بقلم خليل اسماعيل رمّال
ما هذا البلد الذي يقع في أزمة وجود مصيرية بعد إنتهاء كل عهدٍ رئاسيٍ مقيت لكي يجد عهداً أكثر مقتاً من سلفه؟! يعني فور انتخاب ساكن لقصر بعبدا «بيزا» المائل على الشعب اللبناني، المثكول بسياسيين من وحوش المال والإقطاع، أنْ يحمل همَّ السنوات الست التي ستعقب ولاية الرئيس والذي يكون المقترع الأساسي له للوصول الى الحكم، الدول الخارجية الأجنبية فيقوم برلمان الدمى بعملية البصم الأعمى على قرار الخارج. كل هذا ليس فيه شيء من العيب ولا حتى الحساسية عند ساسة «شبه الوطن»! ألم يهتف ميشال سليمان، الذي سيرينا عرض أكتافه في ٢٥ أيار، بحياة مملكة العائلة السعودية؟! هذا النظام مثل السفرجل كل عضة بغصَّة، لم يصل بعد إلى سن الرشد بل مازال يرتع في العصر الحجري والبدائية والقبلية.
ولكن الأمرّ من إنتخاب رئيس لا «يهشّ» ولا «ينشّ» هو حدثٌ آخر لا يقل خطورة. فبين ٢٠ أيلول و٢٠ تشرين الثاني يبدأ إستحقاق آخر لا يقل تعقيداً عن إنتخابات الرئاسة، هو انتهاء ولاية مجلس النواب في ٢٠تشرين الثاني، ما يقتضي أخذ الحيطة من فراغ محتمل، بدوره، في السلطة الاشتراعية ما لم يُصر إلى إجراء إنتخابات نيابية عامَّة في الايام الـ٦٠ هذه أو التمديد للمجلس المُمدَّد له بضعة أشهر جديدة.
تعني المشكلة المقبلة، المكمّلة لشغور منصب الرئيس، أنَّ على مجلس النواب ليس تمديد ولايته فحسب، كما فعل في جلسة ٣١ أيار ٢٠١٣ بل كذلك سبل إخراج إصدار قانون التمديد ونشره في الجريدة الرسمية من غير أنْ يوقِّعه رئيس الجمهورية، وقد شغر منصبه.
وهكذا في «غصَّة» الوطن هذا أزمة حكم وغليان شعبي وثورة موظفين ومعلِّمين وعمَّال عيَّدوا جميعاً في عيد العمال بأول أيار في أسوأ ظروف معيشية يتعرَّضون لها في حين يتنعَّم النوائب والوزراء والمسؤولون بامواهم ومسروقاتهم وحياتهم المليئة بالرفاهية وبينما أصبح مصير سلسلة الرتب والرواتب للموظفين والمدرِّسين في عهدة فؤاد السنيورة أي حاميها حراميها حيث انه مع هؤلاء النوائب من وحوش المال لا يتورَّعون عن غبن حقوق الشعب اللبناني وسرقته! ولربَّما أصبحت «هيئة التنسيق النقابية» خير انصهار للشعب في بوتقة الوحدة الوطنية من خلال الحركة المطلبية بينما يدَّعي «الإتحاد العمَّالي العام» الذي ينفِّذ مصالح الأحزاب والطوائف والبرجوازية المعادية لكل العمَّال، تمثيل الطبقات العمَّالية الكادحة وهو لا يمثِّل إلا نفسه غير المطمئنَّة.
وهكذا تكرَّرتْ نكبة يوم الأربعاء في برلمان الفاسدين لكن هذه المرَّة بفقدان النصاب ومن دون دعاية مجَّانية لمزحة سمير جعجع الثقيلة رغم إصرار الزرقاويين على التمسُّك بترشيحه في وقتٍ كانوا يجرون فيه، فرضاً، مفاوضات بين وفد «التيَّار الوطني الحر» وسعد المغترب في باريس. وسرعان ما تبيَّن أنَّ مواقف الحريرية مع العماد عون هي للمناورة والمراوغة وكسب الوقت ولا أمل بالتفاهم على إنتخاب عون لأنَّ راعي الطويسة السعودي ليس في وارد التنازل في لبنان خصوصاً أنَّ انتخاباتٍ اكثر أهميةً تجري من حوله في سوريا والعراق. فالمسافة بين عون والحريري تسرح فيها الغزلان ولا مجال لإعادة الثقة بين الجانبين خصوصاً أنَّ الحريري يظن أنه قد يبدأ التفاوض مع الأصيل اللبناني (حزب الله) بعد الحوار الإيراني السعودي، فلماذا المرور عبر قنواتٍ ثانية، لكنه يعرف، ويتجاهل، وفاء المقاومة والتزامها بالمرشح الوحيد الذي أعلنت عنه وهو الجنرال عون وإلا أهلاً بالفراغ .
لقد ضحَّى عون في الإنتخابات الرئاسية الماضية برئيس بخس ولا يجب عليه اليوم أنْ يقفل الستارة على حياته السياسية مسلِّماً البلد إلى ميشال سليمان آخر أو أمين جميِّل ثانٍ لا يستحي ولا يخجل من طرح إسمه رغم كل الخراب والشحار الذي حلَّ في عهده غير الميمون. عون أو الفراغ لأنَّ الرئيس يجب أن يعيد للمقاومة اعتبارها ويوفيها حقَّها على تضحياتها العظيمة في بلد عاق لا يعرف الوفاء. كذلك فالحديث ساعة عن إنتخاب جان عبيد وساعة عن رياض سلامة حاكم المصرف المدافع عن حقوق وحوش المال، أو حتى زيار بارود ما هو إلا هراء ورجم بغيب المحال ولا يستحق أي من هؤلاء أن تقدَّم له الرئاسة على طبقٍ من فضَّة! ولماذا ولأي سبب وما هي تضحيات هؤلاء ومواقفهم البطولية وما هو وزنهم وماذا يشكِّلون ومن يمثِّلون؟! المرشَّح المطروح بارود، الذي يبدو أنَّ البطريرك الراعي يفضِّله (ولا نعرف ما هو السبب؟)، لم يستطيع أنْ يقف في وجه المدعو أشرف ريفي عندما كان تحت إمرته كوزير للداخلية ففضَّل الهرب من المسؤولية، فكيف سيتحمَّل مسؤولية بلد معقَّد «مقطَّع موصَّل»؟ والنِعَم على هكذا مرشَّح! البعض يطرح اسم المفضَّل عند نصرالله صفير (هل من يتذَّكره) وهو دميانوس قطَّار. بربِّكم هل هذا إسم لرئيس جمهورية؟ لكن حتى صفير الصقر الأكبر لـ«١٤ عبيد زغار» لم يتجرأ على مرافقة البابا في روما لزيارة القدس المحتلَّة لكن الراعي ينوي القيام بذلك حسب التقارير الصحفية متذرِّعا بأنها لمرافقة البابا والهدف ديني رعوي بحت، غير أن الزيارة إذا حصلت ستكون غلطة لا تُغتفر لرأس الكنيسة المارونية بتداعيات خطيرة على الوضع الداخلي وسيُنظَر اليها على أنها تطبيع مع العدو بكل الأحوال ونتمنى أن يعدل الراعي عن هذه الخطوة غير المحسوبة!
وهكذا بينما يبحث «شقفة الوطن» عن الرئيس المفقود تسير سوريا المنتصرة على الإرهاب بخطىً ثابتة نحو تثبيت عملية إنتخاب الرئيس بشَّار الأسد في الصيف المقبل رغم كل الأراجيف والأراجيز والتهويلات والهجمات السعودية القطرية الداعشية لحذفها وحرفها عن مصيرها لانها ستكشف حقيقة هذه التي تسمَّى «ثورة» سورية! ولعل أجمل خبر سمعناه هذا الأسبوع هو عودة التعاون، ولو غير المباشر، بين الجيشين السوري واللبناني بعد الإعتداء على الجيش في عرسال التي تعجُّ بالإرهابيين الهاربين من القَلَمون كآخر منفذ لهم، ثم قيام القوات السورية بقصف مواقع الإرهابيين الذين كمنوا للجيش اللبناني. إنْ شاء الله مع رحيل سليمان وحوته تعود العلاقات الطبيعية إلى سابق عهدها بين البلدين الشقيقين بعد أنْ يفرغ وطن التيه من البحث عن الرئيس المفقود!
Leave a Reply