بقلم: مريم شهاب
الأسبوع الماضي، هوى غصن آخر من شجرة الكبرياء والعطاء بلا حدود، وخدمة الناس بشرف، ومحبة تراب لبنان برحيل المرحوم أبو حسين علي سلامة.
والمرحوم هو صديق آخر من جيل المرحوم أبي. الجيل الذي رفض إزدواجية خدمة العدو، سواء في الداخل أو الإحتلال في أوقات المحن السيئة تحت ذريعة إرتكاب خيانة المبادئ من أجل سلامة لبنان الذي كان يأن تحت الإحتلال الإسرائيلي.
٣٣ عاماً مرّت على وفاة المرحوم أبي. رحل في السادس من حزيران عام ١٩٨١. قضى نحبه قهراً وحسرة وهو يحاول مقاومة إحتلال إسرائيل لجنوب لبنان وجيشها الظالم. كان أبي مثل غيره من رجال القرى الرافضة لجبروت الدبابة الإسرائيلية وغطرسة عملائها المحليين، الذين تورطوا بأسفل أنواع الخيانة لقراهم وأهلهم ووطنهم. وفي المقابل، كان الشرفاء يذهبون إلى أقصى نقطة من الجنوب لمفاوضة سعد حداد، رئيس «جيش لبنان الحر» آنذاك.
معظم أولئك الرجال كانوا أميين، لا يقرأون ولايكتبون لكن كانت كلماتهم قوية كصخر الجنوب الصامد في وجه العتم والريح.
في إحدى المرات، قال أبي لسعد حداد وزمرته الحاكمة بأمر تل أبيب «لا دخل لي إذا تعاملت أنت مع إسرائيل أو مع الشيطان، بل كل ما يهمني أن تسعوا لفكّ «الزناق» (الخناق) عن رقاب الفلاحين وتتركونا نفلح الأرض ونزرعها… هذه قرانا وهذه بلداتنا ويبقى العدو عدواً مهما قدم من إغراءات.. في النهاية ما أنتم سوى زمرة خاضعة لضغوط الإحتلال وتهديداته.. وعندما ينتهي من خدماتكم، سيرميكم الى المزابل».
مثل المرحوم أبي، كان المرحوم أبو حسين، قامة شامخة وعالية أشبه بالزعيم عبد الناصر. كانت كلماته واضحة وقوية أمام المسؤول والزعيم الغاصب لحقوق عمال بلدية بيروت المشرقة والنظيفة آنذاك، بفضل جهود العمال البسطاء النازحين من قراهم إلى بيروت لتحصيل لقمة عيشهم بشرف وعرق جبينهم.
كانت مكانسهم علامة فارقة للعمل المخلص في تنظيف شوارع المدينة التي كانت لؤلؤة الشرق. وكانوا هم مكسر عصا بالنسبة للزعيم المتسلط الذي يسعى للتقتير على العمال بالأجور ليملأ جيبه من عرقهم وكدهم.
وقف المرحوم علي سلامة بحزم بوجه الزعامة السياسية وشكل جمعية عمال بلدية بيروت، لحماية حقوق العمال من التعسف والتسلط.
رحم الله المرحوم «أبو حسين» ومن قبله المرحوم أبي وغيرهم من الشرفاء الذين كان لديهم حلم نحو الأفضل وعملوا بعزيمة وصدق من أجله. ولكن المبكي أنهم قضوا حسرة بعدما خذلتهم السياسة القذرة وخيانة الأقربين.
وبشّر الصابرين
ريحانة أخرى ذبلت وهوت في عائلتنا، المرحومة خالتي هيبات شموط، أم بهجت حب الله. قامة صغيرة.. مثل قطرةِ عسلٍ مصفّى، تشفي العليل وتبعث الأمل بمن يلتقيها.. كلامها مثل النسيم ينعش ولا يجرح.
أذكر خالتي، كيف صمدت وعاشت في بيتها ببلدة شقرا طوال سنين الحروب اللبنانية والغزوات الإسرائيلية، دون أن تلفها رياح الهجرة والنزوح، سواء إلى بيروت أو إلى بلاد الغربة. إلتصقت بتراب الأرض مثل سنديانة قاومت الحرق والقطع وغازات القنابل السامة.
بالطبع لم تكن الحياة سهلة خاصة وأن عائلتها كبيرة العدد، فيما كان رب العائلة في سفر دائم بحثاً عن لقمة العيش، لكن المرحومة خالتي -ومثل معظم الأمهات الآدميات والعظيمات- كافحت وزرعت وحصدت وعانت من شظف العيش وصبرت صبراً جميلاً حتى عندما فجعت بوفاة ابنها الشاب ابراهيم، وهو قائم يصلي.
قد عوضها الله بأبناء وبنات بررة إعتنوا بها في شيخوختها حتى رجعت إلى ربها راضية مرضية. ألف رحمة إلى روحها الطاهرة وإن شاء الله تكون لها البشرى مع الصابرين في جنة الله ورضوانه…
Leave a Reply