قُضي الامر الذي فيه تستفيان وقامت «الدولة» الإرهابية الجاهلية «داعش» بغزو العراق بشكلٍ مفاجىءٍ وكاسح يذكِّر باندفاعة رديفتها الإرهابية «طالبان» في أول انطلاقتها في أفغانستان بقيادة الملا عمر الأعور. وهكذا قام ١٥٠٠ من الرعاع الداعشيين السفاحين بطرد ٨٥ ألف جندي عراقي من الموصل ونينوى وصلاح الدين وتكريت وحتى أطراف بغداد محتلِّين مساحاتٍ واسعة ومستولين على غنائم مالية ونفطية وأسلحة ومعدَّات طائلة قُدِّرتْ بـ٩٠٠ مليون دولار. لقد صَدَق أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، في خطبة الجهاد للعراقيين الأوائل، حين قال «أغزوهم قبل أنْ يغزوكم والله ما غُزيَ قومٌ في عقر دارهم حتَّى ذُلُّوا» وهذا يثبت صوابية قرار المقاومة في لبنان بغزو المجرمين التكفيريين في سوريا قبل أنْ يغزونا. ولا يمكن أنْ نتصوّر ماذا كان يمكن أنْ يحُلَّ بـ«شقفة وطن» بمساحته الصغيرة لو قامت «داعش» بنفس الاكتساح الهمجي على العراق! هل كانت وفَّرتْ المسيحيين وباقي المسلمين من غير التكفيريين كما فعلَتْ في معلولة وغيرها؟! سؤال برسم ١٤ الشهر.
لقد وقع المحظور الذي حذّر منه كثيراً الرئيس السوري بشَّار الأسد الذي تعرَّضَتْ بلاده، وما زالت، لأشرِّ اعتداء إرهابي خارجي بتمويلٍ غربي وهَّابي-قطري-عثماني عندما إتَّفق الأضداد على حرق سوريا بأكثر الحثالات الدينية تطرُّفاً ونفخوا فيها النزعة المذهبية التعصُّبيَّة العنصريَّة وأطلقوا لها العنان فحصدتْ حتى الآن ١٦٥ ألف قتيل سوري وتهجير الآلاف وخسارة ٢٠٠ مليار دولار! واليوم لا يأتي غزو العراق من فراغ، خصوصاً بعد نجاح إنتخابات الشعبين العراقي والسوري وفشل المخطَّط الغربي الرجعي العربي الذي أراد إفراغ حقده على العراق، خصوصاً آل سعود الذين لم يهنأ لهم بال منذ عودة الحكم إلى أهله الطبيعيين بعد حكم الطاغية الديكتاتور صدَّام حسين الذي كاد يهدم ويدوس دول الخليج. لكن كره السعوديين المذهبي فاق كرههم لصدَّام فلم يتقبَّلوا عودة العراق إلى أبنائه بكل أطيافه ومذاهبه وكانوا يتحيَّنون الفرص من أجل الإنقضاض عليه وحانت لهم الفرصة بوجود أخطر حركة إرهابيَّة مذهبيَّة متطرِّفة، ولهذا السبب وجَّهتْ إبنة المجرم القاتل رغد صدَّام الشكر للسعودية وقطر والإمارات لمساعدتهم «داعش» معلنة أنها سوف تنضمُّ اليهم سريعاً!
لكن السؤال هو كيف تُترَك السعوديَّة لتستخفَّ بعقول النَّاس فتُدرج «داعش» و«الإخوان» و«النصرة» وغيرها من الجماعات الإرهابية على لائحة الإرهاب ثم تستمر في تمويلها ودعمها بكافة السُبُل؟! وهل تفعل ذلك بالتوافق مع سيِّدها الأميركي ذلك أنها لا تفعل شيئاً من دون رضى أميركا؟ وهل ستتحرَّك «جبَّانة» الدول العربيَّة بعد أنْ ثبَتَتْ مصداقية سوريا حول الغزو الخارجي من مرتزقة الإرهاب، من أجل إنقاذ بلد عربي؟ وماذا ستفعل دول الخليج وتركيا بعد اقتراب الخطر إلى حدودها؟
إنَّ الذي حصل في العراق كان قد حصل في سوريا منذ ٣ سنوات لكن العراق الممزَّق غير قادر على الصمود بالرغم من قدرات وبسالة الجيش العراقي الذي يجب أنْ لا يتعرَّض لكرامته أحد رغم الهجوم الصاعق وخيانة الضباط وعملاء الداخل من بائعي الضمائر وتآمر المجرم عزت الدوري وخلايا حزب «البعث» الفاشيَّة. فالخيانة تهزم أعظم جيوش العالم والحكومة «النورية» تتحمل المسؤولية كاملةً عن هذا الإنهيار الأمني المريع! غزوة «داعش» لن تهنأ بنصرها بعد انتشارها بين دولتين والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي واقترابها من الحدود الايرانية والعتبات الإسلاميَّة المقدَّسة وتأليب باقي الفئات ضدَّها. وقد تبيَّن أن انقلاباً عسكرياً كان يهدف إلى الإطاحة بالنظام الحالي ويحمل بصماتٍ سعودية قطرية تركية وربما كردياً لاحتلال كركوك وإعلان كردستان المستقلة، من أجل مهاجمة خاصرة سوريا الرخوة الأخرى وتمزيق البلدين لإبقاء الخطر التكفيري محصورا فلا ينتقل إلى «الخارج» كما حصل بعد أفغانستان. لكن الإنقلاب فشل على ما يبدو في تحقيق هدفه الأساسي رغم الانتصار النفسي والمعنوي والإعلامي لكن هذا النصر سيكون مثل حلم ليلة صيف.
ورغم هذا الحدث الجلل، تراجع خبر غزو العراق بعد بدء كأس العالم أو المونديال في البرازيل فصحَّتْ مقولة أنَّ الرياضة تجمع ما فرَّقته السياسة حيث انشغل النَّاس في لبنان بالمباريات في كرة القدم وكأنهم في ساوباولو واهتمتْ الأوساط الرياضية بقرار قطر منع نقل المباريات عبر التلفزيون الرسمي رغم مساعي المشنوق في الدوحة حيث اجتمع مع المسؤولين القطريين وهم بكامل أناقتهم وزيهم الرسمي المتضمن دشداشة و«شحاطة» أو «صندلاً».
ويذكِّرني هوَس اللبنانيين بكرة القدم بأيام الغزو الإسرائيلي صيف ١٩٨٢ عندما وصلت القوات الصهيونية إلى مشارف خلدة بينما كان النَّاس مشدودين إلى الشاشات التلفزيونية التي كانت تعمل على بطاريات السيارات، وهم يشاهدون مباراة كأس العالم.
ربَّما ليس صدفةً أبداً تشابه وتطابق وتزامن الغزو «الداعشي» والإسرائيلي في نفس الشهر ونفس المناسبة الكروية العالمية، فالصهيونية والحركة التكفيرية الخارجية وجهان لعملة واحدة ولا يقتصر الأمر على التقاء مصالح فقط بعد الإجتماع السعودي الإسرائيلي العلني، الذي قد يكون غزو العراق إحدى تجلياته.
Leave a Reply