بقلم خليل اسماعيل رمّال
١٣ نيسان كانت ذكرى مصيبة بدء الحرب الأهليَّة في ما يشبه خيال وطن، وبعدها بعشرة أيام أي في ٢٣ نيسان صادف مرور ووفاة يوم تفيض عنه مصائب مهولة أكبر ومن نوع آخر. إنَّه يوم الأربعاء الأسود الإنتخابي الذي اقترع فيه ٤٨ من الحثالة النيابيَّة لمجرم قاتل محكوم بالإعدام من أعلى سلَطَة قضائيَّة.
حضروا جميعهم، حتى الأقطاب منهم والخائفون على أرواحهم من الإغتيال، إلى برلمان الذُّل والخنوع. لم يحصل أنْ إجتمع ١٢٤ «نابياً» في جلسة إقرار سلسلة الرتب والرواتب أو ليشرِّعوا قانوناً لمصلحة الشعب والفقراء الذين تعبوا من مفاجآت ومهازل السياسيين الذين يُباعون ويُشترون. لكنهم يوم الأربعاء هرولوا إلى ساحة «النجمة» من أجل الحدث الجلل. أدَّى النوَّاب قسطهم للعلى ووصلوا إلى الحد الأقصى المسموح لهم والذي يستطيعونه في «لبنَنة» الإستحقاق الرئاسي بغياب لافت للسفراء الأجانب ماعدا السفير الفرنسي مما أكد المؤكَّد بهزلية الجلسة. وبعد أنْ ارتكبوا معصيتهم في وضح النهار وعوَّموا سفاَّحاً إلى «نادي مرشح لرئاسة الجمهوريَّة» وأعطوه براءة ذمَّة سياسية بعد العفو القضائي، رُفعتْ الجلسة بانتظار المساومات والصفقات والسمسرات الخارجيَّة. فمن هو المغفَّل الذي يتوقَّع إنتخاب محلِّي لساكن قصر بعبدا المائل، إحدى العجائب السياسيَّة السبع في العالم؟! إنتهتْ المهزلة الأُربعائيَّة واعتبر كل فريق أنَّه الرابح بينما اشتعلتْ صفحات التواصل الإجتماعي بالحديث واللعنات على وطن يقبل بهكذا ترشيح. الكاتبة ضحى شمس تساءلت على «الفيسبوك» كيف تتخلَّص من الجنسية اللبنانية نتيجة هذا القرف. لكن هذه الثورة العاطفيَّة، رغم مشروعيَّتها وصدقها، تبدو مُستهجَنة نوعاً ما. ألم يصل من هو أخطر، عنيت به بشير الجميِّل، إلى الرئاسة على ظهر دبَّابة إسرائيلية وبدعمٍ قوي من السفَّاح المحروق أرئيل شارون الذي كان «ضيفاً عزيزاً» دائماً على آل الجميِّل في بكفيا حيث كان يستمتع بأطباق (النائب) صولانج الشهيَّة؟! لقد أصبح بشير الجميِّل بعرف الدولة الساقطة رئيساً تُوضع أكاليل الزهر على قبره في أعياد استقلال الوطن الجهيض! سمير جعجع تلميذ عند بشير الذي في ذمَّته الآلاف من الضحايا المسيحيين قبل المسلمين، بالإضافة إلى الفلسطينيين والسوريين. من يذكر الإغتيال الأول الذي نفَّذه بشير لداني شمعون بالقيام بمجزرة «الصفرا» وتصفية «نموره» الذين كانوا شركاءه في المجازر والقتل المجَّاني والذبح على الهويَّة؟ قتلهم حتى في بُرك السباحة قبل أن يُكمِل جعجع تصفية داني جسديَّاً مع عائلته مثل تصفية طوني فرنجية مع عائلته؟! ما سر مؤسِّس «القوَّات» وتلميذه بالإبادة الجماعية المافيويَّة الصقلية حتى للأطفال الصغار كما شاهدنا في فيلم «العرَّاب»، خوفاً من انتقامهم عند الكبر؟!
لكن رغم سابقة إنتخاب عريق في الإجرام ومنفِّذ مجازر السبت الأسود والكرنتينا وحي الغوارنة والنبعة والمسلخ وتل الزعتر والمرفأ وغيرها، يظل وقع ترشُّح جعجع للرئاسة ثقيلا على الهضم السياسي، والأخطر منه تأييد كتلة الزرقاويين له ومن بينهم رئيس الحكومة الشمطاء الصلعاء الذي لا ننسى دور والده في قيادة التفاوض مع بشير الجميِّل من أجل تقبُّله إسلاميَّاً! إذ أنَّ نوَّاب سُنَّةً بيروت وصيدا وافقوا على جريمة إغتيال الرئيس رشيد كرامي بتصويتهم لجعجع وكأن دماء كرامي رخيصة عندهم ولم يرِدُوا أنْ يكونوا «أولياء الدم» هذه المرَّة.
مرةً جديدة يجب ألاَّ نستغرب من موقف الحريريين لأنهم مرتبطون بسقف عالٍ لم يعودوا قادرين على تجاوزه بعد سلسلة لعق لاءاتهم من عدم الدخول في حكومة واحدة مع «حزب الله» إلى اشتراط انسحابه من سوريا إلى آخر المعزوفة المُملَّة والتي كادت تفرط تحالف حلفاء الغفلة والغفيلة في «١٤ الشهر» وعزلَتْ سمير جعجع لوحده، وهذا سبب دعم «المستقبل» لترشيحه لكي يوفي الحريري بدَيْنه ويحفظ الوحدة الشكلية لقرطة حنيكر. أمَّا السبب الثاني فيعود إلى محاولة الحريرية لإعادة شد عصب جمهورها بعد تنفيذ الخطة الأمنية وتخليها المريع عن مجرمي الأحياء في طرابلس الذين فرُّوا هائمين على وجوههم ومن بينهم عمر بكري فستق الذي أرسل استغاثةً من كهفه حول «مظلوميته» يتبرأ فيها من العمليات الإرهابية الانتحارية. لكن باب «حزب الله» هذه المرَّة موصدٌ في وجهه العاق ووجه قاطن بعبدا الحالي الذي قيل أنه يحاول التودُّد للحزب لكنه لا يلقى آذاناً صاغية! شد عصب «المستقبل” يكون بتبني، ولو بشكل هزلي مسرحي، ترشيح أكبر الأعداء الحاقدين على المقاومة وسلاحها بعد أنْ تمكَّن هؤلاء من إدخال الفتنة المذهبية الى النزاع السياسي وإجراء معادلة طردية بين السُنَّة والسلاح.
وربَّما هذه الفتنة المذهبية قد تأصَّلتْ في النفوس المريضة. فبعد ستة أشهر على تفجير المجرم معين أبو ظهر نفسه في الهجومين الانتحاريين أمام السفارة الإيرانية في بيروت، الذي نتج عنه استشهاد ٢٣ مواطناً وجرح ١٠٠ من السكان الآمنين، شُيعت بقايا جيفته في مسقط رأسه في صيدا، ودفن في مقبرة سيروب لتكون المفاجأة الكبرى مشاركة أحد مشايخ صيدا، عضو هيئة علماء المسلمين خالد العارفي، الملقب «أبو العطاء» الناشط في صفوف «الجماعة الإسلامية» والذي أصر بحضوره وكلمته على محاولة تبرير الفعل الإرهابي الإجرامي من خلال مقارنته بما يجري في سوريا، في تطابق غريب مع إدعاءات «كتائب عبدالله عزام» التكفيرية، ولم ينس أنْ يخاطب الانتحاري المُجرم بـ«ولدنا»، طالباً له الغفران لمن قتل نفساً بغير نفس، وفجر بحقده أجساد العشرات من الساعين خلف لقمة عيشهم من فقراء ضواحي المدينة، من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين.
«أبو العطاء» الذي قفز فوق كل جرائم الجماعات الإرهابية في سوريا ولبنان، ولم يتذكر سوى «البراميل المتفجرة»، متناسياً أنَّ من يقف فوق «قبره» مشيِّعاً، لم يفرِّق بين ضحايا جريمته!
ربما لبنان فعلاً بلد مرتزقة وجماعات بدائية ويستحق رئيساً مثل جعجع!
ولم يقف الأمر عند هذا الحد. فنائب «الجماعة الاسلامية» عماد الحوت أكمل مسيرة حقد «أبو العطاء» فأثنى على برنامج جعجع الانتخابي واعتبره مرشَّحاً جدِّياً ولا يُعرف تماماً إذا كان من بين ٤٨ عبيد زغار الذين صوَّتوا لجعجع!
إذا كان الحوت يظن أنَّه يرد الجميل لمقولة «فليحكم الإخوان» ويمنِّي نفسه برئاسة الحكومة في «عهد» خريج الحبوس، فهذه أضغاث أحلامٍ إبليس، أنْ يفوز صاحبه أو يتسلَّم هو موقعاً ما أكبر من خادم التيار الأزرق خصوصاً بعد وضع أسياده لجماعته على لائحة الإرهاب. والمؤسف أنْ تصبح هذه الجماعة في الخط المعادي تماماً للممانعة لكن الظاهر أنَّ «حوت المال» والسلطة أهم عندها من الدين والمبادىء. على كل حال للجماعة الإسلامية في «حماس» أسوة سيِّئَة!
بالمقابل المشرِّف بيَّض الله وجهك أيها النائب زياد أسود وسوَّد وجه نواب العار والشنار. لقد أعلن عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب زياد أسود أنه لم يلتزم بالورقة البيضاء التي طلبها العماد عون في جلسة الإنتخاب، وقال «أنا صوّت إلى الشهيدة المغدورة جيهان طوني فرنجية». كذلك تحيةً للذين صوَّتوا لضحايا جعجع، حتى الورقة البيضاء التي وضعتْ في الصندوقة لا تشرِّف أصحابها وإذا كانت «٨ آذار» لا تريد حرق ورقة العماد ميشال عون، كان الأشرف لها أن تنتخب العماد أميل لحُّود أو للمقاومة العظيمة في جلسة تقطيع الوقت اليتيمة!
«٤٨» رقم شؤم في تاريخ الانسانية. عام «٤٨» كانت نكبة وضياع فلسطين و«٤٨» كان عدد نواب النكبات الذين أضاعوا البوصلة والضمير واقترعوا وشاركوا في لعبة دم ضحايا جعجع. إنَّها نكبة وكارثة وطنية حلَّتْ ببرلمان شبه الكيان اللبناني ويوم عار مثل تاريخه الأسود!!
تاريخي هو تاريخ لبنان قالها جعجع على باب الزنزانة التي تشبه زنزانته في «رومية» والتي ربَّما بناها في «معراب» من أجل إقامة متحف إجرام يحمل إسمه فيما بعد. معه حق جعجع فهو أصدق ممثِّل لتاريخ الكيان المسخ من زمن المجرم الطاغية بشير الشهابي وقبله الخائن فخر الدين إلى حروب الدروز والمسيحيين في فتنة ١٨٦٠ إلى ثورة الفلاحين المزوَّرة من قبل طانيوس شاهين، إلى مجازر «القوات» ومعلِّمه إلى العمالة والخيانة مع إسرائيل. النقطة المشرفة الوحيدة في هذا الكيان الجهيض هي المقاومة.
وبعد سقوط جعجع في الحلبة الانسانية الأخلاقية وحتى الإعلامية حيث قرأنا نموذجاً من حضارته في الشتم والسباب بحق المناضل الإعلامي المقاوِم إبراهيم الأمين، جاء دور المحكمة الإسرائيلية لكي «تنعِّم» هذا التهاوي عبر تحقير الإعلام الوطني الشريف الممثَّل بجريدة «الأخبار» وقناة «الجديد» الذي كشف زيف وفساد وتامر هذه المحكمة السنيوريَّة التي دُبِّرت بليل. لقد تخطت تحقير «دير شبيغل» و«لوفيغارو» والتلفزيون الكندي ورشوة ميليس ومساعده بالمال والخمر والنساء وشهود الزور والأدلة المركَّبة الباهتة ولم تلتفت إلاَّ إلى الإعلام الوطني . لكن جعجع وزبانيته والمحكمة الدولية هما وجهان لعملة واحدة وقضاء واحد مثَّله «قواتي» سابقاً وريفي حالياً وكما قال الأمين إركبوا أعلى ما في خيلكم ونحن نقول «خلص كازكم»!
Leave a Reply