بقلم: فاطمة الزين هاشم
الحبُّ كلمة تتكوّن من حرفين، هي أغلى من كلّ الكنوز وأثمنها، ولا يضاهيها إلّا أندادُها كالصدقِ والإخلاص الذيْن يعزّزان بقاء واستمرار تدفّق عطاء الحب، مثلما يتظافر الماء والهواء على استمرار حياة الزرع والنماء، فهو والخيرُ صنوان كفيلان بديمومة ألق وبهجة وعنفوان الحياة.
في الأسبوع الماضي حاورت الإعلاميّة ومقدّمة برنامج «صوت المهاجرين» السيّدة عفاف أحمد، كاتبةً مشهورةً بالجرأة في تناول المواضيع المختلفة بأسلوب راقٍ وأنيق، وقد استُهلّ الحوار بالسؤال الصعب: «هل يدوم الحبّ بعد الزواج؟» فكان الجواب «حبّ إيه اللي انت جاي تقول عليه؟»، ثمّ دارَ حوار ساخن على الراديو بينها وبين ضيف له ثقله المعرفي والثقافي، وهو دكتور يدرّس مادّة الدين الإسلامي في إحدى جامعات واشنطن، حيث لم يستقر على تحديد إطار شامل وواضح لمثل هكذا حبّ.
ثمّ بدأت الإتّصالات تنهال عبر الفيس بوك الذي كان تحت رصد ومتابعة مقدمة البرنامج، بين مؤيّد لبقاء مثل هذا الحب بعد الزواج، وبين نافٍ لوجوده حيث ينتهي بعد أشهر، ممّا اضطرّ مقدّمة البرنامج إلى الإستعانة بالأطبّاء النفسانيّين، حيث أجاب الأوّل بأنّ الحبّ يدوم بعد الزواج لستّة أشهر فقط، وبعدها ينقلب إلى ألفة مدجّنة، إذ يتعوّد الرجل على وجود الزوجة في حياته، وينطفئ لهيب الحبّ وتهدأ العاطفة الجيّاشة، ليحلّ محلّها الروتين الحياتي، ثمّ يبدأ بالتغريد خارج السرب، بينما أجاب طبيب آخر بأن الحبّ بعد الزواج يدوم لثلاثة أشهر أو أقلّ، وبعدها يعود الرجل إلى نزواته ومغامراته، كما يكون باستطاعته أن يحبّ عدّة نساء في آنٍ واحد وبنفس الدرجة من العاطفة، أمّا بالنسبة للمرأة، فهي إذا أحبّت الرجل فإنّه يدخل إلى قلبها ويتربّع ملكاً متوّجاً فيه، لايستطيع أحد زحزحته أو إخراجه منه، وتعيش حياتها كاملة بهذا الحبّ المتوهّج، وتمنح كلّ ما لديها من عاطفة في سبيل سماع كلمة حبّ من الرجل أو أيّة لفتة تشعرها بالحنان والدفء العاطفي، إلّا إذا غدر بها الرجل، وداس كرامتها، إذّاك ينقلب هذا الحبّ إلى كرهٍ واحتقار لمن حطّمَ قلبها وهدّم كلّ أبنية الحبّ الشامخة في داخلها.
وإزاء هذه الأفكار المتشابكة، أجدني مازلت حائرة كيف أقبض على جوهر الحقيقة، إذن لابدّ من التوجّه إلى الرجال، فأسألهم أن اسعفونا بالحقيقة، هل أنّ الآراء الآنفة صحيحة؟ أم فيها شيء من التجنّي على الرجل؟ شرط أن تتوافر الإجابة على الصدق والتجرّد، إنّه موضوع مفتوح أطرحه على طاولة النقاش، وأودّ أن أوضّح سلفاً بأنّي لست ضدّ الرجال، بل أحترمهم وأقدّر تضحياتهم تجاه أسرهم، وليس تجاه خليلاتهم.
لستُ أدري هل أنّ الرجل منشغل بحرائق جسد عصيٍّ على الإطفاء؟ أم هو راغب في إضرام النار وحرق مستودعات الحبّ؟ رغم أنّ الحبّ هو مصدر سعادة نورانيّة الأنفاس، وإيقاع رحب يستوعب ويحتضن الحبيبين، ويبقي البشر الأسوياء نابضين بالأمل والوهج والشعور بدفْء العيش، ويدفعنا نحو مجرى المياه الصافية الذي يحملنا إلى شاطئ الأمان، هذا إذا كان صادقاً ولم يتلوّث بجراثيم الخداع والغدر، فعندما يفتح الإنسان أبواب حياته المغلقة، ليدخل إنساناً يبادله مشاعر المحبّة، ويضمّه إليه، فإنّه حتماً سيشعر بالدفء والطمأنينة، وتزول كلّ هموم الدنيا في لحظة صدق بين رجل وامرأة تطغى وتنتشر في الأعماق.
أوقفوا الخراب، لا تدمّروا بأيديكم أجمل ما أهدتكم إيّاه الحياة من ذكريات، لا تتراشقوا بحجارات الغيرة البغيضة والخصومات التي لا تجلب إلّا الأحقاد، دعو العمر يمضي بسلام، سترون في قابل الأيّام، وبعد مضيّ زمن، عندما تنطفئ الحرائق وتزول الآلام بينكما، أنّ الذكريات الجميلة تستيقظ، فيغدو هذا الحبّ رفيقاً جميلاً لما بقي من العمر، لاسيّما إذا عرفنا أنّ الحبَّ يسع كلَّ ما هو جميل، كأن يكون حبّ الله، حبّ الوطن، حبّ الأبناء والأحفاد، حبّ الأهل، حبّ عمل الخير، وحبّ الأزواج بعضهم لبعض، إذن كلّ ذلك يندرج تحت مسمّى الحبّ، فلتنعموا به، ولا تدعوا العمرَ يذهب سدىً.
Leave a Reply