بقلم خليل اسماعيل رمّال
يبدو أنَّ آل سعود ماضون في حربهم الدمويَّة الإنتحاريَّة المجنونة حتى النهاية للتعويض عن خسارتهم الوخيمة في سوريا. لكن كيد العائلة الحاكمة في شبه الجزيرة العربيَّة سيرتدُّ إلى نحرها فسياستها مليئة بالثقوب والخروق بالرغم من عودة التفجيرات الانتحارية في لبنان من خلال تفجيرات ضهر البيدر والطيَّونة والروشة. فهذه بضاعتها رُدَّتْ اليها بعد أنْ وصل إرهابيو «داعش» إلى حدود الأردن مشكِّلين تهديداً حقيقياً للنظام الذي مدَّ الإرهابيين التكفيريين بالدعم وأمَّن لهم العبور إلى سوريا منذ البداية. وسريعاً سيصل «الدواعش» إلى الحدود الوهابيَّة كالجراد ولن تنفع ساعتئذٍ كل أموال آل سلُّول في إنقاذهم.
لقد كان يوم شؤم عندما ظهر بندر بن سلطان على طائرة مليكه التي حطَّتْ في مطار القاهرة ٤٠ دقيقة آتيةً من رحلة الإستجمام في المغرب. ولم ينزل عبدالله من الطائرة مثل عادة كل قادة الدول في العالم بحجة المرض والسِّن، فكان صعود رئيس مصر المُُنتخَب حديثاً، عبد الفتَّاح السيسي، للتباحث مع ملك عائلته إهانة لمصر وشعبها، كالقبلة التي طبعها على جبينه شكراً له على موقفه المحابي المدَّعي حب مصر فقط من أجل تحييد أهم وأكبر دولة عربيَّة لإبقاء التوازن العربي مختلَّاً ومن دون رأس حتى يبقى يلعب بمصير المنطقة! وإلاَّ ما سر هذا الحب المفاجيء الطاريء لمصر الآن ضد «الإخوان المسلمين» ثم تأييد ودعم من هم أنجس منهم بألف مرة في سوريا والعراق؟ وما سر نفور عائلة سعود من قطر وتركيَّا بسبب الموقف من «الإخوان» ثم التنسيق معهما لدعم غزو «داعش» البربري الدموي في العراق. إنَّ كرامة مصر أهم من كل أموال السعودية وعلى السيسي أنْ يعيد مصر أم الدنيا إلى دورها الريادي العربي وينصر الجيشين السوري والعراقي لأنَّه لا يمكنه الوقوف ضد القَتَلة من «الإخوان» المجرمين في مصر ويترك أمثالهم يعيثون فساداً في سوريا والعراق ولبنان وليبيا وتونس واليمن وغداً في الأردن، ولأنَّ مصر ستبقى في دائرة الخطر. وكيف يفسِّر السيسي النقمة المصريَّة على «حماس» الاخونجية وتركيا وقطر ولا يقف موقفاً ثابتاً ضدَّ تكفيريِّي سوريا والعراق الذين يموِّلهم أفراد ورسميون ومؤسَّسات في السعودية؟
النظام السعودي في كل مرَّة يستعمل بندر كفزَّاعة سياسيَّة أو ككبش محرقة من أجل امتصاص النقمة على سياسته خاصَّةً بعد فشله المزري بإدارة الملف السوري وكأنَّ المسؤولية هي مسؤولية نفر سيِّء واحد لا عائلة موبوءة بأكملها. فيختفي بندر من المسرح السياسي لفترة ليجري تظهيره وإعادة إنتاجه بعد وقت. وليس مستغرباً أنْ يكون قد تسلَّم ملف العراق ولبنان قبل وما بعد غزو«داعش». وإلاَّ فما سر فلتة خالد الضاهر وسالم الرافعي من عقالهما حيث أنهما يحاكيان تماماً موقف المجرمين التكفيريين في كلامهما المذهبي الطائفي الذي لا أساس له من الصحَّة والمنطق والعقل بعد أن شربا «حليب السباع» أثر غزو العراق الهمجي؟ ولعل هذا مايفسِّر أيضاً تظاهرات الرعاع الحاقدين في طرابلس والطريق الجديدة تأييداً لـ«داعش» التي تبرَّأ حتى الظواهري منها والإعلان عن فرحتهم بعد متفجرة «الطيُّونة» في حين أنَّ أبناء الضاحية الأوفياء قدَّموا التعازي وحملوا الشموع حزناً على تفجير المسجدَين في طرابلس! كلٌ يعمل بأصله، لكن قنوات السموم الإعلاميَّة مثل LBC التي استضافتْ الضاهر وهو يحرِّض على الجيش والمقاومة هي المسؤولة عن القتل في «قرطة» الوطن المسخ كما كانت MTV رديفتها تروِّج للمجرم الفار أحمد الأسير فقط من أجل تعزيز الفتنة السنيَّة الشيعيَّة. ولم تستبعد المصادر الأمنيَّة والسياسيَّة ضلوع الأسير، الذي يعمل مع المجرم السفَّاح سراج الدين زريقات من «كتائب عبدالله عزَّام»، في تفجير الطيُّونة لتتصادف مَع ذكرى معركة «عبرا» وهروب الأسير ومطربه متخفِّياً بزيِّ امرأة. وربَّما يريد الأسير اليوم التعويض عن رجولته بالتفجيرات الإرهابيَّة! كما لا يُستبعد وجودهما معاً في منطقة الزبداني السوريَّة التي هربا اليها بعد إتمام عمليَّة تطهير القَلَمون والحدود السوريَّة اللبنانيَّة ماعدا بؤرة جرود عرسال والجانب اللبناني من بلدة الطفيل، وهذا ما يفسِّر تخبُّط الانتحاريين وعدم فاعليتهم والفشل في تنفيذ أهدافهم الاجراميَّة بالاضافة إلى أسباب أخرى منهاتقاطع المعلومات الغربيَّة عن الإرهابيين الذين تخاف بلدانهم من عودتهم اليها وهم محل رصدٍ ومتابعة ومراقبة من قبلها، مع المعلومات المحليَّة التي تؤمِّنها عين المقاومة الساهرة المترافقة مع استيقاظ بعض الأجهزة الأمنية من سباتها العميق بعد أنْ كانت نائمة نوم أهل الكهف!
وفي الوقت الذي افتدى فيه الشهيد البطل المفتِّش الثاني في الأمن العام عبد الكريم حدرج نفسه فداءً لضاحية الكرامة والعزَّة منقذاً عشرات الناس من موتٍ محقَّق، كان السيِّء الذكر ميشال سليمان يجوب شوارع باريس برفقة المتآمر المفبرِك لشهود الزور فارس خشَّان ويزهو بنفسه أنَّه يستقل قطار «المترو» من دون حراسة. سليمان ينعم بأموال آل سلُّول ويقضي، بعد التقاعد، سياحة باريسية حرَّاً طليقاً من تهمة تزوير جوازات سفر فرنسيَّة، بدل أنْ تجري مقاضاته ومحاسبته أمام العدالة والتاريخ كما جرَتْ محاسبة الرئيسين الفرنسيين الفاسديَن قبله شيراك وساركوزي. لكن الحديث عن العدالة في «نتشة» الوطن هو بلا طائل خصوصاً وهي اليوم في قبضة أشرف ريفي! هذا حصاد هتاف سليمان اليوم «عاشتْ المملكة العربيَّة السعوديَّة»!
وبحرق السعودية لكل الجسور في لبنان يعني أنها ماضيةً في معركتها حتى النهاية تاركةً إمتدادات النَّار العراقية تصل إلى بئس الوطن الفارغ من رئيس ومسؤولين وهي إذا سكتت على مضض بعد خسارة سوريا وتمرير حكومة صلعاء شمطاء لكنها اليوم ليست في وارد المهادنة إزاء «عرقنة» لبنان لكي تربح في العراق مما يعني أن موضوع العماد ميشال عون للرئاسة قد طُويَتْ صفحته والتفرغ لإيران وحزب الله هو أساس السياسة السعودية بمساعدة علنيَّة من العدو الإسرائيلي الذي قام بجريمة اعتداء جديدة على سوريا وقصف مراكز اللواء ٩٠ التابع للجيش السوري لأنه يقف لوحده سدَّاً أمام إقامة «الجدار الطيِّب» الخبيث في الجولان على غرار جنوب لبنان. وما يُسمَّى المعارضة السوريَّة أضحت في جيب إسرائيل بعد تغريدات سورية «معارضة» تمجِّد الضربة العدوَّة على أرض وطنها وتدعو للمزيد منها ولقاء المعارضة مع نتنياهو!
ولا يمكن للنظام السعودي أنْ يقوم بكل هذا من دون رضى سيِّده الأميركي ولو كان التناقض العلني ظاهراً بينهما. فالغرب وداعمو «داعش» يتحدَّثون عن إقصاء نوري المالكي أو تأليف حكومة وحدة وطنية وعن «الإجحاف السُّنِّي» وهذا كلامُ حقٍّ يُراد به باطل. أولاً، لأنَّ المالكي خارج لتوِّه منتصراً عبر صناديق الإقتراع والدعوة إلى تنحيِّه ليس إلاَّ من قبيل التشفِّي والحقد المذهبيَّين من قبل آل سلُّول كالدعوة لتنحِّي الرئيس الأسد في الماضي. ثانياً، السُنَّة ممثَّلون من خلال الأكراد والعرب وكانوا وما زالوا يحوزون على ثلثي المراكز والوظائف والمسؤوليات في الدولة حسب الإحصائيات الرسميَّة، فأين الإجحاف؟! إنَّ هؤلاء المنافقين لا يريدون إلاَّ إقصاء الاغلبيَّة الشيعيَّة من الحكم فقط من وراء الحديث عن حكومة وحدة والحوار مع باقي فئات المجتمع العراقي، وحكومة الوحدة هي اليوم بمثابة «قميص عثمان». وأميركا هي آخر من يحق لها الحديث عن حكومة وحدة وطنيَّة بعد أخطاء حاكمها الغبي بول بريمر الفادحة وحل الجيش وحزب «البعث» في بدايات إحتلالها للعراق، ثم كان الجيش الأميركي موجوداً وكانت معارك الفلوجة وغيرها ضد عصابات الزرقاوي وأسياد «داعش» فماذا حقَّق وهل أزال خطرهم؟! وماذا يمكن أنْ يفعل اليوم بضع مئات من المستشارين الأميركيين في العراق؟ فهل نسََّّقتْ السعودية الداعمة للدواعش مع أميركا لإدخالها من النافذة بعد خروجها من الباب تجرجر أذيال الخيبة، ومع إسرائيل من أجل تقسيم العراق وخلق وطن كردي متحالف معها خصوصاً أنَّ العلاقات بين الأكراد، كبار المستفيدين من غزو «داعش»، وتل أبيب هي علاقة حلفاء بعد تصدير النفط العراقي مباشرة من الأكراد إلى أصدقائهم الصهاينة؟ تريد أميركا من المالكي أنْ ينفِّذ ما عجزتْ عنه سابقاً لتبرير مخطَّط تقسيم العراق. ألم يجاهر نائب الرئيس جو بايدن علناً، عندما كان سناتوراً، بخطَّة تقسيم العراق؟! ثم من يحاور المالكي؟ العشائر النقشبنديَّة أم عزَّت الدوري ام أبو بكر البغدادي، أم عبد المجيد الرافعي في لبنان الذي بقيَ على عبادته لصدَّام وكرهه وحقده وتحريضه البعثي المذهبي في طرابلس؟!
مؤامرة «عرْقنَة» لبنان و«لبْننَة» العراق لن تنجح وقوى المقاومة ما زالت تملك زمام المبادرة والحل.
Leave a Reply