واشنطن – خاص «صدى الوطن»
توفي الإذاعي والممثل والموسيقي الأميركي من أصل لبناني، كمال أمين قاسم، المعروف بـ«كايسي قاسم» عن عمر يناهز 82 عاماً في إحدى مستشفيات العاصمة واشنطن، يوم الأحد الماضي بعد إزالة أجهزة التنفس عنه.
وكان قاسم قد بدأ مسيرته في خمسينيات القرن الماضي، واشتهر ببرنامجه الموسيقي الاسبوعي الذي كان يقدم فيه الاغاني الرائجة. وكان ينهي كل حلقة من البرنامج بمقولته الشهيرة «ابق قدميك على الأرض، ولكن مد يديك الى النجوم».
وكانت حال قاسم الصحية قد تدهورت في الآونة الأخيرة، ووصفت بالحرجة بعد معاناته من مرض «ألزهايمر» ومشاكل عقلية ونفسية، كما أصيب في عام 2013 بمرض باركنسون، وفقد القدرة على الكلام، وكان مؤخرا موضوع صراع قضائي عائلي مرير بين ابنته وزوجته حول أحقية العناية به في أيامه الأخيرة قبل أن تنال ابنته حق إنهاء حياة والدها بـ«الموت الرحيم».
كايسي قاسم |
سيرة غنية
وُلد قاسم في مدينة ديترويت سنة 1932، لعائلة لبنانية مهاجرة من منطقة الشوف عملت في مجال البقالة، وفي عقده الثالث أصبح أحد أشهر الإعلاميين الموسيقيين وأبرز الأصوات الإذاعية على مستوى أميركا بعد أن بدأ حياته الفنية في خمسينات القرن الماضي بإذاعة محلية في مدينة فلنت، قبل أن يتم تجنيده للعمل كمذيع عسكري أثناء الحرب الكورية. وفي الستينات بدأ قاسم، وهو من أبناء طائفة الموحدين الدروز في جبل لبنان، بإظهار مواهبه الفنية حيث لمع كلاعب موسيقى (دي جاي) في عدة إذاعات أميركية في كليفلاند (أوهايو) وبافالو (نيويورك) وصولاً الى لوس أنجلوس (كاليفورنيا) حيث أطلق البرنامج الإذاعي الأكثر شهرة في عالم الموسيقى الأميركية American Top 40، والذي يعرض أسبوعياً أفضل 40 أغنية أميركية، وقد قدّمه قاسم بين عامي ١٩٧٠ و١٩٨٨ ولاحقاً بين ١٩٩٨ و٢٠٠٤، حين خلفه الموسيقي والإعلامي راين سيكرست.
ويذكر أن قاسم كان أول من يقدم أخباراً سريعة عن الفنانين قبل عرض أعمالهم، ليصبح ذلك تقليداً إذاعياً يعرف بـ«بصمة قاسم».
واستمر اللبناني الأميركي الذي قضى شبابه في منطقة ديترويت، حيث تخرج من جامعة «وين ستايت»، بالعمل الإذاعي والتلفزيوني، حتى العام ٢٠٠٩ حين بدأت حالته الصحية والعقلية بالتدهور.
على المستوى الشخصي، تزوج قاسم الممثلة ليندا مايرز، عام 1972، وأنجب منها بنتين هما جولي وكيري، وولد اسمه مايك، ولكن الطلاق وقع بينهما بعد سبع سنوات. وعام 1980 تزوج للمرة الثانية، كانت زوجته الثانية الممثلة الشابة الشقراء جاين طومسون التي اشتهرت لاحقاً باسم جاين قاسم، وأنجبا بنتا واحدة سمياها ليبرتي.
وقد اشتهر قاسم أيضاً بتأدية العديد من الأصوات التجارية والتلفزيونية مثل «شاغي»، الشخصية الكرتونية الطريفة في مسلسل «سكوبي دوو» بين 1969 و1997، وبين 2002 و2009.
الجذور العربية
جدير بالذكر أن قاسم ظل وفياً لجذوره حيث كان من أبرز المدافعين السياسيين عن قضايا اللبنانيين والعرب ولقضايا الإنسانية عموماً، وقد انعكس ذلك بمواقفه السياسية المميزة عن التوجه الإعلامي العام في أميركا، حيث تبنى قاسم عبر برنامجه الشهير دعم المرشحين الأميركيين الذين يتبنون هذا الخط مثل المرشح الرئاسي الديمقراطي جورج ماكغوفرن عام ١٩٧٢، والمرشح الرئاسي المستقل، اللبناني الأصل، رالف نادر عام ٢٠٠٠، وصولاً الى دعم ترشيح النائب السابق دنيس كوسينيتش لانتخابات الرئاسة عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٨.
وقد نشر المعهد العربي الأميركي لقاسم كتيباً بعنوان «العرب الأميركيون: صناعة الفارق».
وقالت كيري قاسم «كلما نمت شهرة والدي، أصبح مدركا لحجم المسؤولية التي كان يحملها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بموضوع العرب الأميركيين في وسائل الإعلام». ولفتت كيري إلى أن آراء والدها لم تكن مقبولة دائما لكنه كان يحظى باحترام شديد بين أترابه، «وقد عمل بلا هوادة لمحاربة الصور النمطية السلبية عن العرب في السينما والتلفزيون».
ولعب كايسي قاسم دورا رئيسيا في تأسيس المنظمات الوطنية المتخصصة بتوعية العرب الأميركيين وبنشاطهم، وتحدث باسمهم في العديد من القضايا السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وفي عام 1995، وضع اسمه في «قاعة مشاهير الإذاعات الوطنية»، وهي أشبه بمتحف يضم آثار المكرمين، ويعرّف بهم وبإنجازاتهم. كما وضعت في العام نفسه نجمة باسمه في شارع النجوم بهوليوود، وحصل عام 1997 على جائزة مجلة «بيلبورد» في نسختها الأولى، والتي حملت اسم: جائزة «أيقونة الراديو».
وفي تحية ذكرى قاسم بعد وفاته قال عنه المرشح الرئاسي السابق (اللبناني الأصل) والناشط الحقوقي رالف نادر لموقع «راديو سوا»: «كيسي قاسم كان من هؤلاء العرب الأميركيين الذين وقفوا على خط الجبهة مدافعا عن الحريات والحقوق المدنية ضد سلطة غالبا ما كانت تصنفهم بتصنيفات عرقية وعنصرية». وقال عنه مؤسس ورئيس «المعهد العربي الأميركي» جيمس زغبي، إن «كايسي قاسم فخور بإرثه، وجعلنا جميعا فخورين بإرثنا، إنه رجل عظيم».
وقال عنه وزير النقل السابق (الأميركي اللبناني الأصل) راي لحود «إنه أسطورة موسيقية». وقال عضو الكونغرس الأميركي نك رحال إن «كايسي أميركي عظيم من أصول لبنانية، نجح في الحياة بشكل جيد، وهو صاحب موهبة أغنت المجتمع الأميركي».
الصراع العائلي
وقبل شهر، عندما تدهورت حالة قاسم الصحية وشارف على الموت، وبات واضحا أن لا فائدة من إطعامه طبيا، نشب خلاف حاد حول من له الحق بالطلب من الأطباء نزع أنابيب الطعام والهواء والدواء عنه. ومرة أخرى عاد الجانبان إلى المحاكم.
وجاءت وفاة قاسم بعد أيام قليلة من صدور حكم قضائي يخول ابنته كيري بحرمانه من الطعام والماء والدواء وذلك ضد رغبة زوجته جين التي تزوجها قبل 34 سنة.
وقبل أربعة أيام من وفاة قاسم، قضت محكمة بأن للابنة كيري الحق في تقرير مصير والدها. وهكذا، طلبت الأخيرة من الأطباء نزع الأنابيب. وقال توني مارتن، محامي كيري «قال الأطباء إن استمرار التغذية الطبية سيزيد مراحل الموت بالنسبة له، وسيزيد عذابه، وهو أصلا تعذّب بما يكفي».
وجاء في تغريدة نشرتها كيري قاسم في موقع «تويتر» الأحد الماضي، «في وقت مبكر من هذا اليوم، يوم عيد الاب، رحل عنا والدنا كيسي قاسم وهو محاط باسرته واصدقائه».
ومضت كيري بالقول «رغم علمنا بأنه الآن في مكان أفضل ولم يعد يعاني، فإننا كسيرو القلب. نشكركم للحب والدعم والصلواة التي رفعتموهما من إجلنا. إن العالم سيفتقد كيسي قاسم تلك الموهبة العظيمة وذلك الإنساني الفذ. ونحن سنفتقد والدنا جداً».
غير أن أرملته الممثلة جاين طومسون قاسم سارعت لتعلن خبر الوفاة في تغريدة أخرى، وبادرت إلى إعلان مكان وزمان تشييع الجثمان، من دون أن تشاور البنت.
وترجم هذا التصرف من أرملة النجم الراحل المعاناة والنزاع الطويل بين ابنته من زواجه الأول والزوجة الثانية. ويذكر أن كيري صرحت في البداية، أن والدها كتب وصية طلب فيها أن تتولى هي رعايته عندما تتقدم به السن. إلا أن جاين رفعت دعاوى في عدة محاكم اتهمت فيها كيري بالسعي إلى وراثة قرابة ثمانين مليون دولار هي القيمة المقدرة لثروة قاسم، وعلى الأثر رفعت كيري دعاوى مضادة.
وخلال العام الماضي، توترت العلاقات بين الجانبين، وزادت القضايا الخلافية، بسبب وجود قاسم في منزل زوجته البالغة من العمر (58 سنة). وقادت ابنته كيري حملة في الإعلام الأميركي، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ادعت فيها أن جاين تسيء معاملة والدها، وتتعمد إهماله حتى يموت «وترث الملايين».
Leave a Reply