مصطفى العمري
منذ أن إنحرف الدين عن مساره السماوي الى العمق الأرضي حيث التأريخ والموت وانعطف الى حيث اللارجعة تشكلت وفق هذه الانعطافات الخطيرة محطات أيديولوجية تعتقد أنها هي الدين الصحيح وتنتهج نهجاً مغايراً تماماً لما يريده الله والإنسانية.
أصبح الدين مزاجياً بامتياز، والفتاوى مجانية بدون ضمير، والحركة الفعلية لرجال الدين هي المصلحة النفعية أو البراغماتية الذرائعية، وفق هذا الإنحدار المؤسف والوعي المفتَت انبثق الخطاب الوعظي عند المسلمين فهو لا يمارس الفعل ولا يعتمد الحقيقة بل يركن الى حيث أرادة الوعي البيئي، معتمداً هذا الخطاب على نقطتين هامتين في بقائه وديمومته:
1- اللعب على عواطف الجماهير غير الواعية فهو (أي الخطاب الوعظي) يركز على العاطفة ولا يقترب من العقل ويستخدم آليات صدئة في نقل المعلومة الى العوام ويختنق الواعظ عندما تريد أن تناقشه وفق سياق العقل والمعرفة فهو سوف يحاول أن يسحبك الى مياهه الآسنة ويدفع بك الى حيث التاريخ النازف أو يعزف لك «جنجلوتيته» من الروايات المزيفة والأحاديث الملفقة.
2- يعتمد هذا الخطاب على حفظ المأثور من الأحاديث والأقوال التي رويت عن الرسول أو أهل بيته أو أصحابه، هذه المأثورات مرتفعة من حيث العمل والخلق والإيثار لكنها تفتقر الى حيث التطبيق.
قبل فترة، وأنا أستمع الى رجل ينتحل صفة الدين «روزخون» (قارئ تعزية) وهو يخطب في الناس ويقول لهم الكلمة المعروفة عن الإمام علي بن ابي طالب «رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها»، فنظرت إليه وقلت في نفسي أما يستحي هذا الرجل الذي لم أرَ الترقيع في ملابسه أو سيارته أو بيته أو ثروته، لكني أعترف أنني وجدت الكثير من الترقيع في كلامه وطريقته وطرحه لموضوعه وافتقاره الى الثقافة بشكل عام.
ممارسة الخطاب الوعظي سلطة قاهرة، فهو بين الخروج عن الواقع في حبكاته وأحداثه، وبين عدم تقبله الى إرشادات الواعين والناضجين، وبين طرحه الهلامي لأحداث لم تتحقق من حيث الفعل إلا في شعارت ليس فيها أي معنى غير ملء الفراغ الزمني… فهم يقولون ما لا يطبقون ويطبقون عكس ما يقولون.
تعج ولاية ميشيغن الأميركية بالكثير من هؤلاء الوعاظ فهم يمارسون الوعظ والخطابة للرزق وجلب المال وليس للإصلاح والمنفعة ولذلك لم يغيروا بالواقع شيئاً فهم يتاجرون بالأقوال والشعارات ولا يمارسون الفعل. إكتشفت عن طريق احد المتخصصين أن أغلب رجال الدين أو الواعظين متقاعد بسبب حالته النفسية (مجنون) فتأكدت من أن سبب الفشل في المؤسسة الدينية عموماً أن القائمين عليها يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم. فهم يمسرحون أنفسهم أمام المسؤول في دائرة الضمان الإجتماعي (سوشيل سكيورتي) ويلبسوا الثياب الرثة والحركات الموحية للجنون وأحياناً يتكؤون على عصى مسمومة بسم الغش والخيانة لكي يوهموا المسؤول بهبلهم و جنونهم، نفسهم هؤلاء من يقود حركة الوعي والدين والأخلاق في شارعنا العام! يا الله ما هذه المهزلة التي ترتكب باسمك؟
كيف نأمل من هؤلاء أن يقدموا لنا خطاباً واعياً؟ أو فعلاً نبيلاً أو حركةً تقود الى التغيير؟ لا يستطيع هؤلاء أن يغيروا مسار حركة الوعي ولا لمس جدار الصدق والإيمان والإخلاص الذي جسدته رسالة الله.
ان سبب تأخر الامة التي ننتمي لها بالفطرة هم أولئك الذين تصدروا المشهد العام وتسيدوا على منابر المسلمين وبثوا حقدهم من خلال كلامهم و فتاواهم المحرضة على الكره.
لاشك أننا نحتاج الى خطاب واعٍ يدرس حالة الأمة -كل الأمة- وينقّب عن مكامن الخلل والنقص ويتحمل النقد ويرحب به لا أن يضيق بالنقد الى حيث التكفير والإقصاء، ولاشك أننا نحتاج الى أناس صادقين في حركتهم وأفعالهم وثقافتهم لكي يدفعوا دفة المسار الأعوج الى حيث الإستقامة.
Leave a Reply