بقلم: مريم شهاب
في أحد النوادي الرياضية، تعرفت على فتاة جميلة ومثقفة تبتسم للحياة بثقة وتفتح ذراعيها للمستقبل بأمل.
مراراً حدثتني عن أمها ومدى إرتباطها بها، فهي آخر العنقود في عائلة كبيرة، ولطالما أكدت لي أنها تعشق أمها بلا حدود، فلا قيمة لحياتها بدونها ولهذا فقد نالني من حبها «طرطوشة» لأني أشبه والدتها.
وبسبب برد الشتاء وثلوجه توقَّفَت عن الذهاب للنادي، فاتصلتُ بها مؤخراً لأسأل عن أحوالها وهل ستعود لممارسة الرياضة إلى جانب عملها، فقالت لي إنه حدث شيء قلب حياتها رأساً على عقب، مرضت والدتها منذ أشهر، وقد رأت أن تؤجل كل أحلامها وطموحاتها حتى تشفى الوالدة من مرضها العضال.
الأسبوع الماضي، زرتها في بيتها، فوجدتها ثقيلة الحركة، مَلولة ويائسة وأحوالها توحي بأنها في إنحدار من سيء إلى أسوأ، كونها جعلت نفسها المسؤولة الوحيدة عن أمها، تقضي بجوارها كل وقتها وتشرف على علاجها ومواعيد أطبائها فيما انصرف باقي أفراد الأسرة كلٌ الى حاله.
مما لا شك فيه، أن الأم أغلى من أيّ نفيسٍ وغالٍ في الوجود لكل إنسان، وتهون من أجلها التضحيات مهما بلغت، لكن لا فائدة من إنقاذ حياة على حساب حياة أخرى، فمرض الأم خطير وطويل، وهي طريحة الفراش منذ أشهر وقد يستغرق علاجها شهوراً أخرى لا أحد يعرف كم أمدها.
هذا ما قلته للفتاة الجميلة لعلها تخفف من معاناتها، فما دامت الأسرة كبيرة ومقتدرة، يمكن الإستعانة بممرضة ترعى الأم وتؤدي واجبها تحت إشراف الإبنة لكي تستطيع أن تمارس بعضاً من حياتها، بعيداً عن فراش المرض حيث تسلل إليها الإكتئاب واستولت عليها الكآبة.
قلب الأم لا يرضى لإبنتها التعاسة ولا أن تضيع مستقبلها وتلغي أحلامها من أجل إثبات حبها لوالدتها، فكل عاطفة في الحياة هي وليدة المحبة، والمحبة ليست في حاجة إلى إثبات. إذ بالإمكان القيام بالواجب كاملاً حيال من نحب بتضحيات معقولة وعملية، ما دامت الحياة مستمرة.
أمهات كثيرات تبلل دموعهن الوسائد وتجف أرواحهن وتذوي في قلوبهن بهجة الحياة، عندما يرون إبنهم الشاب يضيع ساعات طويلة في «الكلام الفاضي» على الآي فون ولايرفع عينيه عن الشاشة حتى وهو ينظر للساعة إستعداداً للخروج.
الولد، الذي كبر وأصبح شاباً، مأخوذٌ بفورة الإتصالات السهلة ودوامة الحياة السريعة، لا يخطر بباله أن يقول كلمة طيبة أو يظهر لفتة محبة أو أن يطبع قبلة سريعة على جبين أمه، وعندما تقول له إشتقت إليك يا ولدي تعالَ واجلس بقربي، يقعد قليلاً ثم ينشغل بقراءة تعليقات أصدقائه وكأن الوقت الذي يقضيه معها «تحصيل حاصل».
لا يدرك الإبن المأخوذ بضوضاء الحياة أي قلب كبير يحبه، ينظر إليها ولايراها، يلوح لها مزهواً بـ«شبوبيته» معلناً بعنجهية وبصوت مخشوشن «شو بدك مني… أنا بطلت ولد صغير».
كيف لهذا الولد الذي ربته أمه كلَّ شبر بنذر، أن يذكّر أمه بأنه لم يعد صغيراً؟
وهذا ملك الزجل، الشاعر موسى زغيب يقف أمام أمه مترنماً بحنانها وعطفها بهذه الأبيات الرقيقة المؤثرة:
Leave a Reply