بيروت – كمال ذبيان
الشغور الذي حلّ في موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية، قد يدوم الى فترة زمنية غير محددة، مع إنسداد أفق التوافق الداخلي، لتصنيع رئيس للجمهورية لبنانياً، بسبب توازن القوى بين الكتل النيابية الموزعة بين «8» و«14 آذار»، وخروج كتلة وسطية خارجة عن الإصطفافين، مما يعيق عقد جلسة لإنتخاب رئيس جديد، طالما بقيت الأصوات التي سينالها أي مرشح هي نفسها، ولن يتأمن لأي منهم الفوز بالأكثرية النيابية المطلقة أي النصف زائداً واحداً (65 نائباً) من عدد أعضاء مجلس النواب، وسيبقى منصب الرئاسة الأولى شاغراً حتى إشعار آخر، بإنتظار تطورات خارجية، تفرض على اللبنانيين مرشحاً، هو نتاج تسوية دولية- إقليمية، كما حصل في كل الإستحقاقات السابقة، حيث وضع لبنان على لائحة الإنتظار الدولية والإقليمية، ريثما تحل قضايا ساخنة أكثر خطورة وأهمية في المنطقة، من إنتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان الذي توفر له الغطاء الدولي للحفاظ على الإستقرار بحده الأدنى، الذي ابلغه وزير الخارجية الأميركي جون كيري للمسؤولين اللبنانيين ودعاهم لاحترام الاستحقاقات الدستورية ومواعيدها ولأنه لن يحتاج إليه اللاعبون الخارجيون في رسم خارطة المنطقة، ساحة لتمرير حروبهم عبرها، وهو ما يكشف سر عدم وقوع الإنفجار الأمني الكبير حتى الآن، بالرغم من كل الظروف السياسية والتطورات الخارجية لحصوله، وهو مهدد دائماً بأن تقع فيه أحداث دراماتيكية، وقد حصلت منذ إغتيال الرئيس رفيق الحريري الى التفجيرات الأخيرة التي طالت قبل سنة، مناطق لبنانية عدة، لاسيما تلك الحاضنة لـ«حزب الله» ومقاومته في الضاحية الجنوبية وبعلبك-الهرمل.
فالإستحقاق الرئاسي مازال قيد التداول ويطغى على أي إستحقاق آخر، حتى المتعلق بسلسلة الرتب والرواتب للأساتذة والمعلمين وموطفي الإدارة في القطاع العام والأسلاك العسكرية، وبدء شل مؤسسات الدولة، وإنهاء عام دراسي دون إمتحانات رسمية للطلاب، والتهديد بإنفجار إقتصادي – إجتماعي، فإن شغور رئاسة الجمهورية بدأ يرخي بقوة على عمل المؤسسات الدستورية الأخرى، وربط سير عملها بإجراء الإنتخابات الرئاسية، وهو ما دفع بالنواب المسيحيين من «8» و«14 آذار»، الى الإمتناع عن المشاركة في جلسات تشريعية لمجلس النواب إلا في حالات محددة منها، مناقشة قانون إنتخاب، لأنه يقع في تكوين السلطة، أو ما تفرضه اامصلحة الوطنية العليا، دون تحديدها، لأنه لا يجوز أن تبقى مرافق الدولة عاملة بشكل طبيعي، وكأن شيئاً لم يحصل في شغور موقع رئاسة الجمهورية، الذي يعتبره المسيحيون أنه رأس الدولة، ويؤثر على الميثاقية في سير عمل المؤسسات الدستورية التي تفقد شرعيتها وفق الفقرة (ي) من مقدمة الدستور التي تنص على أن لا شرعية لأية سلطة يغيب عنها مكوّن أساسي، من مكونات المجتمع اللبناني وتركيبته الطائفية والمذهبية.
فتحديد عمل مجلس النواب، وتحويله الى تصريف أعمال بتشريع محدود، أزعج الرئيس نبيه برّي وحلفاء له، لان المجلس هو مصدر السلطات ويجب إحترام دوره ومهامه وصلاحياته، وأن مسألة إنتخاب رئيس للجمهورية ليست دستورية فقط، بل هي سياسية بإمتياز، والرئيس برّي لم يتأخّر أو يتلكّأ عن دعوة مجلس النواب الى الإنعقاد لإنتخاب رئيس، وهذا لم يحصل، لأن الخلاف السياسي يمنع حصوله في ظل توازن القوى، ولا بدّ من التوافق السياسي الذي يسهّل الإنتخاب، وهذا غير متوفر، وقد إنتظر الأطراف السياسيون أن يتفق «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» على ترشيح وتأييد العماد ميشال عون، حتى يتأمّن نصاب الجلسة القانوني ويجري الإنتخاب، إلا أن هذا الأمر لم يحصل، كما لم يتمكّن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من تأمين الأصوات الكاملة لفوزه كمرشح لقوى «14 آذار»، ولا النائب هنري حلو الذي قدّم نفسه مرشحاً وسطياً ولمنع الفراغ، وهو لم يتمكن أيضاً.
لذلك فإن الشغور في رئاسة الجمهورية، بدأ ينعكس تعطيلاً لأعمال مجلس النواب الذي دُعي لمناقشة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، ولم ينعقد، وقد يتّخذ الرئيس برّي موقفاً سلبياً من الحكومة إذا ما استمرّ تعطيل الجلسات التشريعية، إذ سيفقد المجلس دوره الرقابي على الحكومة، بعد أن أفقدوه دوره التشريعي، وهذا التطور سيضع الحكومة أمام دورها ومهامها وإستمراريتها، مع الخلاف الحاصل داخلها حول صلاحياتها التي أضيفت إليها بعد أن أناطت بها المادة 62 من الدستور وكالة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلا مركز الرئاسة لأي علّة كانت.
![]() |
وزير الخارجية الأميركية لدى وصوله الى بيروت، يوم الأربعاء الماضي. |
وقد شهدت الجلسة الأولى للحكومة كما الجلسة الثانية لها بعد شغور رئاسة الجمهورية، نقاشاً سياسياً ودستورياً، حول ممارسة الحكومة لصلاحية رئيس الجمهورية المتعلقة بمسائل عدة ومن أبرزها ما يتعلق بإطلاع رئيس الجمهورية من رئيس الحكومة على جدول أعمال مجلس الوزراء المنوطة صلاحياته به، وقد قدّم الرئيس تمام سلام فتوى من روح الدستور، بأن يرسل الى الوزراء جدول الأعمال قبل 72 ساعة وليس 48 ساعة كما هو متعارف عليه، لتكون فترة الـ24 ساعة هي للإطّلاع على الجدول ووضع الملاحظات عليه قبل عرضه على مجلس الوزراء، وقد لاقى هذا الحل قبولاً عند مختلف الأطراف في الحكومة التي بقيت عالقة مسألة توقيع المراسيم، حيث دار نقاش حول العودة الى النظام الداخلي لمجلس الوزراء، بأن يوقع على القرارات مَن يصوّت عليها من الوزراء، سواء تلك التي تحتاج الى الثلثين أو الأكثرية المطلقة، في حين طالب وزراء لاسيما المسيحيون منهم كـ«التيار الوطني الحر» وحزب «الكتائب» باعتماد توقيع كل الوزراء بعد أن تحوّلت صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلسهم مجتمعاً، والتي نص الدستور على أن السلطة الإجرائية أو التنفيذية هي في مجلس الوزراء مجتمعاً.
وهذا الجدل أو النقاش حول الصلاحيات، حاول الرئيس سلام أن يخفف من حدة التشنج عليها، ويدعو الى التوافق حولها، بما لا يضع الحكومة في مهب ريح سقوطها أو إنفراط عقدها، فتكون المؤسسة الثانية الدستورية مهددة بالشغور أو الفراغ بالمعنى الدستوري والسياسي والإجرائي وتصاب مصالح الدولة والمواطنين بضرر كبير مع تعطل المرافق، وهو ما قد ينعكس على مجلس النواب، ويصبح لبنان بلا مؤسسات دستورية فاعلة وعاملة، وقد يصنّف في عداد الدول الفاشلة، كما الصومال الذي لم يتورّع مسؤولون دوليون من وصف لبنان به، إذا ما استمر تعطيل الحياة الدستورية، وعدم تداول السلطة والتي كان تمديد مجلس النواب لنفسه، أحد مظاهر الفشل الذي وصلت إليه الطبقة السياسية في لبنان، من عدم المسؤولية، عندما تجدد لنفسها في سلطة هي مصدر السلطات كمجلس النواب الذي ينتخب رئيس الجمهورية، ويسمي رئيس الحكومة بإستشارات نيابية ملزمة.
وأمام إنسداد أفق الحل السياسي الداخلي، وتصلب مواقف الأطراف اللبنانية، واقتراب إستحقاق الإنتخابات النيابية التي يفترض بالحكومة وعبر وزارة الداخلية دعوة الهيئات الناخبة في 20 آب المقبل لممارسة حقها في إختيار ممثليها لمجلس النواب، على أن تجري الإنتخابات ما بين 20 أيلول و20 تشرين الثاني المقبلين، وقبل إنتهاء ولاية مجلس النواب بستين يوماً، أي أن هذا الإستحقاق بات داهماً، وهو خلال الشهرين القادمين سيتقدم على الإستحقاق الرئاسي الذي قد يتأخر الى ما بعد حصول الإنتخابات النيابية والتي ستفرز مجلساً جديداً تقع عليه عملية إنتخاب رئيس جديد، حيث تراهن القوى السياسية والحزبية والكتل النيابية أن تحصل تحالفات جديدة في هذه الإنتخابات، وقد تبقي على القانون الساري المفعول والمعمول به كما في الدورة السابقة، التي جرت على أساس قانون إنتخابات الستين معدّلاً، وهو ما إتّفق عليه في الدوحة إثر أحداث 7 أيار 2008.
وبدأ الحديث عن الإنتخابات النيابية يتقدّم عن الرئاسية التي تنتظر قراراً خارجياً، وقد بدأ اللاعبون الداخليون من القوى السياسية يتحدثون عن خارطة نيابية جديدة سيكون لها تأثيرها في الإستحقاق الرئاسي، بحيث تتحدّث قوى 8 آذار عن أن الإنتخابات المقبلة ستحوّلها الى أكثرية نيابية، تقرّر في إنتخابات رئاسة الجمهورية، كما في تسمية رئيس الحكومة وتشكيلها، إذ أن التمديد لمجلس النواب لمرة ثانية لن يمرّ دون ردة فعل دولية ومن قبل المجتمع المدني وهيئاته التي تتحرّك من أجل قانون إنتخاب خارج القيد الطائفي، ويعتمد النسبية والدائرة الكبرى، وآليات لعملية إنتخابية سليمة ونزيهة.
إن الإنتخابات الرئاسية وُضعت على الرف، ريثما يأتي من في الخارج لينزلها عنه، على أن يقوم اللبنانيون بإجراء إنتخاباتهم النيابية، علّهم يفوزون بمن يمثّلهم، من خارج طبقة سياسية فاسدة، تكون محاسبتها يوم الإنتخاب الذي إعتادت الغالبية العظمى من الناخبين، أن تقترع بعصبياتها الطائفية، ولا تُسائل أو تُحاسب، أو تُسترد سلطتها التي يتمّ تكوينها بقانون يلزم الناخبين، أن يقترعوا لزعماء طوائفهم ومذاهبهم.
Leave a Reply