دمشق – صخر نصر، وكالات
تمكنت الدولة السورية الأسبوع الماضي من استعادة أحياء حمص القديمة لتصبح ثالث أكبر مدن البلاد بالكامل خارج نطاق العمليات العسكرية التي تواصلت بوتيرة عالية في العاصمتين السياسية والإقتصادية للبلاد، حيث تمكن الجيش السوري من التقدم في الغوطة الشرقية لدمشق وتضييق الخناق على مسلحي شرق حلب والإقتراب من فك حصار سجن حلب المركزي المحاصر منذ نحو عام.
تنفيذ اتفاق حمص القديمة يخرج المدينة من خريطة المعارك ويعني عسكرياً، إمساك الجيش السوري بكامل المنطقة من الساحل السوري مروراً بحمص وصولا إلى دمشق وأجزاء من غوطتيها، أما سياسياً فلإخلاء حمص من المسلحين دلالات هامة قبل أقل من شهر على إجراء الإنتخابات الرئاسية في سوريا.
وحمص القديمة، التي كانت تصفها المعارضة بأنها «عاصمة الثورة»، أمست من دون مسلحين، بعد خروج آخر دفعة منهم الخميس الماضي، على الرغم من تعثر الجولة الأخيرة من التسوية، والتي تتضمن تسليم شحنات إغاثة إلى قرى في ريف حلب، بعد منع مسلحين من «جبهة النصرة» قافلة من الوصول الى نبل والزهراء.
وتحت إشراف الجيش السوري خرج المسلحون، ومعظمهم من سكان المدينة مع عائلاتهم من أحياء جورة الشياح، باب هود، القرابيص، وادي السايح، الحميدية، بعدما كانوا قد أقاموا شبكة أنفاق متصلة بشبكة الصرف الصحي أتاحت لهم السيطرة والاحتماء من القصف المدفعي والجوي قبل الخروج إلى الدار الكبيرة وتلبيسة في شمال المحافظة علماً أن الدار الكبيرة تقع الى الشمال من حمص ومفتوحة من عدة جهات ويمكن السيطرة عليها عسكرياً بسهولة تامة، وتبقى المسألة محصورة مابين الرستن وتلبيسة والدار الكبيرة وهي منطقة صغيرة وجغرافيتها سهلية.
ومع انتهاء عملية خروج المسلحين من أحياء وسط حمص، يكون النظام السوري قد استعاد غالبية أحياء ثالث كبرى مدن البلاد، باستثناء حي الوعر الذي يقطنه عشرات الآلاف من الأشخاص، بينهم عدد كبير من النازحين من أحياء أخرى في حمص.
ويعتبر اتفاق حمص القديمة من أبرز اتفاقات التسوية التي حصلت بين الحكومة والمجموعات المسلحة.، ونسبت وسائل إعلام المعارضة الاتفاق إلى فصائل عدة، من أبرزها «الجبهة الإسلامية»، و«جبهة النصرة»، و«جيش المجاهدين»، و«الغرفة المشتركة لأهل الشام»، و«الهيئة الشرعية في حلب»، و«غرفة مجاهدي جبل الأكراد»، و«غرفة عمليات الأنفال»، وذلك على الرغم من اتهام كل من «جيش المجاهدين» و«النصرة» بمحاولة عرقلة الاتفاق أيضا.
وأدى إتفاق حمص الى انفراج أهالي مختطفين من ريف اللاذقية، حيث أطلق المسلحون الدفعة الثانية منهم، والتي شملت 25 شخصاً من النساء والأطفال والمسنين، مضى على اختطافهم نحو عشرة أشهر، ويشكلون ما نسبته 50 بالمئة تقريبا ممن تم اختطافهم في معركة ريف اللاذقية في آب (أغسطس) الماضي، وينتمون إلى قرى برمسه والحمبوشيه وبلوطة ونباتي وبارودة.
في جميع الأحوال استعادت الدولة السورية مدينة حمص بالكامل كمنطقة استراتيجية هامة مؤكدة أن سكانها سيعودون اليها فور تنظيفها من الألغام والعبوات الناسفة وكل ما يشكل خطراِ على سكانها، حيث أبدت الفعاليات الاقتصادية، منذ الساعات الأولى لتنفيذ الاتفاق، استعدادها لاعادة تأهيل المعامل وتفعيل الحركة الاقتصادية والمساهمة في إصلاح البنية التحتية للمدينة التي أنهكتها الحرب وأعمال التخريب الممنهجة.
وجال محافظ حمص طلال البرازي برفقة بعض الفنيين في أحياء المنطقة، مرورا بدوار الساعة الذي رفع عليه العلم السوري، كما تفقد مبنى المحافظة القديم، معلناً أن «ورش الصيانة والخدمات ستدخل هذا القسم من المدينة صباح اليوم، وذلك في الوقت الذي تقوم به وحدات من الهندسة بالبحث عن ألغام أو متفجرات».
في جانب آخر، يسعى المسلحون لتحقيق انجازات على الارض في ريف القنيطرة الجنوبي مستفيدين من الدعم الاسرائيلي اللوجستي ومن المشافي الميدانية الاسرائيلية التي وضعتها اسرائيل في خدمة المسلحين في حين يحاول أحمد الجربا رئيس ما يسمى بالائتلاف السوري المعارض في واشنطن تحقيق أمرين أولهما الحصول على دعم معنوي من واشنطن، وقد تحقق ذلك باعتراف واشنطن بمكاتب «الائتلاف» كبعثة دبلوماسية، والثاني عسكري بطلب الحصول على سلاح نوعي مضاد للطيران الأمر الذي لاتزال واشنطن «تدرسه»، ومن غير المرجح ان توافق عليه خوفا من وقوعه بأيد غير موثوقة، إضافة الى عدم الثقة بقدرة هذه الأسلحة على الموازين الميدانية بالشكل الكافي.
في حلب، تمكن الجيش الأسبوع الماضي من السيطرة على منطقة البريج الإستراتيجية شمال المدينة، والتي من شأنها فك الحصار عن سجن حلب المحاصر منذ نحو عام، وإعادة السيطرة على المنطقة المحيطة بمبنى مستشفى الكندي الذي تعرض للتدمير بشكل شبه كامل بعد أن قام مسلحون متشددون بتفجير سيارتين فيه، في خطوة كانت مفاجئة للمسلحين المحتشدين في المدينة الصناعية في الشيخ نجار وعلى جبهة الزهراء قرب مبنى الاستخبارات الجوية.
وكان مسلحو المعارضة قد فتحوا، خلال الأسبوعين الماضيين، جبهات عديدة في حلب لتشتيت قوى الجيش المرابطة فيها، والسيطرة على مبنى الاستخبارات الجوية، الأمر الذي يعني سقوط حلب الغربية بيد المسلحين، إلا أن الجيش تمكن من قلب الطاولة بسيطرته على منطقة البريج شمال المدينة. وتأتي أهمية سيطرة الجيش على هذه المنطقة، كونها آخر نقطة وصل بين المسلحين الموجودين داخل مدينة حلب وريفها الممتد إلى تركيا، وإضافة إلى إطباق الحصار على المسلحين، فمن شأن هذا الطوق الذي شكله الجيش في محيط المدينة أن يحولها إلى قلعة حصينة يصعب اختراقها.
وبدأت العمليات العسكرية الواسعة للجيش السوري للإطباق على مسلحي حلب الشرقية في تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد سيطرة الجيش على مدينة السفيرة شرق حلب، ومحيط مطار حلب الدولي، حيث انطلق من هذه النقاط نحو المدينة الصناعية التي يسعى الجيش جاهدا للسيطرة عليها وتأمينها لإعادة تشغيلها، حيث يحقق الطوق الذي فرضه حول المدينة، وتقدمه في الأحياء الشرقية الشمالية منها، طريقا آمنة من المدينة.
وقد قتل وأصيب عدد من جنود الجيش السوري صباح الخميس الماضي عندما قام مسلحون باستهداف فندق «الكارلتون» الأثري بمدينة حلب القديمة عبر تفخيخ نفق حفروه أسفل الفندق. وقد استخدم المسلحون كميات كبيرة من المتفجرات ما أدّى الى انهيار ما تبقّى من الفندق الذي تضرّر بهجوم وقع قبل شهرين. والفندق مبنى أثري، كانت تتمركز فيه وحدة من الجيش السوري.
وفي ريف دمشق، تواصلت معركة المليحة في ريف دمشق وواصل الجيش السوري عملياته العسكرية فيها، وبعد استعادة الجيش السيطرة على وسط البلدة ومبنى البلدية، كسر الخطوط الدفاعية الأولى للمسلحين بهذا التقدم.
واستعادة السيطرة على المليحة تعني التقدم في عمق الغوطة الشرقية وقطع طرق إمداد المسلحين الموجودين فيها، فهذه البلدة تشكل نقطة أساسية في معركة الغوطة.
سياسياً، انتهت عملية الترشيح لإنتخابات الرئاسة السورية المقررة في الثالث من حزيران (يونيو) المقبل، بإقرار أسماء ثلاثة مرشحين حازوا على موافقة أعضاء مجلس الشعب وهم ماهر عبد الحفيظ حجّار وحسان عبد الله النوري والرئيس الحالي بشار الأسد.
وفي تصريح له خلال الأسبوع الماضي قال الأسد إن الدولة السورية تدعم مسيرة المصالحات الوطنية في جميع المناطق السورية، انطلاقاً من حرصها على وقف نزيف الدم وإيماناً منها بأن حل الأزمة لا يمكن أن يأتي عبر أطراف خارجية وإنما هو ثمرة لجهود السوريين وحدهم لأنهم الأقدر على إيجاد الحلول لمشكلاتهم. وعبر الاسد خلال استقباله، الأربعاء الماضي، عدداً من وجهاء ريف دمشق، ممن ساهموا في جهود المصالحة في بعض المناطق عن تقديره لما وصفه بـ«مساعي الوجهاء البناءة» التي يبذلونها بالرغم من كل الصعوبات.
Leave a Reply