ديربورن هايتس – سامر حجازي
قبل حوالي سبع سنوات تقريباً لم يكن على شارع فورد في ديربورن هايتس ما يشير الى وجود العرب الأميركيين في المدينة، باستثناء متجر بقالة أو اثنين وفرن صغير.
وفي ذلك الوقت أيضاً، كما حال جميع المدن الأميركية التي تأثرت بالركود الإقتصادي الذي أصاب البلاد، كان منظر واجهات المجمعات التجارية المطلة على شارع فورد، مثيراً للشفقة، حيث كانت معظم المحلات خاوية ولم يبقَ في الميدان سوى الشركات الأميركية العملاقة مثل «تارغت» و«كروغر» و«بانيرا» و«ستاربكس» و«بيتزا هات» وغيرها، ولكن في السنوات الأخيرة تبدل المشهد تماماً، فقد غزا رجال الأعمال والمهنيون العرب الأميركيون محيط شارع فورد بشكل لافت وواضح، لتصبح المنطقة، حسب وصف البعض «إيست ديربورن» جديدة، ولكن بنسخة أفضل.
«بلازا فورد-دايلي» عند تقاطع شارعي فورد وجون دايلي في ديربورن هايتس. |
اليوم، باتت ديربورن هايتس، التي كان ينظر اليها يوماً على أنها مدينة صغيرة هادئة، منطقة تزخر بالحياة والحركة التجارية المزدهرة وطبعاً ازدحام السير وعجقة العرب الأميركيين.
والغزو العربي لديربورن هايتس لا يقتصر على المناطق التجارية بل يأتي بالتوازي مع ازدياد مضطرد في عدد السكان العرب في المدينة، وهذا لا يقتصر فقط على العرب الأميركيين الذين يعيشون في أحياء المدينة الراقية المجاورة لوست ديربورن، بل يتخطاها ليطال معظم أحياء القسم الشمالي من المدينة، بين شارعي فورد وجوي، حيث تشهد هذه الأحياء -وبشكل مستمر- انتقال المزيد من العائلات العربية الأميركية للعيش فيها، حيث الشوارع نظيفة والبيوت رحبة والمدارس تتمتع بمستوى جيد.
وليس هناك إحصائيات دقيقة عن التواجد العربي في ديربورن هايتس، ولكن لا شك أنهم جعلوا للمدينة وزناً إقتصادياً وتجارياً وسياسياً، والأهم من ذلك أنهم أعادوا اختراع المدينة، وأنهم فعلوا ذلك من قلبها التجاري، وهو شارع فورد الذي يعتبر أحد أبرز الشوارع الحيوية التي تربط مدينة ديترويت بمدن غرب مقاطعة وين وصولا الى مدينة آناربر بمقاطعة واشطينو، ما يجعل من إنجازات العرب الأميركيين في منطقة ديترويت ماثلة يومياً أمام عشرات الآلاف من مستخدمي هذا الشريان الحيوي الهام.
ويؤدي الإقبال العربي الكثيف على ديربورن هايتس، ولاسيما اللبناني، الى ارتفاع ملحوظ في قيمة العقارات السكنية والتجارية على حد سواء. فعلى شارع فورد، بات من المتعذّر أن تجد مساحة تجارية للبيع أو الإيجار، فالمجمعات التجارية أو «البلازات» المطلة على فورد -بين شارعي تلغراف وإنكستر- تحولت الى مقاهٍ ومطاعم وأسواق تجارية وأفران وصالونات تجميل، وكل ما يتطلبه المجتمع العربي الأميركي.
ولا يقتصر الوجود التجاري العربي وارتفاع أسعار العقارات التجارية في ديربورن هايتس على المنطقة المحيطة بشارع فورد، بل يتعداها الى الشوارع التجارية الأخرى في المدينة مثل وورن وجوي.
أما على مستوى العقارات السكنية فقد شهدت الأحياء الراقية جنوب شارع فورد وصولاً الى شارع تشيري هيل، ارتفاعاً كبيراً في أسعار المنازل والأراضي التي شيّدت عليها بين شهر وآخر، قصور فخمة تنتشر في محيطها السيارات الفخمة.
محامون، أطباء، صيادلة، مبتكرون، مهندسون، أصحاب مصالح تجارية ناجحة، وآخرون من ذوي الدخول المرتفعة من العرب الأميركيين انتقلوا للعيش في تلك الأحياء خلال السنوات الأخيرة، كما انتقلت عائلات عربية أخرى الى الأحياء الشمالية من المدينة، ما أدى أيضاً الى ارتفاع أسعار المنازل هناك بوتيرة أسرع من مدن أخرى.
«بلازا غرينلاند» عند تقاطع شارعي فورد وبيتش دايلي. |
عجقة وناس
يمكن القول ببساطة إن العرب أعادوا إعمار المدينة، فبعد أن كانت مواقف السيارات في مراكزها التجارية خاوية ومحلاتها على وشك الاندثار أصبحت الآن تنبض بالحيوية والنشاط وازدحام السيارات.
مثلاً، هناك المجمع التجاري الواقع عند تقاطع شارعي فورد وبيتش دايلي، والذي كان يضم في السابق فرناً صغيراً يحمل اسم «علاء الدين» الى جانب العديد من الواجهات المهجورة والمهملة إضافة الى كاراج لتغيير زيوت السيارات، ولكن منذ سنوات بدأ المشهد بالتحول تدريجياً حيث انتقلت مؤسسات تجارية عربية الى «البلازا»، مثل أسواق «غرينلاند» وأفران «صاج» وحلويات «ليبون سويت» الى جانب العديد من المصالح التجارية الأخرى المملوكة لعرب أميركيين، والتي كان آخرها فرع آخر لمطعم «أناناس»، ليتبدل المشهد تماماً ويصبح سعر القدم المربع أضعافاً مضاعفة عما كان عليه قبل بضع سنوات.
عجقة العرب يمكن ملاحظتها أيضاً بوضوح في «بلازا» أخرى مطلة على شارع فورد، الى الغرب من التقاطع مع شارع جون دايلي، فهذا المجمع التجاري كان لسنوات طويلة شبه فارغ إلا من فروع لشركات أميركية عملاقة مثل «ستاربكس» و«جيمي جونز» و«بيتزا هات»، أما اليوم فقد أصبحت مواقف السيارات التابعة له تضيق بالزبائن والمارة الذين يقصدون المحلات العربية الجديدة مثل مقهى «لافا لاونج» ومطعم «الباشا» وملحمة وأسواق «السلام» والأفران الذهبية.
واللافت أن مواقف السيارات التابعة لهذه المجمعات التجارية والشوارع المحيطة، غالباً ما تكتظ بالسيارات الحديثة وباهظة الثمن مثل «بي أم دبليو» أو «مرسيدس» أو حتى «فيراري» و«بنتلي» و«بورش»، حيث أنه ليس من المستغرب أن تجد أحد المارة يلتقط صوراً لإحدى السيارات المركونة هناك.
نسخة أفضل عن «إيست ديربورن»
في الواقع، ان المشهد التجاري في ديربورن هايتس، ما هو إلا نسخة معدلة عن ما فعله العرب في شرق ديربورن التي كانت شبه مهجورة قبل أن يقوم العرب الأميركيون بإعمارها من جديد. وهناك من يشير الى أنه لولا العراقيل والتعقيدات التي تفرضها بلدية ديربورن، لكان بإمكان العرب إعادة الحياة الى الوسط التجاري لغرب المدينة حيث لا تزال العديد من واجهات المحال مهجورة هناك.
ولكن لا بد من الإشارة الى أن معظم المؤسسات التجارية العربية التي افتتحت في ديربورن هايتس ما هي إلا فرع آخر لمؤسسة موجودة أصلاً في شرق ديربورن، ولكن من اللافت أن هذه المؤسسات تحرص على الظهور بحلة أفضل في ديربورن هايتس، حيث يستفيد أصحابها من تجاربهم السابقة لتطوير مستوى الخدمة إضافة الى إدراكهم ضرورة تلبية حاجات الزبائن الذين يتمتعون بمستويات دخل أعلى في هذه المنطقة.
من المؤسسات التجارية التي افتتحت فرعاً لها في مدينة ديربورن هايتس، هناك صالون «يوروبيان تانينغ» للتجميل، «الأفران الذهبية»، مطاعم «الأمير» و«أوليز» و«الباشا» و«أناناس» إضافة الى أسواق «غرينلاند» وحلويات «ليبون سويتس» وغيرها.
المسؤولون في بلدية المدينة يبدون حماسهم لهذه التطورات، وهم يعتقدون أنها مجرد بداية لطريق طويل، حيث قارن مدير التنمية المجتمعية والاقتصادية في بلدية ديربورن هايتس، رون أمين، بين هذه الطفرة التي تشهدها ديربورن هايتس وتلك التي مرت بها منطقة شرق ديربورن في التسعينيات من القرن الماضي، حين انتقل عدد كبير من العرب الاميركيين الى أحياء ديربورن الواقعة الى الشرق من مقر شركة «فورد» لصناعة السيارات، وساهموا في إعمار المدينة. وقال أمين «الآن ينتقل الكثيرون من العرب الاميركيين الى هنا وهم مستعدون للدفع بسخاء»، وأضاف أن المنازل هنا قريبة من المساجد وفي مناطق راقية». ونوه أمين الى تقرير صدر مؤخرا عن وزارة الاسكان الأميركية جاء فيه ان قيم العقارات في الولايات المتحدة ارتفعت 5 الى 8 بالمئة بينما ارتفعت في مدن قليلة ومن بينها ديربورن هايتس بنسبة فاقت 30 بالمئة.
وقال العضو العربي الأميركي الوحيد في المجلس البلدي، طوم بري، إنه ما كان المسؤولون في البلدية ليقوموا بتسهيل إجراءات إنشاء الأعمال الصغيرة في المدينة، لولا الحاجة الملحة لتلبية الطلب المتزايد، مشيراً الى أنه «بلا أدنى شك» يعود الفضل في هذا النمو بالدرجة الأولى للعرب الاميركيين الذين كان لهم اليد الطولى في هذه الطفرة التجارية وارتفاع أسعار المنازل. وأضاف بري «نحن مع رجال الاعمال، ونعرف أنهم ينفقون مدخرات حياتهم لإقامة هذه المؤسسات، ونحن نريد أن نكون جزءاً من قصة نجاحهم».
إن العلاقة بين تواجد العرب الاميركيين في ديربورن هايتس والطفرة في زيادة الطلب على المنازل والمحلات التجارية يمكن تأكيدها من خلال المقارنة بين مناطق المدينة الثلاث. فالجزء الجنوبي الواقع على حدود تايلور والممتد جنوب شارع ميشيغن افنيو، يقطن فيه عدد قليل جداً من العرب، حيث أن المنازل هناك صغيرة الحجم ولا تلقى إقبالاً من الجالية، ولذلك فإن هذا الجزء ظل على حاله ولم يشهد في المرحلة الأخيرة تطورات تذكر، على عكس الجزء الأوسط والشمالي الذي يوجد فيه عدد متصاعد من العرب الاميركيين.
وقال رون أمين إنه حالياً تبلغ نسبة السكان العرب في ديربورن هايتس حوالي الربع، متوقعاً قدوم المزيد من العرب الى المدينة في الأشهر والسنوات القادمة.
واتفق بري وأمين على ان الجزء الشمالي من المدينة تزايد فيه الطلب على المنازل نتيجة النشاط التجاري، وقال أمين «في السنوات الثلاث الأخيرة فتح في المدينة حوالي 100 محل تجاري معظمها لعرب أميركيين».
مثال على ذلك مقهى «لافا لونج» الذي يعج يومياً بالزبائن ما اضطر اصحابه الى التوسعة وإقامة مواقف جديدة للسيارات. وقالت أنجيلا جعفر وهي شريك في ملكية المقهى، «إنه استثمار ناجح و«لافا لونج» ساهم في تعزيز الحركة التجارية في البلازا»، كما أثنت جعفر على تعاون البلدية لتقديمها التسهيلات على عكس مدن اخرى تضع العقبات أمام المستثمرين.
ومن جانبه، قال حسين سبليني صاحب أفران «صاج» إن بعض الزبائن يقصدون المتجر من مدن أخرى مثل كانتون وبليموث، فهؤلاء لم يعودوا مضطرين للذهاب الى ديربورن لشراء حاجياتهم من المعجنات واللحوم الحلال وغيرها من احتياحات العائلة العربية.
وقال سبليني تكمن المشكلة في أنه حين يحقق محل بعينه النجاح سرعان ما يقلده الآخرون والأجدى العثور على فكرة جديدة ومبتكرة بدلا من فتح ثلاثة متاجر بقالة الى جانب بعضها البعض.
طلب متزايد
ويبدو أن بلدية ديربورن هايتس تنبهت الى الإحتياجات التجارية المرافقة للتبدلات الديمغرافية الطارئة على البنية السكانية للمدينة، ولذلك تسعى حالياً الى تهيئة منطقة تجارية جديدة على شارع وورن بين تلغراف وبيتش دايلي لتلبية الطلب المتزايد على المساحات التجارية مع قدوم العرب الأميركيين.
الآن تعتزم أسواق «بابايا» للخضار والفاكهة افتتاح فرع لها على شارع وورن في ديربورن هايتس، ويأمل مسؤولو البلدية ان يشكل هذا المحل فاتحة خير لنشاط تجاري مزدهر في المنطقة التي سيقام فيها، وينصح أمين الى الإسراع والاستثمار في هذه المنطقة بأسرع وقت ممكن لأن الاسعار فيها ستصبح مرتفعة في المستقبل.
Leave a Reply