ديربورن – سامر حجازي
رفع مكتب «سيريل هول» للمحاماة، دعوى قضائية ضد شرطة ديربورن بدعوى انتهاك حقوق شاب من سكان المدينة تعرض للضرب والاعتقال على يد الشرطة عندما كان في طريقه الى منزله، صباح ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٣.
«صدى الوطن» نشرت الأسبوع الماضي شريطاً مصوراً وحصرياً للحادث الذي يظهر فيه علي بيضون (٢٨ عاماً)، أثناء توقيفه وضربه على شارع غولد في شرق ديربورن، حيث كان يستقل دراجته الهوائية عائداً إلى منزله عند الساعة الرابعة صباحاً، قادماً من مكان عمله في مقهى «مانغو»، الذي يغلق أبوابه في وقت متأخر خلال أيام عطلة نهاية الأسبوع.
وبيضون الذي يعمل في جلي الصحون بالمقهى، هو شاب من أصل لبناني يعاني من قصور في قدراته العقلية ولا يتقن التحدث باللغة الإنكليزية، وكان قد انتقل للعيش في الولايات المتحدة سنة ٢٠٠٨.
علي بيضون والى جانبه (من اليمين) المحاميان أمير مقلد وسيريل هول ومدير «كير-ميشيغن» داود وليد، أثناء مؤتمر صحفي عقد الأسبوع الماضي في مكتب «سيريل هول» في ديربورن. |
وحسب الفيديو الذي نشرته «صدى الوطن»، كان بيضون متوقفاً الى جانب الطريق يحاول على مايبدو إصلاح دراجته عندما إقتربت منه دورية للشرطة ترجّل منها الضابط جون بالاوسكي، الذي طلب منه إبراز هويته.
لكن بيضون المرتبك رد قائلاً «لا»، فما كان من الشرطي إلا أن سأله «من أين أنت قادم؟»، عندها أجابه «لا أعرف». بعد ذلك قال بالاوسكي لبيضون إنه سيقوم بتفتيشه للتأكد من عدم حمله للسلاح فدب الذعر في قلب الشاب الذي راح يصرخ مكرراً «لا.. لا.. لا..»، فما كان من ضابط الشرطة إلا أن لف ذراعه بخشونة على رقبة بيضون ورماه أرضاً.
ظل بيضون يصرخ مذعوراً وهو مرميٌ على الأرض، وما هي إلا دقيقة واحدة حتى وصل ضابط آخر، يدعى آرون مورانديني، جاء لمساعدة بالاوسكي للسيطرة على بيضون واعتقاله، ثم قاما معاً بجر الأخير بعيداً عن مجال تغطية الكاميرا المثبتة على سيارة بالاوسكي، حيث لم يعد بالإمكان رؤية سوى أرجل الضابطين وهما يركلان الشاب، وقد سمع صوت بالاوسكي وهو يصرخ قائلاً «توقف عن القتال»، لكن بيضون استمر بالصراخ.
بعدها بدقائق، وصلت عدة سيارات للشرطة إلى المكان أحاطت بمكان بيضون الذي كان مازال مطروحاً على الأرض وهو يصرخ بذعر واضح، فيما تجمع حوله أكثر من ثمانية رجال شرطة، وبعد السيطرة عليه اقتيد بيضون مخفوراً ومشدود الوثاق من الخلف إلى داخل سيارة بالاوسكي حيث سمع وهو يستنجد بأمه، لكن الغريب أنه لم يتم احتجاز بيضون بل تم تسليمه إلى مستشفى «أوكوود» لعلاج جروحه التي أصيب بها خلال الإعتداء.
يقول محامو بيضون إنه أصيب بجروح في الظهر والوجه بالإضافة إلى الصدمة النفسية نتيجة المعاملة الفظة التي لقيها على أيدي شرطة ديربورن.
ويضيف المحامي أمير مقلد، من مكتب «سيريل هول»، أن ضباط الشرطة استخدموا القوة المفرطة ضد بيضون، وكانوا يعلمون أن ما فعلوه «خطأ»، وتابع «لم يكن يحق لهم إعتقاله فهو لم يرتكب جرماً ولم يكن متواجداً في مسرح جريمة وليس هناك مذكرة إعتقال صادرة بحقه. لقد كان ببساطة عائداً إلى بيته من يوم عمل عادي.. هذا كل ذنبه».
وقال مقلد إن مكتبه ينوي رفع الدعوى ضد شرطة ديربورن استناداً إلى قانون الحقوق المدنية لعام ١٩٨٣، وتتضمن أربع تهم هي: الإعتداء والضرب، الإعتقال الخاطئ واستعمال القوة المفرطة والإهمال الجسيم.
بيضون تحدث إلى «صدى الوطن» عن تجربته القاسية مع الشرطة حيث أعرب عن إعتقاده «أن الحادث كان بالإمكان تفاديه لو قامت دائرة الشرطة بتأمين مترجم»، مؤكداً أنه لم يفهم ما قاله له الشرطي وأنه كان يخشى أن يتم اعتقاله دون ذنب.
وبيضون لا يملك رخصة سوق ويستعمل منذ عدة سنوات دراجته الهوائية للتنقل من بيته إلى عمله، وقد صادرت الشرطة دراجته ولم ترجعها له الى الآن.
وأضاف بيضون أنه لم يتمكن من التواصل مع الشرطة إلا بعد عدة ساعات حيث حضر الى المستشفى موظف عربي مرتبط بدائرة الشرطة للحديث معه، وسأل الموظف بيضون عن سبب مقاومته للإعتقال فكان رده أنه يتحدث العربية فقط ولم يكن يفهم ماذا كان ضباط الشرطة يقولون له.
وحول ذلك، أضاف مقلد «لم يتمكنوا من التواصل معه كما رفضوا احضار شخص يمكنه المساعدة، وهذا موضوع خطير يتعلق بالسلامة العامة للمواطنين ولضباط الشرطة على حد سواء»، وتابع أنه على دائرة الشرطة في ديربورن أن توظف أشخاص يجيدون العربية من أجل خدمة سكان المدينة التي تضم شريحة واسعة من الناس الذين لا يتحدثون سوى العربية.
ويستمر شريط الفيديو الذي بثته «صدى الوطن» في حصد المشاهدات والمشاركات عبر مواقع «فيسبوك» و«يوتيوب» و«تويتر» وقد أعربت معظم التعليقات عن إمتعاض أصحابها من تصرف ضباط الشرطة واستخدامهم للعنف في التعاطي مع الموقف، فيما دعا البعض إلى ضرورة إعادة تدريب قوات الشرطة للتعامل بطريقة مناسبة مع الأفراد المعوقين عقلياً.
وعلّق أحدهم متهكماً بالقول «يمكن أن تدرك منذ الدقائق الأولى من التفاعل مع الفتى، إنه معوّق فكيف تتعامل معه بعد علمك بوضعيته؟ تطرحه أرضاً وترسل بطلب إثنين من زملائك حتى يساعدوك في ضربه من دون شفقة؟ هناك طريقة أكثر عقلانية لمعالجة الموقف، خاصة أنه يبدو بوضوح أن المشتبه لا يشكل خطراً على أحد… هؤلاء الناس بحاجة إلى تدريب أكثر وما حصل عار على دائرة الشرطة».
إلا أن ليس كل تعليقات «فيسبوك» وردود الفعل كانت سلبية، فقد أشار بعضهم إلى أن الضابط بالاوسكي قارب الموضوع بحذر شديد لأن بيضون بدا كأحد المشبوهين الذين يستخدمون دراجاتهم الهوائية لتنفيذ عميات السرقة في الأحياء، وقال آخر «أنا لا أرى قضية إعتداء هنا البتة.. واضح أن الرجل لا يتحدث الإنكليزية أو مضطرب عقلياً بطريقة ما».
ويضيف آخر «لقد طلب منه إبراز هويته لكنه تجاهل الشرطي وعندما طلب تفتيشه قاومه».
إلا أن المحامي مقلد أكد أن بيضون لم يكن يقاوم الشرطة لمنع إعتقاله معرباً عن إعتقاده بأن الشرطة لم تملك السبب الكافي منذ البداية لإعتقاله. وأشار مقلد الى «أن سلوك ضابط الشرطة لا سبب له ولا مبرر»، إذ يعاني بيضون من صعوبة التعلم بسبب حالته العقلية، ولم يكن ضرورياً أبداً تعريضه لهذا العنف الشديد من الشرطة»، أما بلدية ديربورن فقد اكتفت بإصدار بيان حول الحادث، أثار امتعاض العديد من الحقوقيين الذين اتهموه بالإنحياز.
وجاء في بيان البلدية أن مراجعة دقيقة أجرتها دائرة الشرطة للحادث الذي وقع مع علي بيضون في شهر كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٣ والذي قاوم تعليمات الشرطة مما أدى إلى استخدام ضروري للقوة، أظهرت أن الضباط تصرفوا بالشكل الملائم وحسب بروتوكول الدائرة المرعيّ الإجراء».
وادعت البلدية أن بيضون أثار العديد من الشبهات حيث استرعت بعض الأمور غير الظاهرة في الفديو إنتباه الشرطي الذي لاحظ أن بيضون لم يكن يلبس ثياباً ملائمة لبرودة الطقس ذلك الصباح حيث كانت درجة الحرارة حوالي ٢٠ درجة فهرنهايت، كما أن دراجته لم تكن مزودة بضوء يسمح باستخدامها في ساعات الظلام، عدا عن تجاهله لعدة إشارات وقوف، وهو في طريقه الى بيته، عند الساعة ٤:٤٧ صباحاً»
وأضاف البيان أنه تم توقيف بيضون في حي شهد العديد من سرقات البيوت والسيارات، إذ أنه من الشائع أن يستخدم المجرمون الدراجات الهوائية في عمليات سرقة السيارات، حيث يرصد هؤلاء السيارات المشغّلة من قبل أصحابها بغرض تسخين المحرك وتدفئة السيارة، ليقوموا بسرقتها، وفق بيان الشرطة.
«كير-ميشيغن» تشكو ديربورن لوزارة العدل الأميركية
وظهر الخميس الماضي، عقد «مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية»-فرع ميشيغن مؤتمراً صحفياً في مكتب «سيريل هول» في ديربورن، حيث عبر المدير الإقليمي للمجلس، داوود وليد، عن امتعاضه من تصرف الشرطة حينما شاهد الفيديو على موقع «صدى الوطن»، مشيراً الى أنه لم يكن يعلم بفداحة القضية إلا بعد مشاهدة الشريط المصور. وأضاف وليد أن «كير-ميشيغن» رفع شكوى إلى قسم الحقوق المدنية في وزارة العدل الأميركية، وهي شكوى منفصلة عن الدعوى القضائية التي رفعها مكتب «سيريل هول»، كما عبر وليد عن خيبة أمله من ردّ فعل بلدية ديربورن قائلاً إنه كان عليها «التدقيق بالحادث قبل اللجوء الى تبرير أفعال الشرطة»، وتابع أنه «بدل أن تقول البلدية أنه ستقوم بالتحقيق في الحادث، ذهبت بعيداً بالقول إن تصرفات رجال الشرطة كانت مبررة». وقال وليد إنه من غير المقبول تحت أي ظرف من الظروف أن يقال إن شخصاً ما قد يكون مجرماً بسبب شكل ملابسه، كما أنه من غير المقبول تبرير اعتداء الشرطة بالضرب على شخص أعزل مرمي على الأرض».
أما المحامي سيريل هول فقال للصحفيين إن بيان البلدية حمل بعض المغالطات، مشيراً الى أن مكتبه قام بالتحقق من أنه لم تقع أي حوادث سرقة سيارات أو منازل في الحي الذي أوقف فيه بيضون، على عكس ما لمح اليه البيان.
Leave a Reply