ديربورن – سامر حجازي
أعلنت «غرفة التجارة الأميركية العربية» مؤخراً عن إلغاء «المهرجان العربي الدولي» للعام الثاني على التوالي، دون الحديث هذه المرة عن إمكانية عودته في السنة المقبلة، لتُغلقَ بذلك صفحة المهرجان الصيفي الذي ارتبط اسمه على مدى العقدين الماضيين بالجالية العربية في مدينة ديربورن، وتحديداً بشارع وورن الذي يعد القلب التجاري النابض للجالية العربية في شرق ديربورن.
وقد أثار قرار إلغاء المهرجان ردود فعل متفاوتة في أوساط الجالية العربية، أبرزها مشاعر الإستياء والخيبة التي صدرت عن جهات مؤسسة لهذه الإحتفالية التي أقيمت لأول مرة في العام ١٩٩٥.
وكان «المهرجان العربي» قد أسس نتيجة جهود مشتركة بين مركز «أكسس» و«النادي اللبناني الأميركي» بهدف تسليط الضوء على الثقافة العربية والمحلات والمنتجات العربية الأميركية على طول ميل من شارع وورن الذي أعاد المهاجرون العرب إعماره.
وخلال التسعينات وأوائل الألفية حقق مهرجان الجالية العربية نجاحاً كبيراً وفوائد اقتصادية على المنطقة دفعت بلدية ديربورن الى دعمه، حيث كانت البلدية تدفع ١٠ آلاف دولار سنوياً لصالح المنظمين الى جانب منح التراخيص لتوسعة وتطوير المهرجان الذي كان يقام على مدى ثلاثة أيام خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وبعد سنوات من انطلاق المهرجان، قام مركز «أكسس» غير الربحي بتجنيد «غرفة التجارة الأميركية العربية»، ومقرها ديربورن، للمساعدة في تنظيم المهرجان تجارياً والترويج له عبر جذب المزيد من المعلنين من الشركات الكبرى لرعاية المهرجان. وبالفعل قامت شركات عملاقة مثل «فورد» و«كومكاست» و«أي تي أند تي» وبعض الوكالات الحكومية، من ضمنها وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي)، برعاية المهرجان سنوياً وبشكل ثابت.
وفي عام ٢٠٠٨ أصبحت «غرفة التجارة»، الجهة الوحيدة المنظمة للمهرجان بإشراف مديرتها التنفيذية، فاي بيضون، وذلك بعد انسحاب «النادي اللبناني» و«أكسس» تباعاً.
وفي حين لم يفصح مسؤولو «أكسس» عن أسباب تخلي المركز عن مسؤولية التنظيم، إلا أن مصادر في الجالية أفادت «صدى الوطن»، بأن قرار الإنسحاب جاء تفادياً لأية تبعات قانونية قد تنشأ عن المشاكل التي بدأت تظهر في المهرجان الذي تحول في سنواته الأخيرة الى مرتعٍ للمبشرين المسيحيين الذين وجدوا في المكان فرصةً لترويج معتقداتهم في أوساط رواد المهرجان ومعظمهم من المراهقين والأطفال المسلمين.
ويقول المدير التنفيذي السابق لـ«غرفة التجارة الأميركية العربية»، ناصر بيضون الذي أشرف على تنظيم المهرجان لمدة ثمان سنوات، إن هجر «أكسس» (المركز العربي الأميركي للخدمات الإقتصادية والإجتماعية، سابقاً) للمهرجان الى جانب الخلافات بين «الغرفة» و«النادي اللبناني» تركا آثاراً سلبية واضحة على المهرجان.
وأشار بيضون لـ«صدى الوطن» الى أن الخلافات التي نشبت بين «الغرفة» و«النادي»، تمحورت في ذلك الوقت حول «الإتجاه الذي يجب أن يسلكه المهرجان»، فكانت النتيجة فقدان المهرجان لواحدة من أبرز مميزاته، بالتوقف عن استقدام فنانين بارزين من العالم العربي، والذين كانوا يجذبون الزوار والسواح من كندا والولايات المجاورة لمشاهدة نجومهم المفضلين خلال أيام المهرجان.
ولفت بيضون الى أن «غرفة التجارة» أخفقت في الحفاظ على استمرارية المهرجان وإنجاحه. إذ منذ ذلك الحين بدا واضحاً أن أعداد المشاركين آخذة بالتضاؤل سنة بعد أخرى، وذلك على وقع تصاعد التوتر الديني وتراجع القيمة الثقافية والفنية للمهرجان وصولاً الى إلغائه.
كذلك بدأت بلدية ديربورن خلال السنوات الأخيرة، تفقد صبرها رويداً رويداً بالتزامن مع تصاعد التوتر مع المبشرين، ووقعت الشرطة بالمحظور عندما قامت باعتقال أفراد من مجموعة تبشيرية إنجيلية تدعى «آكت 17» مما أسفر عن رفع دعاوى قانونية ضد منظمي المهرجان وبلدية ديربورن وشرطة شريف مقاطعة وين التي تولت الأمن داخل حدود المهرجان بعد تخلي شرطة ديربورن عن هذه المسؤولية.
وفي العام الماضي، اقترح رئيس البلدية جاك أورايلي خطة بديلة لنقل المهرجان من شارع وورن إلى منتزه «فورد وودز» (تقاطع فورد وغرينفيلد)، في خطوة اعتبرها المعنيون «إعلاناً مهذباً» من البلدية بأنها لن تقوم بمنح التراخيص اللازمة لإقامة المهرجان على شارع وورن وفق العادة.
وفي إشارة الى تراجع الإقبال عليه، جاء في اقتراح أورايلي أن إقامة المهرجان داخل المنتزه سيعطي المنظمين القدرة على فرض رسم دخول، على عكس شارع وورن الذي لا يمكن ضبط الدخول اليه، ولكن رد «الغرفة» على مقترح أورايلي كان بإلغاء المهرجان قبل شهر واحد من موعده في شهر حزيران (يونيو) 2013، متعهدة بأن يعود المهرجان في العام الحالي «أفضل وأقوى»، لكن ذلك لم يحصل، حيث نفت مديرة دائرة الإعلام في بلدية ديربورن، ماري لاندروش، وجود أي محادثات بين الغرفة والبلدية حول إقامة المهرجان هذا العام.
وأعربت لاندروش عن إستمرار دعم البلدية لـ«غرفة التجارة» مؤكدة أنه إذا ما تقرر إعادة إحياء المهرجان في المستقبل، فإن البلدية سوف تجري تقييماً لكافة الخيارات المطروحة، وأضافت أن «البلدية ترغب برؤية خطة واضحة أمامها لمساعدتهم على إنجاحها»، مشيرة الى أن القرار الآن بيد «غرفة التجارة».
إلا أن هناك شكوكاً حول إمكانية إعادة إحياء «المهرجان العربي الدولي» من قبل «غرفة التجارة» التي «قضت عليه»، بحسب مؤسس «النادي اللبناني الأميركي»، علي جواد، الذي أكد لـ«صدى الوطن» على ضرورة أن تُمرّر المسؤولية التنظيمية إلى مؤسسات أخرى في الجالية.
وقال جواد، الذي ساهم في إطلاق المهرجان وإنجاحه في التسعينات، إن «الغرفة استلمت الدفة بعد أن هيأ لها «أكسس» و«النادي اللبناني» الأرضية الأساسية.. لكنها قتلته»، لافتاًً الى أنه «من العار ألا نتمكن من إقامة مهرجان عربي بعد الآن في مدينتنا».
وأبدى جواد تأييده لنقل المهرجان من شارع وورن الى مكان آخر، وقال «إن الجو التجاري العام على وورن أفنيو تبدل في السنوات الأخيرة»، حيث أن العديد من أصحاب المصالح التجارية والمكاتب المهنية يرون في المهرجان عبئاً عليهم.
واعتبر جواد أن تمسك «الغرفة» بإقامة المهرجان على شارع وورن في السنوات الخمس الماضية كان بدافع جني أكبر قدر من الأرباح، والتخفيف من الأعباء اللوجستية، دون الإلتفات الى مصلحة المدينة والجالية، «فالأمر لم يعد يتعلق بخدمة مجتمعنا».
من جانبها، أكدت المديرة التنفيذية للغرفة، فاي بيضون أن هناك عدة عوامل ساهمت في قرار إلغاء المهرجان من بينها أسباب مالية وأخرى تتعلق بـ«سلامة السكان».
وأضافت بيضون لـ«صدى الوطن» أن الغرفة لا تزال حالياً في المراحل الأولى من التخطيط لإعادة تنظيم المهرجان وجعله «أكثر ترحيباً بالعائلات»، مؤكدة ترحيبها بأية اقتراحات من أبناء الجالية في هذا الصدد.
وتابعت بيضون بالقول أن «الغرفة مهتمة جداً بإقامة احتفال يليق بالثقافة العربية والمصالح التجارية للجالية، وسوف نقوم بعرض خطتنا لشركائنا ومؤسسات الجالية، فور الإنتهاء من إعدادها».
وقد أبدى المنظمون السابقون للمهرجان تفاؤلهم بعودة المهرجان العربي مستشهدين بتجربة مهرجان مماثل أقيم لعدة سنوات خلال سبعينات القرن الماضي في الجزء الجنوبي من ديربورن (منطقة ديكس)، قبل أن يتم الغاؤه.
وأشار جواد الى أن التاريخ يعيد نفسه، «ربما حان الوقت لبدء مهرجان جديد يستمر لمدة 10 أو 15 سنة» مؤكداً «أننا بحاجة إلى جيل جديد لكي يتقدم الينا بأفكار خلاقة».
Leave a Reply