نبيل هيثم
ثمة ملاحظات مثيرة للانتباه يمكن استخلاصها من تتبع المسار التوسعي لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) خلال الاسابيع الماضية.
لعل نظرة متأنية الى خريطة التوسع الميداني لـ«داعش» يظهر ان هذا التنظيم المتشدد، وبخلاف غيره من التنظيمات «الجهادية» المرتبطة مباشرة بتنظيم «القاعدة» أو القريبة منه منهجياً وفكرياً، يتحرك وفق استراتيجية واضحة، يمكن اختزالها في الخريطة التي نشرتها «المواقع الجهادية» عن «الدولة الإسلامية» المفترضة، والتي تبدو مشابهة من الناحية الشكلية الى حد كبير لتلك الخريطة التلمودية التي تجعل حدود إسرائيل «من النيل الى الفرات».
تظهر الخريطة التي نشرتها المواقع والمنتديات الجهادية القريبة من «داعش» – الذي بات يعرف باسمه الحالي منذ عام تقريباً حين اضاف «الشام» إلى «الدولة الإسلامية في العراق» – أن تلك «الدولة الإسلامية» تمتد جغرافيا بين تركيا شمالاً وشبه جزيرة العرب وشبه جزيرة سيناء جنوباً، وبين ايران شرقاً والساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط غرباً، بما يشمل العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين المحتلة والكويت.
أما الخريطة الميدانية للتوسع «الداعشي» خلال الأسابيع الماضية، فتشير إلى أن التنظيم، الذي استغل الصراع السياسي الطائفي في العراق، يسير في اتجاه تثبيت الركائز الاساسية لـ«الدولة الإسلامية»، التي وضع لبنتها الأولى بعد سيطرته على مناطق واسعة في شرق سوريا، في خضم النزاع المستمر فيها منذ العام 2011.
ولعل هذا ما يفسر اصرار التنظيم المتشدد على الدخول في حروب عنيفة ضد تنظيمات تتقاطع معه لجهة اقترابها من المنهج السلفي الجهادي.
ومن المعروف أن «داعش»، ومنذ ظهوره في سوريا قبل عام، لم يكن مهتماً بقتال القوات السورية، بقدر ما كان تركيزه على توسيع مناطق سيطرته في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة.
وتشير خريطة المعارك العسكرية لتنظيم «داعش» إلى تمدده من مدينتي الباب ومنبج في ريف حلب غرباً، باتجاه محافظة الرقة شرقاً، والتي باتت تحت سيطرته بالكامل، وصولا إلى دير الزور حيث تدور معارك عنيفة بين «الدولة الإسلامية» وباقي تشكيلات المعارضة السورية – وبشكل خاص «جبهة النصرة» – وذلك لاستكمال سيطرته على معظم مناطق الشرق السوري.
وجاءت التطورات الاخيرة لتعزز مواقع «داعش» في شرق سوريا، وذلك بعد سيطرة مقاتليه على بلدات موحسن والبوليل والبوعمر الواقعة على ضفاف نهر الفرات والقريبة من مطار دير الزور، واعلان فرع «جبهة النصرة» في البوكمال مبايعته لـ«داعش»، وبدء الاستعدادات لمعركة الميادين بعد إنذار اهلها بالاستسلام.
أما على الجبهة العراقية، فإن التمدد الميداني لـ«الدولة الإسلامية» لا يمكن فصله عن التمدد الميداني في سوريا، ولا عن الاستراتيجية «الداعشية» بشأن «دولة الخلافة» الإقليمية.
وتظهر الخريطة الميدانية ان «داعش» يعمل على خطين اساسيين:
الاول، بقصد الاستحواذ على المعابر الحدودية لتأمين التواصل بين «ولايات بلاد الرافدين» و«ولايات ارض الشام».
الثاني، بهدف بسط السيطرة على مناطق النفط، سواء في سوريا (الحسكة ودير الزور) أو العراق (الموصل، تكريت).
وعلى الخط الأول، فقد تمكن مقاتلو «داعش» حتى الآن من بسط السيطرة على معبري طريبيل والوليد الحدوديين في محافظة الأنبار، وذلك بعد سيطرتهم على معبر القائم على الحدود العراقية – السورية، وبذلك سيطروا على كل المعابر الحدودية للعراق مع سوريا والأردن.
ومن الأهداف الاستراتيجية ايضا للسيطرة على المعابر الحدودية، يسعى «داعش» لإمتلاك اوراق ضغط على دول الجوار، وهو ما يفسر على سبيل المثال تقدم «التنظيم» المسلح باتجاه الحدود العراقية الاردنية بعد سيطرته على مدينة الرطبة في الانبار، ومحاولاته المستمرة منذ اكثر من عام للسيطرة على مدينة رأس العين، معقل الأكراد على الحدود التركية-السورية.
كما يستهدف التنظيم من «حرب المعابر» تلك، ضرب الاقتصاديات الإقليمية، عبر الحد من التبادل التجاري بين العراق وجواره. ومن المعروف ان الصادرات الأردنية إلى العراق بلغت في العام 2013 قرابة 1.6 مليار دولار، فيما يستورد الاردن 20 ألف برميل من النفط العراقي يومياً. اما تركيا فتصدر للعراق سنوياً ما قيمته 12 مليار دولار.
أما على الخط الثاني، فيبدو واضحاً ان «داعش» يوجه «غزواته» للسيطرة على مناطق نفطية واسعة في العراق وسوريا، وذلك لتحقيق هدفين، أولهما تأمين التمويل لنشاطاته العسكرية من خلال بيع النفط الخام عبر السوق السوداء، وثانيهما ارساء امر واقع لا يمكن لأي قوة اقليمية او تجاهله، باعتبار السيطرة على حقول النفط – وتحديداً في العراق – تظهر ان التنظيم «الجهادي» مستعد لتجاوز كل الخطوط الحمراء من جهة، وتضع اي تحرك سياسي او عسكري امام تحديات هائلة.
وحتى الآن، بات نحو 22 من حقول النفط في سوريا والعراق تحت سيطرة «داعش». وتحتوي هذه الحقول على احتياطي يقدر بعشرين مليار برميل من النفط. وتحوي الموصل قرابة 12 حقلاً نفطياً، فيما تحوي المناطق السورية الخاضعة لسيطرة «داعش» 10 حقول أخرى. ويركز التنظيم حالياً هجماته على مصفاة بيجي، التي ستمكنه، في حال السيطرة عليها، من الحصول على 170 ألف برميل من المشتقات النفطية يومياً، وتوفير أكثر من 1200 ميغاوات من الطاقة الكهربائية.
علاوة على ذلك، فإن سيطرة «داعش» على المناطق النفطية في العراق يعيق خططاً لرفع الصادرات النفطية من 2.6 إلى 3.4 ملايين برميل يومياً، كما كانت تخطط بغداد، ويعرقل العديد من المشاريع النفطية الاجنبية في بلاد الرافدين، وقد ترغم الشركات النفطية على الرحيل.
ومن غير الواضح، بعد ما إذا كان هذا الامر الواقع الجديد سيكون نعمة او نقمة على التنظيم المتشدد.
ومع ذلك، فإن التطورات تؤكد بأن «الدولة الإسلامية تتمدد وتتسع» – وهو الشعار الرئيسي الذي يرفعه مناصرو «داعش» – مهدداً بسيناريوهات عدّة، تتراوح بين دولة امر واقع نفطية بين سوريا والعراق، وبين اعادة رسم لحدود سايكس – بيكو، وبينهما سيناريو «دولة خلافة» تمتد بين شبه جزيرة سيناء والجزيرة العربية وتركيا وايران، وفقاً للخريطة «الرسمية» لـ«داعش»، او اخرى تمتد من النيل إلى اذربيجان، وفقاً لخريطة اخرى نشرتها منتديات جهادية أخرى مؤخراً.
هذا هو «داعش»
استخدمت تسمية تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» للمرة الاولى في نيسان العام 2013، بعدما اضيفت «الشام» إلى اسم التنظيم الرئيسي في العراق، والذي تمتد جذوره إلى العام 2006، كامتداد لتنظيم ابو مصعب الزرقاوي وأبو أيوب (المصري) المهاجر، وقد أسسه ابو عمر البغدادي الذي قتل في العام 2010، وخلفه أبو بكر البغدادي.
وتشير التقديرات الاستخباراتية الغربية إلى ان 18 الف مقاتل من جنسيات مختلفة يبايعون البغدادي أميراً للمؤمنين.
ويعتمد «داعش» على هيكل تنظيمي هرمي، ومن ابرز اذرعته:
– المجلس العسكري: يمثل اركان عمليات التنظيم، وهو بقيادة ابو احمد العلواني، الذي يعاونه ثلاثة من ضباط الجيش السابقين، يختارهم البغدادي بنفسه، ويزكيهم مجلس الشورى، ومهمتهم التخطيط وادارة القادة العسكريين ومتابعة الغزوات.
– الهيئات الشرعية: يرأسها ابو محمد العاني، وتنقسم إلى قسمين: الأول للقضاء والفصل بين الخصومات واقامة الحدود والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثاني للإرشاد والتجنيد والدعوة والإعلام.
– مجلس الشورى: يرأسه ابو اركان العامري، وهو يضم 9 أو11 عضواً، من القيادات الشرعية التاريخية، ويتم اختيارهم من قبل البغدادي نفسه. ومهمة المجلس تزكية القادة العسكريين وقادة الولايات للبغدادي، ويحق له من الناحية النظرية عزل الأمير.
– مجلس الامن والاستخبارات: يقوده ابو علي الانباري، وهو ضابط سابق في الاستخبارات العراقية، وهو مسؤول عن امن البغدادي وامن التنظيم وحمايته من الاختراق.
ابرز قياديي التنظيم:
– أبو بكر البغدادي (ابراهيم عواد البدري)
وهو امير التنظيم.
– أبو علي الأنباري، وهو رئيس اللجنة الشرعية
والأمنية، ويعتقد أن مقرّه موجود في سوريا.
– أبو مسلم التركماني: القائد العسكري في العراق.
– عمر الشيشاني: القائد العسكري في سوريا.
– أبو وهيب (شاكر وهيب الفهداوي)،
وهو مسؤول العمليات في الانبار.
– أبو عمر النعيمي، وهو والي الرمادي.
– أبو عقيل الموصلي، وهو والي الموصل.
– أبو أحمد العلواني، وهو والي ديالى.
– أبو أسامة العراقي، وهو والي الحسكة.
– عامر الرفدان، وهو والي ديرالزور.
– أبو لقمان، وهو والي الرقة.
– أبو ايمن العراقي، وهو كان أمير الموصل، وتولى
منصب والي الساحل السوري قبل انسحاب داعش
من هذه المنطقة.
– أبو عبدالله العراقي، وهو كان امير القلمون،
واحد المقربين من ابي بكر البغدادي.
– أبو محمد الجولاني، وهو المتحدث الرسمي
باسم «داعش».
Leave a Reply