سامر حجازي
من تناقضات مدينة ديترويت المشرفة على الإفلاس والمتخبطة في أزمات مالية وإقتصادية وأمنية ونزيف سكاني حاد، أن كازينوهاتها الثلاثة مزدهرة وبكامل عافيتها، وتدر على أصحابها وعلى البلدية عوائد مالية كبيرة وثابتة منذ حوالي عقد من الزمن، لكنها من ناحية ثانية أصبحت هذه الكازينوهات تشكل أزمة للكثير من العائلات العربية والكلدانية بسبب الإدمان على القمار وما يسببه من أضرار إجتماعية وأسرية لا تعد ولا تحصى.
وبينما عانت المدينة خلال السنوات الماضية من تذبذب صناعة السيارات، كانت الكازينوهات الثلاثة، «أم جي أم» و«موتور سيتي» و«غريك تاون» تجذب كل ليلة مئات الآلاف من الناس ومن بينهم عدد كبير من الجاليتين العربية والكلدانية الذين بدأت أعدادهم بالتزايد خلال السنوات الأخيرة.
سيدة عربية تلعب القمار داخل أحد كازينوهات ديترويت. |
لا تصعب ملاحظة وجود كثافة الزبائن العرب والكلدان داخل الكازينو فهم منتشرون على طاولات «البوكر» و«البلاك جاك» و«الروليت»، أما ماكينات اللعب فتجذب النساء أكثر.
ولا يقتصر جمهور الكازينو العربي على فئة عمرية معينة أو جنس محدد، فالذين يرتادون هذه الأماكن التي لا تعرف ليلها من نهارها، هم من الشباب ومتوسطي العمر وكبار السن من النساء والرجال العرب والكلدان الذين تمكنت منهم آفة القمار لدرجة الإدمان.
حول هذا الموضوع يقول علي (٢٢ عاماً من ديربورن هايتس) «في أحد الأيام رأيت أحد أفضل أصدقاء أمي في الكازينو والحقيقة شعرت بإحراج شديد لكن أظن أن تفاهماً مشتركاً نشأ بيننا بشكل غير مباشر بأن لا نفشي سرنا لأحد».
علي وبعض رفاقه، يرتادون الكازينو هذه الأيام مرتين الى ثلاث مرات أسبوعياً. هم يفضلون «أم جي أم» لكنهم بعض الأحيان يجربون حظهم في «موتور سيتي».
وعلي، شاب من عائلة ميسورة، ويجني ماله الخاص أيضاً، ويقول إنه ينفق في كل ليلة مع أصدقائه بين 400 الى 800 دولار، «أحياناً نصيب ولكننا في أغلب الأحيان نخيب». ورغم حظهم العاثر لا يبدي علي أو أصدقاؤه أي ندم لأنهم يعتبرون أن ما أنفقوه من مال كان بغرض الترفيه.
ويردف علي «بالواقع العملية كلها ليلة تسلية نقضيها سوياً وكلما انضم آخرون إلى جوقتنا كلما أصبح الأمر ممتعاً أكثر، أما الربح والخسارة فقيمة مضافة».
ويقر علي أن أقصى ما ربحه في ليلة واحدة كان ١٢٠٠ دولار إلا أن هذا المبلغ لا يقارن بآلاف الدولارات التي أنفقها وأصدقاؤه في الكازينو خلال الأشهر القليلة الماضية.
يقول إن الربح يشكل حافزاً لهم للعودة في الليلة التالية «إذا ربحنا شيئاً نعود لكي نخسره».
وكما يبدو فإن مشهد علي وأصدقائه وهم يتنقلون بين الطاولات، ليس شيئاً غير مألوف لاسيما في عطلة نهاية الأسبوع حيث يمضي الشباب أوقاتهم بشرب الخمر ولعب الميسر حتى ساعات الصباح الأولى، كما أن العرب والكلدان متواجدون دائماً في كازينوهات ديترويت الثلاث، «حتى أيام منتصف الأسبوع بإمكان أن تجد أعداداً لا بأس بها منهم في أي من الكازينوهات الثلاث» يقول علي.
ويضيف «هناك قصص مرعبة كثيرة تحيط بالمدمنين على آفة القمار في جاليتنا حيث أنهم يذهبون إلى الكازينو في لحظة نزوة عابرة لأنهم يظنون أن بإمكانهم أن يربحوا مالاً يكفي لشراء سيارة فاخرة أو هدية لحبيبته، إلا أنهم غالباً ما يغادرون الكازينو خالي الوفاض وأحياناً من دون سنت واحد».
باتريشيا إمرأة إىرلندية الأصل من ديربورن، أكدت أنها تتردد بإستمرار على الكازينوهات منذ سنوات ولاحظت بالفعل وجوداً كثيفاً من العرب والكلدان مؤخراً كذلك أكدت رؤية وجود رجال متوسطي الأعمار ونفر من النساء اللواتي يلبسن غطاءاً للرأس في عدة مناسبات. وقالت «أرى جاري الذي يسكن مباشرة قرب منزلي في الكازينو أكثر مما أراه في الحي».
ومثل العديد من العرب والكلدان الذين يترددون على الكازينو، أشارت باتريشيا إلى أن جارها المقامر متزوج وعنده أولاد.
وفي حين لا يجد جيل الشباب العربي غضاضة وحرجاً في الإعتراف بأنهم يرتادون الكازينو إلا أن البالغين عادة ما يكتمون هذه العادة السيئة، ربما بسبب الوصمة السوداء التي توصم بها عادة القمار من الناحيتين الدينية والثقافية حيث يعتبر الدين الإسلامي والمسيحي أن القمار رجس من عمل الشيطان.
الشيخ محمد علي الهي مرشد دار الحكمة الإسلامية في ديربورن هايتس، قال «إن القرآن الكريم يصف القمار بنفس السلبية التي يصف بها الخمر ويضعها معاً في مساواة مخدرين خطرين». وأضاف «قد تكون هناك بعض الفوائد المادية لبعض الناس في القمار والكحول لكن بشكل عام فإن ضررها أكبر من نفعها وما يخسره الناس هو أكثر بكثير مما قد يجنونه». وأضاف الهي «لقد رأيت بعيني أفراداً يعانون جسدياً وعقلياً نتيجة الإدمان على القمار وهذه العادة الآثمة عادة ماتحطم أسراً بأكملها وتؤدي إلى الطلاق وإلى البلاء على الصغار والأطفال وفي بعض الحالات القصوى تؤدي حتى إلى الإنتحار وأنا أعتقد أن الجالية لم تفعل ماهو كاف من أجل التواصل مع الأفراد المدمنين».
وأردف إلهي «نحن نعرف أن الكازينوهات هي من أجل التجارة والناس هم من يدفعون الثمن الذي تجنيه هذه الشركات على حساب تدمير الأسر والأفراد، علينا أن نستخدم تقنية خاصة لمعالجة الموقف لإنقاذ الشباب وتوعيتهم ودعمهم نفسياً وروحياً وجعلهم مسؤولين عن أفعالهم وعلينا أن نفهمهم بأنهم لا يمكنهم الإستمرار على نفس هذه الطريق».
كيفية الحصول على المساعدة
الدكتورة اليانور أهاروني وهي مرشدة إجتماعية مجازة من الجالية الكلدانية تعمل من خلال مكتبها الخاص في مدينة وست بلومفيلد، حيث أنها عاينت عدداً لا ينتهي من الأفراد العرب والكلدان الذين يعانون من الإدمان على القمار.
وحسب د. أهاروني فإن مشكلة القمار تبقى الأكثر تفشياً في صفوف الجالية الكلدانية لعدة عوامل أولها قربها الجغرافي لمواقع الكازينوهات ونتيجة تأثير الأهل والأصدقاء. كما أن العرب والكلدان يتشاركون في خصائل ثقافية خصوصاً البذخ والتشوف والتبجح بالنجاح.
وأكدت أهاروني أنها عالجت مرضى من الجنسين ومن كل الأعمار ومن مختلف المستويات الإجتماعية في الجاليتين العربية والكلدانية ممن يعانون من الإدمان على القمار، مشيرة إلى وجود نمط متصاعد بوقوع رجال تتراوح أعمارهم بين ٤٠ و٥٠ عاماً في شرك القمار بالإضافة إلى الشبان في أوائل العشرينات من عمرهم.
وأضافت أنه في بعض الحالات الأشد قساوة نجد أفراداً خسروا تجارتهم وسياراتهم وبيوتهم بسبب عدم قدرتهم السيطرة على عادة الإدمان وآخر قضية عالجتها الدكتورة تعود لشاب خسر رهاناً بـ١٠٠ ألف دولار.
وقالت أهاروني «المدمنون لا يدركون أنهم إذا استمروا في ممارسة القمار فإنهم سيخسرون الكثير وربما كل شيء، البعض خسروا أعمالهم بسبب القمار وحصل هذا عندما بدأت أعالجهم.. وهم للأسف لم يظنوا أبداً عندما بدأوا بالقمار أنهم سيصلون إلى هذه الدرجة من الإدمان المتقدم».
وأشارت أهاروني إلى أن إختصاصها هو منع عودة وقوع المدمن في مغريات القمار من جديد. ويُشجّع المدمنون عادة على حضور جلسات «المدمنون المجهولون» وبعض الأحيان يُطلب منهم توقيع أسمائهم طوعاً على «برنامج التحول» الحكومي الذي يمنعهم من دخول كازينوهات ديترويت الثلاث، وإذا حدث وتواجد المدمن داخل الكازينو فقد يعاقب بغرامة مالية وحتى بالسجن.
وفي السنوات الأخيرة تنامى إلى دائرة الصحة الإجتماعية في ولاية ميشيغن مشكلة إزدياد الإدمان على القمار في ديترويت فقامت الولاية بوضع برامج مجانية تقوم بتشغيلها مؤسسات ديترويتية المنشأ وتدعى «أنظمة الإدارة الصحية في أميركا» والتي تختص بالصحة العامة والخدمات السلوكية الصحية. هذه الأنظمة الصحية تقدم خطأ ساخناً وعلاجات وإدارة أزمات وتقبل تحويلات من أفراد العائلة مجاناً من أجل معالجة مدمني القمار.
مديرة برنامج الأنظمة، لوري ميلو، قالت في حين أن الكازينوهات تعتبر المساهم الأكبر في انتشار آفة القمار بمنطقة ديترويت، إلا أن هذه العادة بدأت تخترق عقول القاصرين أيضاً. وأضافت «الناس يقامرون بعدة طرق ولأنه لا يحق لهم دخول الكازينو إلى حين بلوغهم سن الـ٢١ هناك من يلجأون الى المراهنة على المباريات الرياضية وعبر مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الإجتماعي وحتى يراهنون على النرد وورق اللعب».
وتحاول المنظمة إيجاد سبل لمساعدة الجاليات المتعددة إثنياً حيث أنها تؤمن مختصين يتحدثون العربية والإسبانية كما توزع منشورات بلغات أجنبية. وأردفت ميلو أن الأغلبية من زبائن المؤسسة الذين تعالجهم يصفون أنفسهم أنهم من البيض لكنها تعتقد أن عدداً كبيراً منهم من الأقليات غير المعترف بها في ديترويت الذين هم مصابون بمرض القمار لكنهم لا يريدون الإعتراف بأن لديهم مشكلة ولهذا السبب ربما الأعداد ليست كبيرة بسبب الكبرياء.
للمزيد من المعلومات للأفراد المدمنين على القمار أو لتحويل أحد أفراد العائلة المدمن يمكن الإتصال بالرقم المجاني المفتوح ٢٤ ساعة وهو ١.٨٠٠.٢٧٠.٧١١٧ ويمكن الإتصال بالدكتورة اليانور أهاروني على ٢٤٨.٦٢٦.٢٣٢٣
Leave a Reply