ديترويت – ناتاشا دادو
لم يعد يخفى على أحد أن ديترويت بدأت تتلمس طريقها الى العودة مجدداً الى الإزدهار بعد عقود طويلة من الإنحدار والتراجع، كما لا يخفى أن العرب والكلدان قد لعبوا خلال المرحلة الماضية دوراً حيوياً في المدينة بالحفاظ على الحد الأدنى من متطلبات العيش فيها عبر الإبقاء على محطات الوقود ومتاجر البقالة التي يملكونها مفتوحة لاستقبال الأهالي وسكان الجوار، رغم فاتورة الدم التي دفعها العرب والكلدان، حيث تشير التقديرات الى مقتل مئات رجال الأعمال والعاملين منهم أثناء سعيهم لتوفير لقمة العيش الكريمة لهم وعائلاتهم.
واليوم وقد بدأت ديترويت تشق طريقها الى مستقبل زاهر، بدأت الجالية العربية والكلدانية التي تمسكت طويلاً بمصالحها في المدينة، تنظر في الفرص المتاحة للمشاركة في نهضة «مدينة السيارات»، وذلك بعد سنوات من المعاناة بسبب غياب الأمن وارتفاع معدلات الجريمة وانتشار الدمار وتراجع عدد السكان.
حالياً يملك رجال الأعمال المهاجرين أو المتحدرين من البلاد العربية معظم محطات الوقود في المدينة الى جانب مئات المتاجر الصغيرة والمحلات التجارية، إلا أنهم بدأوا في الآونة الأخيرة «توسيع بيكار» استثماراتهم ليخوضوا في مجالات إقتصادية أخرى.
فقد قام العديد من رجال الأعمال العرب والكلدان مؤخراً بافتتاح مصالح تجارية متنوعة كالمطاعم والحانات إضافة الى شراء الكثيرين لمبان خالية بهدف تحويلها إلى شقق سكنية، كما اشترى مستثمرون بيوتاً مهجورة ومهدمة بهدف إصلاحها وعرضها للإيجار، ويعتقد أن هذا التوجه سيأخذ منحىً تصاعدياً مع سياسات البلدية الجديدة في مكافحة انتشار المنازل المهجورة والمهملة في المدينة (تفاصيل ص 4).
وفي هذا الإطار، قال المحامي هلال فرحات، رئيس نادي برعشيت في ديترويت، وأحد رجال الأعمال العرب الأميركيين الذين عززوا استثماراتهم في المدينة مؤخراً، إنه من الخطأ القول إن العرب والكلدان يرجعون إلى المدينة فهم لم يغادروها أصلاً وهذا محسوم، بل إني أرى تعزيزاً لحضورهم في المدينة وهذا أمر إيجابي واضح».
وفي العام الماضي إشترى فرحات مع شريك له، مبنى «فريدريك ك ستيرن» الواقع شرق جيفيرسون في ديترويت والمسجل على «السجل الوطني العقاري الأميركي» كأحد أقدم المباني التاريخية في المدينة. المبنى الذي تبلغ مساحته ١٠ آلاف قدم مربع وتزينه هندسة معمارية فريدة من العصور الوسطى، بني عام ١٩٠٢ كمنزل لفريدريك ستيرن ثم تحول لاحقاً إلى مكاتب تجارية. ويعتبر فرحات الذي يملك مكتباً للمحاماة في ديربورن أن إفلاس مدينة ديترويت تحول الى فرصة «لتنظيفها من كل شيء سلبي».
المحامي هلال فرحات أمام مبنى «فريدريك ستيرن» التاريخي الذي قام بشرائه العام الماضي. (عماد محمد) |
ومن جهة أخرى، قام رجل الأعمال الكلداني الأميركي سام يونو بشراء مبنى تبلغ مساحته ١٠٠ ألف قدم مربع يعتزم ترميمه وتجديده لتحويله إلى مجمع شقق سكنية. ويملك يونو مع ابنه مطعم وحانة في المدينة من المتوقع أن يفتتح قريباً جداً.
وفي هذا الصدد، قال يونو «الأمور إلى تحسن وأنا تحدوني الثقة بأن ديترويت يوماً ما ومن دون شك ستصبح مثل أتلانتا أو لوس أنجلوس أو شيكاغو». وأضاف «أنا أشجع التعددية والتنوع في العمل التجاري الذي يجب أن يكون محصوراً بمستثمرين كبار» مثل شركة «كويكن لونز» لمالكها اليهودي الأميركي دان غيلبرت الذي يعتبر أحد أبرز المستثمرين في المدينة الى جانب عائلة إليتش التي تملك نادي «ريد وينغز» للهوكي على الجليد.
راندي يونو الذي يدير مطعم «راب باربيكيو» يشجع بدوره المستثمرين على عدم الإستسلام للصور السلبية السائدة عن المدينة والتي تدفع الكثيرين الى استبعاد فكرة الإستثمار في ديترويت.
وقال «أولئك المترددون هم مخطئون.. وسيكتشفون ذلك إن نزلوا على الأرض واطلعوا على الأمور بأنفسهم».
رجل الأعمال اللبناني الأميركي موسى بزي وأشقاؤه الأربعة يستثمرون في المدينة منذ ٣٠ عاماً حيث يملكون أربع محطات وقود، لكنهم وسعوا إستثماراتهم في الآونة الأخيرة إلى مصالح أخرى. فأحد الأخوة يقوم بتجديد وتصليح البيوت وتأجيرها كما يشارك الآخرون في إدارة مجمعات سكنية في المدينة.
وعن ذلك يقول بزي «نحن نؤمن بالمدينة وماترونه في وسائل الإعلام قد يصدق بعضه لكن معظمه ليس كما يبدو.. أنا إخترت أن أعمل وأستثمر هنا.. وأستمتع بذلك».
عدي عربو رئيس «جمعية تجار البترول والمواد الغذائية» (أي أف بي دي) التي تضم آلاف رجال الأعمال العرب والكلدان في ميشيغن وأوهايو، قال «اعتقد أن الجالية العربية والكلدانية هي العمود الفقري التجاري في ديترويت». وأضاف «الناس يتحدثون عن ولادة جديدة وهذا يتحقق أمامنا في وسط المدنية ومركزها»، إلا أن سكان الأحياء السكنية يبقى تعويلهم الأول والأخير على ما ظل متوفراً من كنائس ومصالح تجارية صغيرة» يملك العرب والكلدان معظمها.
فاي بيضون المديرة التنفيذية لغرفة التجارة العربية الأميركية، بدورها قالت لـ«صدى الوطن» «إن وسط المدينة مستمر في التطور والنمو بسبب إنتقال شركات عملاقة اليه وقد وجد رجال الأعمال العرب والكلدان موطئاً لهم فيه» وأضافت «لدينا تواجد في وسط المدينة لكنه غير ملاحظ وقد شهدنا مؤخراً العديد من الشركات تفتح أبوابها في ديترويت، وهي ليست بالضرورة محلات تجارية أو محطات وقود». مشيرة الى أن معظم رجال الأعمال العرب والكلدان اليوم «يملكون شركات تكنولوجية معلوماتية وغيرها».
المخالفات
وقال عربو إنه خلال العام الماضي إشتكى العديد من أصحاب المحلات التجارية من معاقبتهم من قبل دائرة الشرطة ومحاسبتهم على أمور لا ذنب لهم فيها أو على الأقل لا يملكون زمام السيطرة عليها، «وقد صدرت بحقهم مخالفات كثيرة غير مبررة»، وأردف عربو أن «رجال الأعمال يتقدمون للحصول على رخصة عمل تجاري لكن البلدية تأخذ وقتها لعدة أشهر، قبل أن ترسل الموافقة، وقد يظهر خلال هذه الفترة أحد أفراد الشرطة ويقوم بتسليمهم مخالفة وأمور كهذه لا يبدو أن لها أي أفق للحل».
كما يخشى مالكو محطات الوقود من إصدار مزيد من المخالفات بحقهم، لاسيما بعد إقرار مرسوم بلدي جديد يلزم أصحاب محطات الوقود بتركيب نظام كاميرات مراقبة متطور (ديجيتال)، وإلا لن يتم تجديد رخصة البلدية.
وقد مثّل المحامي فرحات العديد من رجال الأعمال العرب الأميركيين في ديترويت ممن أعربوا عن إمتعاضهم بسبب المخالفات الجائرة بحقهم. وتأمر دائرة الشرطة حالياً بأمر مدير الطوارئ المعين كيفين أور. البعض يعتبر أن إصدار المخالفات يعود إلى محاولة المدينة جبي بعض الإيرادات بسبب الإفلاس، ومؤخراً عقدت «جمعية تجار البترول والمواد الغذائية» إجتماعاً مع رئيس البلدية مايك داغن تمحورت حول تخوف رجال الأعمال من أن تؤدي هذه المخالفات إلى التأثير سلباً عليهم.
Leave a Reply