بقلم: مريم شهاب
«وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون» قرآن كريم
نال النبي سليمان، عليه السلام، الملك العظيم عبر الخدمة الصالحة والعبودية الخاشعة والتوبة السريعة والفقه العميق. ولقد وصفه ربّه الأعلى جزاء ذلك كله: «نعم العبد» ومن منطلق هذه العبودية، ومن إحساسه بمدى عطاء الله، طلب المزيد منه ودعا «ربّ إغفرلي، وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي إنك أنت الوهاب».
وقد إنفتحت بصيرته – أي النبي سليمان عليه السلام، على إسم الوهاب عندما رأى البشر، سواء البر أو الفاجر يستمدون من عطاء الله، فطمحت نفس سليمان إلى قطرة من هذا البحر الذي يفيض ولا يغيض. ولأنه نعم العبد، سخّر الله سبحانه وتعالى له الريح تجري بأمره وأعطاه سلطة تسخير الجن والأنس لأمره وقد وعده الله سبحانه وتعالى بمستقبل أفضل في الأخرة. «وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب». وقد بقي لسليمان هذا الملك يديره ويتسلط عليه حتى جاءه الموت فوقع من على كرسيه.
عبد آخر. أصابته نكبة موجعة ذهبت بصحته وماله وأولاده وهو النبي أيوب عليه السلام «وإذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب» سورة ص. وهذه الآية لا تعني أن الشيطان له القدرة لإصابة الناس بالأمراض الحسية والجسدية. لكن وسوسة الشيطان تريد أن تلقي في نفس أيوب عليه السلام سوء الظن بالله والسخط على ما أصابه.
وجاء في سورة الأنبياء «وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين» ومن خلال هذه الكلمات المباركة، يطلب النبي أيوب من ربه رفع الضر حتى يسد أبواب هذا الوسواس.
فأوحى إليه سبحانه وتعالى «أن أركض برجلك هذا مغتسلٌ بارد وشراب» وقد ساق الله لأيوب الشفاء مما إبتلاه به «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منّا وذكرى لأولي الألباب».
يعني أن أصحاب العقول التي تفكر وتبحث وتستفيد من العبر ويتوثق رباطهم بالله.
وقد جاء في سورة الأنبياء ذكر ستة من الأنبياء. أحدهم من أولي العزم. وهو النبي إبراهيم وإبنه إسحاق وحفيده يعقوب. ووصفهم بأنهم أولو الأيدي والأبصار. وهذا الوصف يعني أن العبادة قوة وبصيرة. وليست وهناً غباءاًً، بل إنها إنسانية رفيعة. والثلاثة الآخرون هم إسماعيل واليسع وذو الكفل وكلّهم من الأخيار.
وأذكر «عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب» في سورة ص، تفيد أن الذكر الحسن نعمة يفيئها الله على الصالحين من عباده يرفع بها قدرهم ويستبقي أجرهم. وقد قيل: الذكر الحسن عمر ثانٍ. والمفروض أن العبد المؤمن يطلب بعمله وجه ربه لا وجه بشر، فإذا تقبله الله أحبه ووضع له الحب في القلوب والثناء على الألسنة.
بلغ هارون الرشيد ناسكاً يقيم متعبداً في جبال تهامة. زاره مرة وسأله عن حالة، ثم قال له: أوصني ومرني بما شئت، فوالله لن أعصيك.. سكت العابد ولم يقل شيئاً.
بعد أن تركه الخليفة، قال الذين شهدوا الزيارة للعابد: ما منعك. وقد أقسم ألا يعصيك، أن تأمره بتقوى الله والإحسان إلى رعيته؟؟ فقال العابد: أيأمره الله فيعصيه ثم آمره أنا فيطيعني!!
Leave a Reply