للجيش متَّهم بتزوير وثائق للحصول على باسبور فرنسي يحوز، رغم ذلك، على ترقية لأعلى منصب ورتبة في البلد المريض. فالترقيات في «الوطن» اللبناني عبر تاريخها كله لم تكن أبداً على أساس الكفاءة أو الخبرة والمعرفة والشهادات والبرنامج، ولن تكون. لا أدري لماذا يتعذَّب الطلاب الجامعيُّون بالدراسة في لبنان إذا لم يكونوا أبناءاً لطبقة الـ٤ بالمئة من الزعماء والسياسيين والمنتفعين والمافيويين والطفيليين حيتان المال؟ معه حق أحمد الأسعد أنْ يعلِّم كامل نيابةً عن الأمة! ففرص حصول المتعلِّمين وآلاف الخريجين على وظائف إداريَّة أو مناصب عامَّة في الدولة أو خاصَّة هي معدومة. هم يتعلَّمون فقط لكي يجدوا وظائف في دول الخليج وأوروبا ولكي يهاجروا إلى أفريقيا وأستراليا والأميركيتين، ثم يحدِّثونك عن هجرة الأدمغة قل إنَّ علمها عند قاعدة «٦و٦ مكرَّر» والكوتا الطائفية حيث البلد «السايب» هو الوحيد في الكون والفضاء الخارجي الذي يمنع «المواطن» غير الماروني من أنْ يحلم ليصبح يوماً ما رئيساً لوطنه. لكن يحق لميشال سليمان أن يصل من دون برنامج ولا كاريزما ولا أيديولوجية ولا تصوُّر للحلول والأزمات المستعصية، ماعدا الولع بالسفر و«التفوق» في طعن المقاومة وسوريا بالظهر بعد أنْ رجَّحتا كفَّة «تعيينه» لعلَّ وعسى، فما كان منه إلاَّ أنْ انقلب عليهما لدرجة تقديم شكوى إلى الأمم المتَّحدة ضد سوريا ووصف المعادلة الثلاثيَّة السحرية، التي أنقذتْ لبنان، باللغة الخشبيَّة بعد تدرُّج موقفه إلى معاداة للمقاومة.
وقد علمتْ المصادر الخفيَّة أنَّ جُلْ همِّ سليمان هذه الأيام هو الإعتكاف مع مستشاريه الفاشلين (من كتَبَة الخطابات المزرية التي يتقاضون عنها مبالغ طائلة) لتحضير رد على كلام السيِّد حسن نصرالله البليغ والهام إلى صحيفة «السفير» حول عدم جدوى سليمان في إدارة أي حوار. وكان السيّد قد خصَّ “السفير” بالحديث هديةً لها في عيد تأسيسها الأربعين وعرفاناً منه بالجميل لخطِّها المؤيِّد للمقاومة.
لكن رد سليمان أو ١٤عبيد زغار لن يساوي شروى نقير طالما أنَّ صاحب الرسالة الإسرائيلي فهمها جيِّداً وعلم بكشف سر المقاومة لعمليتي شبعا والجولان «كجزء» من ردِّها على قصف العدو لموقع المقاومة في جنتا! لقد وضع هذا الإعلان إسرائيل في كابوس جديد وورطة أكبر وأعاد معادلة الردع والرد إلى الواجهة. مسكينة الدولة العبرية الغاصبة فهي لم تكد تهنأ بالربيع العربي وحلفها مع آل سعود والمشيخات الخليجيَّة وتطمئن إلى ما ظنَّتْ شطب سوريا من القدرة على تشكيل خطر عليها وإشغال «حزب الله» في الأزمة السوريَّة، حتَّى جاءها كلام السيِّد الصاعق!
نظام التزوير والطرم الأعوج لا يقتصر على من هم فوق فقط بل ينسحب على كل مفاصل الدولة: ناصيف قالوش مثالاً جديداً. لكن قالوش الذي لم يحافظ على أخلاقية وظيفته كمحافظ للشمال وبيروت بالوكالة، أكيد سوف «يزمط» مثل الشعرة من العجينة وبلا شك من تهمة إساءة إستخدام واستغلال موقعه للتحرُّش الجنسي ضد الموظَّفة هدى سنكري. أولاً، لأنَّ في «عجيبة البلدان»، لبنان، مازال السياسيون فيه يستكشفون ويبحثون حقوق المرأة حتى اليوم ولا وجود لقانون ضد التحرُّش بعكس كل دول العالم المتقدِّم وحتَّى المتخلِّف. وثانياً، قالوش أكيد أكيد أكيد له ظهر سياسي يحميه وإسقاطه غير وارد لأن «الظهور» السياسية تراعي بعضها وتغطي على فضائحها وسرقاتها وجرائمها ولا تريد إغراق مركب النظام المافيوي السارق. ثانياً، مَن يحاسب مَن في بلد الفساد؟ حتى «تضييف» الغرسون أحمد فتفت للعدو في ثكنة مرجعيون وسرقة السنيورة ١١ مليار دولار لم يستدعيا مجرد فتح تحقيق فما بالكم بمجرَّد تهمة تحرُّش جنسي؟! ثم ها هو عبد المنعم يوسف، ديكتاتور «أوجيرو» غير المنازع، قد سيقت ضده ٥٠ شكوى قضائية وأصبح بعد كل دعوى أقوى من رئيس الجمهورية، كما أنَّ سهيل بوجي أمين عام مجلس الوزراء منتهية صلاحيته لكنه يبقى «الأٓيل الطايل» في تحديد جدول أعمال المجلس فيمنع ترقيات ويحجب قرارات ولا أحد ينتبه إلى الشكاوى المنهمرة عليه!! ذلك أنَّ وطن الصفة المشبَّهة لم ينجِب عبقرياً بحجم البوجي لكي يحلَّ مكانه.
ثالثاً، نظام فاشل يسمح لمدشِّن للمقابر الجماعية والتطهير الطائفي بالترشُّح للرئاسة لا يجب أنْ نستغرب قيام «محافظ» فيه بابتزاز إمرأة من أجل خدمات جنسية لقاء وظيفة وسط الضائقة الاقتصادية التي تعصف ببلد مفلِّس لكن مسؤوليه يتقاضون أعلى الرواتب في العالم.
كان رد القالوش، الذي لو كان في بلد يحترم نفسه والإنسانية مثل أميركا مثلاً لأصبح في القاووش، على الفيديو الذي صوَّرتْه سنكري من خلال هاتفها الجوَّال ونُشر في كل مواقع التواصل الإجتماعي أنه مفبرك ومزوَّر وكاذب، مدَّعياً أنَّ نسخة من الفيديو وصلتْه سابقاً بقصد ابتزازه فلم يرضخ. كان ناصيف يتصنَّع الهدوء وهو يقرأ بصعوبة من ورقة مكتوبة نافياً عنه التهم. لكن الذي له عينان يمكن أنْ يستشف من طريقة حركاته وكلماته وإيحاءاته وتوقيعه على عقد فتاة أخرى لا تحمل المؤهلات الطبيَّة، إنه مذنب مثله مثل كل السياسيين الفاسدين في مواقع رسميَّة والذين يرتكبون الفواحش يوميَّاً لكن الذي تغيّْر واختلف أنه ضُبط بالجرم المشهود من خلال الكاميرا. حتَّى في مجال الكامير الخفيَّة لبنان متخلِّف عن مسايرة العصر!
المثال الآخر هو انعدام الإدارة العصرية والتخطيط في البلد بدليل تصاعد الحركات المطلبية من سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين وتثبيت عمال الكهرباء المياومين وعمال الدفاع المدني الميامين (ثم إقرار مشروع قانون بتثبيتهم بشق النفس المشنوقية وبعد أن كاد البحر يبتلعهم) إلى مأساة المستأجرين التي ابتدع لها النوَّاب قانوناً سيؤدي إلى كارثة إجتماعية واقتصادية رهيبة وقد تهجِّر عائلات فقيرة بأكملها وتفيد فقط طبقة الميسورين من الملَّاكين ومن بينهم النوائب والزعماء الذين ينعمون مع عوائلهم بشقق وقصور ثمنها ملايين الدولارات ولا نعرف من أين لهم هذا؟! مشكلة النوائب هي إدعاء عدم إيجاد مصادر مالية للخزينة لتمويل الزيادات المحقَّة لكنهم غير قادرين أو لا يريدون تجفيف موارد الهدر وتفكيك منظومة الفساد مثل إستعادة الأملاك البحرية التي تدرُّ عوائد مالية هائلة وإعادة سرقة السنيورة لحفنة من الدولارات (مش حرزانة) ونعم، فرض زيادة ضرائبية على المصارف والأغنياء الذين بدأوا بالثورة المضادة، وتخفيض رواتب الزعماء والنواب والوزراء الذين بدل إسراعهم بالمناقصة للتنقيب عن النفظ أجَّلوا ذلك إلى ما بعد شهر آب. لا عجلة عندهم ولا احساس بحراجة وخطورة الوضع في البلد المخضوض واحتمال الفراغ الرئاسي فتراهم في الجلسات يمزحون ويضحكون وهم جداً مرتاحون لأوضاعهم بينما في الخارج الشارع يغلي. لم ولن يشهد التاريخ مثل هذا الانفصام بين الشعب و«ممثليه»!
لكن «الفلّة» طلعت برأس بهيج أبو حمزة وهو رجل اعمال وليد جنبلاط السابق الذي حاول لعب دور روبين هود بالمقلوب فسرق من الغني لا ليعطي الفقير بل ليعطي نفسه الجشعة. لكن السؤال هو: كيف زمط غازي العريضي و«نفذ بجلده»؟! ولا أسرع من تخلي جنبلاط عن زلمه إلاَّ تبرؤ أشرف ريفي الذي تهكَّم على نجيب الحريري وانقلب على قادة محاور باب التبَّانة تاركاً المجال لصاحب الدور المشبوه الجديد داعي الإسلام الشهَّال!
قبل ثلاثة أشهر أرسل مواطن فرنسي رسالة نفـّاذة إلى مبنى البرلمان في وسط باريس، إحتجاجاً على الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وكامل الطبقة السياسية في البلاد: شاحنة محملة بروَث (وسخ) الحيوانات أفرغت ما عليها أمام «قصر بوربون» الشهير.
على جانب الشاحنة كُتب شعار بسيط: «فليخرج هولاند وكامل الطبقة السياسية. عاشت الجمهورية السادسة». أمَّا سبب المشهد شبه المسرحي فيعود لإعتبارات عامَّة تبدأ بفضائح هولاند الجنسية وتدهور الإقتصاد وتنتهي بالمصالح الخاصة للرجل المُعترِض، حيث أنَّ البرلمان الفرنسي كان قد أقرَّ رفع الضرائب على أصحاب مزارع الخيول، وهو واحد منهم، من ٧ بالمئة إلى ٢٠ بالمئة، دفعة واحدة.
من حسن حظ السادة النوَّاب عندنا أنهم في لبنان لا فرنسا!
Leave a Reply