بقلم خليل اسماعيل رمّال
وتلك الأيامُ نداولها بين الناس. ما أعظم كلام القرآن الكريم وما أجمل هذه الأيام التاريخية الزاخرة بالنصر والعزَّة والكرامة وقهر قوى الظلام والردَّة. هذه أيام الربيع السوري الحقيقي يدوس فيها على رأس «الخريف» العربي المزوَّر والذي جاء بعد سكون «الشارع» العربي دهراً بسبب ديكتاتورية الأنظمة بعد اندحار الإستعمار والتي لم تتمكن بعده من بناء دول ومواطنية حقَّة وعندما جاءت الثورة نطق الشعب العربي كفراً واختار في لحظة تاريخية مغفلة حكاماً من «الإسلاميين» سرعان ما كشفوا عن وجوههم الطاغوتية فكانوا أسوأ من السالفين.
إلاَّ أنَّ الشعب السوري المقدام الشجاع أحسن الإختيار واقترع لرئيسه بشَّار حافظ الأسد بنسبة ٨٨,٧ بالمئة ولدولته الوطنية من أجل الإصلاح والبناء والمصالحة للخروج من المؤامرة الغربية السعودية القطرية العثمانية بدعمٍ صهيونيٍ سافر. إذ بعد ثلاث سنوات من الحرب الهمجية المستمرة التي شنَّها الغرب والرجعية العربية والسمسار التركي عبر رمي أوساخه وحثالاته التكفيرية الإجرامية للتخلُّص منها ومن الدولة السورية الواقفة كصخرةٍ صلبة مع القضية الفلسطينية وقوى المقاومة، صوَّت ١٥ مليوناً من «الشبِّيحة» الذين نظَّمهم وهيَّأهم النظام ودفعهم للتصويت للرئيس الأسد تحت خطر القصف العشوائي ومدافع الهاون والصواريخ على دمشق والسيارات المفخَّخة، هكذا بالتعذيب والتهديد ومن دون «إكراميات» وهدايا ودفع بدلات نقل ومصاريف وبطاقات سفر وسياحة وأكل وشرب ورشاوى وتنك زيت للمصوِّتين على طريقة مهرجانات ١٤ آذار وانتخابات ٢٠٠٨ اللبنانيَّة التي فازت فيها «ثورة بولتون وجيفري فيلتمان» بأغلبية عدديَّة ضئيلة مع سقوطها شعبياً رغم الخمس مليارات السعودية التي صُرفت على الناخبين الذين جيء بهم من مختلف أصقاع العالم لكي يصوِّتوا لأسوأ مجلس نكبات ونوائب عرفه الوطن البائس. العمى ما هذه الدولة الأسطورية التي تُخضِع ١٥ مليوناً دفعة واحدة؟!
الإحتفالات بالنصر عمَّتْ أرجاء سوريا في كل المحافظات وأذهلَتْ وصعقَتْ أوروبا والولايات المتحدة اللتين كانتا تحلمان وتروِّجان بأنَّ الحرب في سوريا أهليَّة داخليَّة (مع ١٠٠ ألف من المرتزقة المجرمين) وإنَّ الرئيس الأسد لا يملك شعبيةً ولا حيثيَّة سياسيَّة وكم تنبَّأوا وتكهَّنوا، على طريقة العرَّاف سمير جعجع، بأيام الأسد «المعدودة» حتَّى ميشال سليمان، الذي لا محل له من الإعراب، صدَّق النبوءة وتصرَّف على أساسها فأصابته حالة تخلي جنبلاطية أدَّت الى «تخشُّب» مواقفه من سوريا والمقاومة. لكن الصحافة الغربيَّة لم تتمكن إلاَّ أنْ تتصرف بشبه موضوعية وهي تنقل صور الطوابير الطويلة للناخبين السوريين الذين اقترعوا بالدم رغم الدمار والموت اليومي ليس تأييدا لرئيسهم فحسب، بل نبذاً لهذه «الثورة» التي تتزعَّمها جماعات القتل والإرهاب من «القاعدة» و«داعش» وآخر الأثافي «مشمش» وغيرها من قوى الظلام التي رعاها ونمَّاها ودعمها الغرب المزِّور والمزيِّف (وهما صفتان له أطلقهما على الإنتخابات السوريَّة) بالإتفاق مع الوهَّابية والعثمانيَّة وهؤلاء يحاولون اليوم تدجين هذا الإرهاب التكفيري بعد أنْ فازتْ سوريا وتغلَّبَتْ جيشاً وشعباً وقائداً ومقاومةً لبنانية على قوى الظلام والجاهلية والخوارج الذين بدأ خطرهم يمتد إلى الخارج ولهذا السبب كان أردوغان آخر من وضع جبهة «النصرة» على لائحة الإرهاب. ولكن هذا لن يحمِ هذه الأنظمة المتآمرة من إنتقام الإرهابيين وسيأتي اليوم الذي يشكر فيه العالم الجيش العربي السوري على صموده ومحاربته ودحره للتكفيريين السفَّاحين المرتزقة.
لقد أنهَتْ الانتخابات السورية المظفَّرة كارثة «الربيع العربي» وطوَتْ صفحته السوداء بعد أنْ اكتمل المشهد السياسي المصري بانتخاب المشير عبد الفتَّاح السيسي للرئاسة مما يعزِّز الأمل بعودة التعاون والوحدة بين البلدين العربييَن الكبيرين، «المحروسة أم العرب» و«قلب العروبة النابض». ولم يعكِّر صفو النتيجة الإنتخابيَّة في مصر إلاَّ رسالة من ملك العائلة السعودية يبدي فيها النصيحة للسيسي وكأنه أحد مندوبيه في إحدى الأقطار، على أساس أنَّ التجربة السياسيَّة للعائلة المالكة في الحجاز عريقة في الحكم والديمقراطيَّة وتداول السُّلطة!
وفي لبنان حاول أعضاء «حنيكر» تعطيل المشاركة السورية في الداخل بعد اقتراع ٢٠٠ ألف سوري في سفارة بلادهم في اليرزة. ورغم قرار الشنق بمنع السوريين النازحين إلى لبنان من إنتخاب رئيسهم تحت أعذار واهية، تحدى آلاف السوريين هذا القرار العنصري الشدياقي وعبروا إلى «جديدة يابوس» للمشاركة مع ابناء وبنات شعبهم الآخرين في عرس القيامة والربيع السوري الحقيقي، لقد نشَّفت «يابوس» الدم في عروق ١٤ الشهر.
السفير السوري السابق في دمشق روبرت فورد الذي كان رأس الأفعى وعرَّاب المعارضة نعى فشلها وقال منتقداً سياسة بلاده «إنَّ الأسد لن يرحل، وإنه باقٍ وقد رسَّخ قدميه في العاصمة». لكن الأسد لم يرسِّخ قدميه في بلده فقط حتى العام ٢٠٢١، بل في المسرح الدولي والتاريخ على اعتبار أنه الرئيس الوحيد في العالم الذي يتعرَّض بلده الى هذه الهجمة العالميَّة الشرسة بوجود عدوٍ خطير يتربَّص شرَّاً في كل شاردة وواردة، لكنه يتغلَّب على المؤامرة ثم يفوز في إنتخابات كان الإقبال عليها ٧٣ بالمئة وهي نسبة تحلم فيها الحكومات الغربيَّة! وربَّما لهذا السبب توقَّف وزير الخارجية الأميركي جون كيري لساعاتٍ معدودة في «شبه الوطن» لكنها لم تكن كسابقاتها مستنهضة لجماعة «١٤ عبيد زغار» خصوصاً بعد مناشدته لروسيا و«حزب الله»، مخصِّصاً وقتاً لبشارة الراعي لكي يشكره على زيارته إلى الاراضي المحتلَّة التي لم تكن رعوية بل سياسيَّة بامتياز وتطبيعية مع الإحتلال خصوصاً بعد تبرئة عملاء الخائن لحد ووصفهم بالضحايا وبأنهم وطنيون أكثر من غيرهم! ربَّما هذا الثمن الذي حصل عليه الراعي بإشادة من كيري وربَّما يحظى مستقبلاً بلقاء لدقائق قليلة في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي وهذا شرفٌ لم يحصل عليه سلفه صفير رغم محاولاته التوسُّلية.
لقد «زحَّط» كيري بزيارته الخاطفة «١٤ آٓذار» معترفاً بشكل غير مباشر بالنصر السوري المؤزَّر، رغماً عن أنفه، لعدة عوامل من بينها الحوار النووي الغربي مع إيران وبروز روسيا والصين كدولتين عظميين مما آثار حفيظة وغضب سعد الحريري وجماعته ودعاه إلى إصدار بيان عنيف اللهجة ضد انتخابات سوريا من.. المغرب حيث ينتظر دوره مع حاشية ملكه للمقابلة. ويبدو أنَّ عودة الحريري من مطار دمشق مؤجَّلة في حين أن العامل السوري يعود سريعاً إلى معادلة إنتخاب الرئيس في لبنان. إكرام «ثورة الأرز» يكون بدفنها.
Leave a Reply