بقلم: فاطمة الزين هاشم
لانّ الحقيقة عصيّة على الإخفاء، وليس باستطاعة أحدٍ أن يسكتها أو يتستّر على معالمها، فهي مثل خيوط الشمس تتسرّب من بين الغيوم مهما كان حجمها، وإذا قدّر لها أن تنحجب لفترة مهما طالت فهي قصيرة، إذ لا بدّ لها من أن تعاود الظهور، لأنّ الحقيقة والشمس صنوان لا يختلفان ولا يفترقان، ولكم أن تجردوا الكثير ممّا مرّ بكم، لتتأكدوا من صحّة هذه الحصيلة، وقد قادني إلى إقرار ذلك، ما شاهدته بأمّ عيني يوم الإثنين الماضي حيث أثناء دخولي بصحبة ابنتي إلى حدائق غرين فيلد وسط ديربورن، انتصبت أمامنا هالة بشرية أغلب مشكّليها بعمر الشباب، وهم يتحلّقون مثل حلقات الإسوارات، يدبكون بفرح غامر ونشوة عارمة، على وقع أنغام الآلات الموسيقية وهي تعزف الألحان الفولكلورية الشعبية، ترفرف فوق رؤوسهم الأعلام الوطنيّة، يطفح الفرح وعلامات البِشر على وجوههم التي زادتها مشاعر البهجة ألقاً وتفتّحاً وإشراقاً، كانوا مجموعة كبيرة من أشقائنا أبناء الجالية السورية، يحتفلون بعيد نجاح الإنتخابات في بلدهم العريق سوريا العربية الحبيبة، على عكس ما تواردته أنباء وسائل الإعلام المأجورة التي تبثّ أوبئة التفرقة بينهم.
كم شعرت بالتفاؤل حين قال لي أحد المشاركين في الإحتفال بأنّ تلك الحلقات الآدمية المتنوّعة جاءت من إثنيات مختلفة، كما أنّها من تيّارات وأفكار شتّى، لكنّ الناس نبذوا خلافاتهم جانباً وجاؤوا ليشتركوا ببهجة الإحتفال، حيث الولاء للوطن لديهم يشكّل قيمة عليا تفوق كلّ اعتبار.
طوبى للشعب السوري العظيم، الذي عاش ويلات الحرب، وسالت دماء أبنائه الزكيّة دون ذنب، وصدّ هجمات الإرهابيّين القتلة ودحرهم شرّ اندحار، فخرج منتصراً على قوى الظلام، وهو يتطلّع إلى وقف نزيف الدم وتعافي البلاد وإعادة إعمارها خلف قيادة رئيسهم المنتخب بشار الأسد الذي أكّد بأنّ سوريا ليست لقمة سائغة يلتهمها الخونة، ولأنّ الوطن أمانة تتناقلها الأجيال، فعلى قادتها أن يحسنوا كتابة التاريخ المشرق، التاريخ غير المزيّف، والمقرون بالحقائق والوفاء للوطن.
وظيفة مشروطة بانقطاع النسل
قبل أيّام طالعتنا إحدى المحطات التلفزيونية الفضائية، بإعلان من الأمن العام اللبناني بوجود شواغر للوظائف، فسررنا لوقع الخبر، حيث أنه سيسهم بتقليص نسبة البطالة مهما كانت قلّة النسبة، فيجد الشباب باب رزق يبنون وراءها مستقبلهم ويعينون أسرهم، غير أنّ المفاجأة غير السارّة نطّت بأنفها حين مرت الشروط الواجب توفرها في المتقدمين لإشغال الوظيفة، وهي أن يكون «عازباً» أو «مطلّقاً بدون أن يخلّف أبناء» أو «أرملاً وبدون أن يكون مخلّفاً أبناء أيضاً»، ممّا يوحي بأنّ الوظيفة لا تليق إلّا بـ«مقطوعي النسل»!
ليس من اختصاصنا التدخّل بالخلفيّات التي تعتمدها دوائر الأمن في تحديد المواصفات المتعلقة بذلك، فهو شأن يخصّ أعمالها، لكن هنا يأتي رأي يتلخّص بأنه إذا كانت هذه الأسباب تكمن في المصلحة الأساسيّة وهي خدمة البلد، لإنتاج التفاعل العملي بين الموظف وتلك المصلحة فذلك مقبول ولا غبار عليه، ولكنّ المتزوّج هو أيضاً بإمكانه أن يخدم بجدٍّ ونشاط لا يقلّ عن همّة الأعزب، وهو الأحوج للعمل، حيث أنّ ما مطلوب منه أوسع ممّاهو مطلوب من الفئة الأولى، ذلك لأنّ صاحب الأسرة مطلوب منه أن يتحمّل نفقات تعليم أبنائه، وتسديد بدلات الإيجار، عدا عن متطلّبات الحياة العديدة الأخرى، إذن هو أحوج إلى الوظيفة من نظيره الأعزب، فإذا كان العذر بأن الأعزب يتطبّع الغياب عن المنزل لأيّام حيث لا رابط عائلي يلزمه العودة إليه يوميّاً، فإنّ ما يقابله وجود أعداد كبيرة من العائلات يسافر الأب لشهور وربّما لسنوات في سبيل تأمين مستقبل أولاده وتلبية احتياجات أسرته.
وإزاء الشعور بالغصص، حول محنة البطالة بشبحها العام والمرعب، أجدني ملزمة بالتوجّه إلى مخاطبة الحكومة اللبنانية، العمل بجدّيّة ومسؤوليّة كبرى، من أجل إيجاد وظائف لجميع شرائح المجتمع، بدلاً من تكديس الفلوس في خزائن وأرصدة ذوي النفوذ وأرباب الثراء على حساب الصالح العام، وسرقة الأموال من دم وأفواه وحياة الشعب اللبناني المغلوب على أمره.
Leave a Reply