طرابلس – وسط أزمة هي الأسوأ من نوعها في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي أعلن اللواء خليفة حفتر إطلاق حملة عسكرية ضد من وصفهم بالإرهابيين والتكفيريين، في إشارة إلى مجموعات إسلامية مسلحة، بعضها يتحالف مع الحكومة المؤقتة في طرابلس والتي استنجدت بـ«ثوار مصراتة» لاستعادة مبنى البرلمان من قوات حفتر.
حفتر |
وكان «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، الذي يتزعمه يوسف القرضاوي، قد دعا الليبيين إلى مواجهة «من يريد إسقاط الشرعية» في بلادهم «بحزم»، في إشارة إلى حفتر.
وكانت قد تسارعت وتيرة المعارك في ليبيا مطلع الأسبوع الماضي، عقب نجاح حفتر في العودة إلى المشهد السياسي بقوة، بعدما كان قد فشل في السيطرة على الحكم في شباط (فبراير) الماضي. ورفع اللواء المتقاعد شعار الحرب على الإرهاب عنوانا لتحركه العسكري نافياً نيته القيام بانقلاب، مع إعلان «الجيش الوطني الليبي» الذي يقوده بوقف عمل البرلمان وتكليف لجنة الستين بالمهام التشريعية والرقابية بشكل محدود.
لكن رئيس المؤتمر الوطني أعلن عن استقدام «ثوار» مصراتة لحماية العاصمة، فيما دعت الحكومة كل الكتائب الى مغادرتها والبقاء بعيدة عن الساحة السياسية.
ونقل شهود عيان وثوار سابقون أن عددا من الميليشيات من مصراتة دخلوا الى ضاحية طرابلس الجنوبية الخميس الماضي، ما عزز الخشية من حصول مواجهات مع ميليشيات الزنتان المنافسة. ومن المعروف دعم ميليشيات مصراتة (200 كلم غرب العاصمة) لـ«شرعية» المؤتمر الوطني.
في المقابل، تطالب كتائب الزنتان المسلحة والموجودة في طرابلس منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في 2011 بحلّ ميليشيات مصراتة.
وكان حفتر قد أعلن عن حل «المؤتمر الوطني» الذي «أخفق في تنفيذ مهامه» ما جعل ليبيا دولة راعية للإرهاب. فيما دعا رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الليبي نوري أبو سهمين ميليشيا «درع ليبيا الوسطى» إلى طرابلس بعد أن اقتحم مسلحون مبنى المجلس التشريعي يوم الأحد في إطار هجوم أعلن اللواء المنشق خليفة حفتر مسؤوليته عنه.
وفي مؤتمر صحفي في بنغازي عقد الأربعاء الماضي شدد حفتر على أن «الجيش الوطني الليبي» الذي شكله يهدف إلى القضاء على الإرهاب والجماعات التكفيرية. وأشار إلى أنه يرى إحدى المهام الأساسية للمجلس العسكري الذي أعلن عن تشكيله هي إعادة بناء القوات المسلحة التي دمّرها القذافي. وأضاف أن المجلس العسكري سيسلم السلطة في البلاد للبرلمان الجديد بمجرد انتخابه. وأكد أن الشعب الليبي بعد إسقاط نظام القذافي لم يعش لحظة في الديمقراطية، واصفا حالة البلاد في تلك الفترة بـ«بلطجة في بلطجة».
وقال حفتر إن هجوم الأحد الماضي على البرلمان جزء من حملة لتطهير ليبيا من الإسلاميين، وهو يعود لوضع النقاط على الحروف في بلد أعيته الفوضى والحرب الأهلية.
وتؤكد الأنباء أن قطاعات واسعة من الجيش انضمت إلى حفتر. كما أن مدينة بنغازي وبعض المدن الأخرى في شرق البلاد تؤيد حفتر ابن الشرق الليبي، الذي انشق عن جيش معمر القذافي في نهاية حقبة الثمانينيات، وعاد إلى ليبيا للمشاركة في ثورة 2011 بعد أن أمضى نحو عشرين عاما في الولايات المتحدة..
وقال حفتر، إن «معركة الكرامة هي استجابة لنداء الشعب الليبي». وأعلن في بيان صحافي مسجل بثته قنوات فضائية، أن «عمليتنا ليست انقلاباً ولا سعياً الى السلطة ولا تعطيلاً للمسار الديمقراطي»، مضيفاً إن «هذه العملية هدفها محدد وهو اجتثاث الإرهاب» من ليبيا وإنه «استجاب لنداء الشعب».
وتواجه ليبيا انقساما متزايدا بين الحكومة والبرلمان إلى جانب تمزقها بين ميليشيات متنافسة منذ الإطاحة بالزعيم المخضرم معمر القذافي في العام 2011. والبرلمان نفسه منقسم بين الإسلاميين والقوى الأكثر اعتدالا علاوة على وجود انقسامات على أسس إقليمية وقبلية مما يصيب عملية اتخاذ القرار والتشريع بالشلل. ولم يوافق البرلمان بعد على الميزانية ولم يصادق على حكومة رئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق الذي تم تعيينه بعد تصويت اتسم بالفوضى وطعن فيه كثير من المشرعين.
وبدا أن المؤتمر الوطني الذي كان تعرض لانتقادات بسبب تمديده ولايته حتى كانون الاول (ديسمبر) 2014، قد شعر بحجم المعارضة التي باتت تتشكل ضده في الساحة الليبية ما دفعه الى إقرار تنظيم الانتخابات التشريعية في ليبيا في 25 حزيران (يونيو).
وقال صالح المخزوم النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني العام إنه تقرر أن يكون يوم الأربعاء 25 حزيران موعدا لانتخاب البرلمان، مشيرا الى أنه سيكون «يوماً تاريخياً». ولا تعرف في ظل الظروف الراهنة في ليبيا، فرص التمكن من تنظيم هذه الانتخابات.
من هو اللواء خليفة حفتر
يعود اسم اللواء خليفة حفتر للأضواء مرة أخرى ليبيا في إطار الصراع الدائر هناك الآن، وان كان اسمه يتردد منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي قبل نحو ثلاث سنوات.
ولد خليفة حفتر عام 1949، وينتمي إلى قبيلة الفرجاني الليبية، وكان ضمن مجموعة الضباط الليبيين التي أسقطت عام 1969 نظام الملك إدريس السنوسي، منهية بذلك عقوداً من الملكية، وهي الثورة الليبية التي أرسى بها القذافي حكمه لليبيا لنحو أربعة عقود.
وتذكر بعض المصادر أن حفتر شارك في حرب أكتوبر 1973 ضمن مساهمة الجيش الليبي فيها.
وكان حفتر أحد قيادات التدخل العسكري الليبي في تشاد نهاية الثمانينات من القرن الماضي بسبب الخلاف على إقليم أوزو المتنازع عليه.
ومع انقلاب الأوضاع في تشاد، عانت القوات الليبية فيها من نقمة العسكريين التشاديين المتصارعين على الحكم، ونقل حفتر مع عدد من الضباط الليبيين بطائرات عسكرية أميركية إلى زائير. ومنذ خروجه من تشاد عام 1988، انشق حفتر عن الجيش الليبي وعاش في الولايات المتحدة لنحو عقدين قبل العودة إلى ليبيا بعد انتفاضة 2011.
لم يكن اسم حفتر بارزا كآخرين عارضوا القذافي وانشقوا عنه فقام بتصفيتهم أو عانوا من ملاحقته لهم.
وشكل حفتر «الجيش الوطني الليبي»، معتبرا أن القذافي لم يبن جيشا -كحال بقية مؤسسات الدولة- واعتبر مقربا من جبهة الانقاذ الليبية المعارضة في الخارج.
ومع انطلاق الانتفاضة الشعبية ضد نظام القذافي في ليبيا عام 2011، عاد حفتر من منفاه وتبوأ منصب قائد القوات البرية في القيادة العسكرية العامة لمقاتلي المعارضة الليبية. ولدى سقوط نظام القذافي في آب (أغسطس) عام 2011، بدا مصير حفتر غامضا حيث تضاربت الأنباء بشأن تقاعده من عدمه. وبدا واضحا خلاف حفتر مع المجموعات المسلحة التي هيمنت على البلاد، خاصة المتشددة منها والمرتبطة بقوى خارجية.
وفي مطلع عام 2012 أوصى حوالي 150 ضابطا من الجيش بتعيين اللواء خليفة حفتر رئيسا للأركان، لكن السلطات الانتقالية وقتها رفضت ذلك وعينت ضابطا آخر في المنصب.
وعاد حفتر للواجهة مرة أخرى مطلع العام لدى دعوته لتحرك عسكري ضد السلطة الليبية الجديدة، حيث ظهر في خطاب متلفز يعلن تعليق عمل الحكومة وكذلك أعلن عما أسماه «خريطة طريق» جديدة لمستقبل ليبيا السياسي.
إلا أن محاولته لم تكلل بالنجاح، وسخر منه رئيس الوزراء وقتها علي زيدان الذي انتهى به الأمر هو نفسه مخطوفا من قبل جماعات متشددة ثم مطروداً من قبل المجلس الوطني الانتقالي.
وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين شنّت هجوماً قاسياً على اللواء الليبي خليفة حفتر، متهمة إياه بأنه يكرر «مشهد الانقلاب» الذي قام به المشير عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، واتهمت وسائل إعلام مصرية بدعم تحرك حفتر الذي وصفته بـ«سيسي ليبيا».
واستعرض تقرير عبر موقع حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، متابعة وسائل الإعلام المصرية لأخبار التطورات في ليبيا قائلا إن الأيام الماضية أظهرت «احتفاء» من وصفها بـ«وسائل الإعلام الانقلابية في مصر» بـ«الانقلاب العسكري الذى يحاول اللواء خليفة حفتر، القائد السابق للقوات البرية بالجيش الليبي، تنفيذه حالياً».
Leave a Reply