بغداد – دخلت الأزمة العراقية أسبوعها الثالث بتطورات متسارعة بدأت بزيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري ودعوته الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وصولاً الى الإنقضاض الكردي على كركوك حيث أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، ومن خلف المشهد العراقي المرتبك ضم المدينة المتنازع عليها مع الحكومة الاتحادية في بغداد، المنهمكة بدورها في وضع حد لانتشار جماعات متشددة يقودها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وتهدد في الوقت ذاته ليس وحدة العراق فقط بل الأمن الإقليمي بمجمله.
وفيما تتضارب الانباء عن عملية للجيش هنا وأخرى هناك لايزال التنظيم المتشدد يشكل خطرا حقيقياً على الجيوسياسية العراقية ويهدد بتفتيت البلاد لاسيما مع ظهور المطامع الكردية.
كيري دعا في زيارته رئيس الوزارء نوري المالكي الى تشكيل حكومة لا تقصي أحدا كما حث زعماء منطقة كردستان العراق التي تتمتع بحكم ذاتي على الوقوف إلى جانب بغداد للتصدي لهجوم «داعش»، لكن أياً من الأمرين لم يحصل.
فقد أكد المالكي رفضه لفكرة حكومة الإنقاذ الوطني بسبب «تعارضها مع الدستور ومع أسس العملية السياسية»، ملمحاً في الوقت ذاته إلى الخيبة العراقية تجاه جهود الولايات المتحدة لتسريع تسليح الجيش العراقي، معلناً تعاقده لشراء مقاتلات من روسيا وغيرها من الدول ستدخل الخدمة في غضون أسبوع.
وكشف كذلك أنّ طائرات حربية سورية، ومن دون تنسيق مشترك، قصفت الجانب السوري من معبر القائم، الذي تسيطر عليه «داعش»، يوم الثلاثاء الماضي وأنّ ذلك «مرحب به».
وكان رئيس الوزراء العراقي أكد لدى استقباله وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ في بغداد الخميس الماضي، أنّه «لابد من المضي في مسارين متوازيين، الأول العمل الميداني والعمليات العسكرية ضد الإرهابيين وتجمعاتهم، والثاني متابعة المسار السياسي وعقد اجتماع مجلس النواب في موعده المحدد وانتخاب رئيس للبرلمان ورئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة»، مؤكداً أنّ «المضي قدما في هذين المسارين هو الذي سيلحق الهزيمة بالإرهابيين».
قال المالكي إنه يؤيد بدء عملية تشكيل حكومة جديدة خلال أسبوع، ولكنه وصف مطلب حكومة الانقاذ الوطني الذي ينادي به بأنه انقلاب على الدستور. وقال في كلمته الاسبوعية «ان الهجمة التي تعرض لها العراق باتت تهدد وحدته واستقراره، وما يزيد من خطورتها انها بدأت من محافظة نينوى وتريد ان تستمر الى مناطق اخرى بعد تلقيها دعما ومساندة من بعض الدول المجاورة للعراق في المجالات كافة».
وترافق حديث المالكي مع إعلان المكتب الإعلامي لنائب رئيس الجمهورية العراقية خضير الخزاعي، في بيان صحافي، أنّ «رئاسة الجمهورية أصدرت مرسوماً جمهورياً دعت فيه مجلس النواب المنتخب للانعقاد يوم الثلاثاء المقبل (الأول من تموز) على أن يترأس الجلسة أكبر الأعضاء سناً». وتعتبر هذه الدعوة الخطوة الأولى في مسار تشكيل الحكومة العراقية المقبلة واحترام عدد آخر من الاستحقاقات الدستورية، بينها انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
كركوك فـي قبضة الأكراد
وفي كركوك، عنوان الحدث العراقي، أكد البرزاني أنّ السلطات الكردية مستعدة «إذا اضطر الأمر» لجلب «كل قواتها» إلى المدينة بهدف الحفاظ عليها. وقال البرزاني، في الزيارة الأولى له إلى كركوك منذ سيطرة القوات الكردية عليها في 12 حزيران الحالي اثر انسحاب القوات الحكومية، «إذا اضطر الأمر سنجلب جميع قواتنا للحفاظ على كركوك وجميع مكوناتها». وأضاف خلال لقاء مع مسؤولين محليين وحزبيين في المدينة، التي تعتبر في قلب صناعة النفط في العراق، «إذا اقتضى الأمر سأحمل السلاح بنفسي للدفاع عن كركوك واهلها»، معتبرا أن «ما أردناه لحماية كركوك وأهلها قد وصلنا إليه، وبرغم ذلك فإنّ المحافظة بحاجة إلى حماية وخطط حكيمة». وقال «ولّت الأيام التعيسة لكركوك، فقد مر سكان هذه المدينة بفترة صعبة، وكانوا مستهدفين من الإرهابيين، ومن الواضح أن مستقبل المدينة سيكون أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، فكركوك تنتظرها أيام جميلة وهادئة، ولدى عودتها إلى إقليم كردستان العراق، فالجميع سيرى مدى كرم ونزاهة الشعب الكردي».
في غضون ذلك هدد زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر المسلحين المتطرفين الذين يشنون هجوما واسعا في شمال العراق بأن (يزلزل الأرض) تحت أقدامهم، رافضا المساعدة العسكرية الأميركية لبلاده. وقال الصدر في خطاب تلفزيوني من مدينة النجف بث مساء الأربعاء الماضي «بالأمس خرجنا لطلب الوحدة والصلاح وسنخرج إن اقتضت المصلحة كما أول مرة وان عادوا عدنا وسنزلزل الأرض تحت أقدام الجهل والتشدد كما زلزلناها تحت أقدام المحتل». وأضاف أن على السلطات العراقية توفير دعم دولي من الدول غير المحتلة لجيش العراق، في إشارة خصوصا إلى الولايات المتحدة، معتبرا أيضا أنه على الأطراف الخارجية -لا سيما قوى المحتل والدول الإقليمية- رفع يدها من التدخل بالعراق وشؤونه وما يدور فيه.
من جهة أخرى دعا الصدر إلى الإسراع بتشكيل حكومة وطنية بوجوه جديدة ومن كافة الأطياف وبعيدة عن المحاصصة الطائفية، وطالب الحكومة بأن تتعهد بإمضاء المطالب السلمية المشروعة لسنة العراق المعتدلين، الذين عانوا التهميش والإقصاء.
ميدانياً، وعلى الحدود تراخت قبضة بغداد على المناطق الحدودية الغربية مع سوريا والأردن، وسيطر المسلحون على موقع حدودي على الحدود السورية وسيطر الاكراد على موقع آخر. وأكدت مصادر أمنية عراقية سيطرة تنظيم «داعش» مدعوما بمسلحين سنة على معبر طريبيل الحدودي مع الأردن، ومعبر الوليد على الحدود مع سوريا.
وكان المسلحون قد سيطروا على بلدات القائم وراوة وعانة والرطبة، في محافظة الأنبار غرب العراق بعد انسحاب الجيش العراقي منها.
ومن شأن سيطرة جماعة «داعش» على الحدود أن تجعلها قريبة من تحقيق هدفها لإقامة خلافة إسلامية تمتد عبر الحدود العراقية السورية. وحصلت الجماعة على دفعة أخرى في هذا الاتجاه الأربعاء الماضي عندما أعلن أعضاء من جبهة النصرة -فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا- الولاء لجماعة «الدولة الإسلامية» في بلدة البوكمال الحدودية مما يعزز سيطرة «داعش» على الحدود.
وقال مسؤولون وشهود إن الأردن عزز دفاعاته الحدودية مع العراق يوم الأحد بعد أن سيطر المسلحون على أراض متاخمة لحدوده في محافظة الأنبار.
Leave a Reply