بقلم: مريم شهاب
أنظر إلى الشجرة الباسقة عن بعد، والريح تعصف من حولها، وافكر في عظمة الله البادية في الأنفس والآفاق، وأرى غصناً مورقاًفي ذوائبها «أفنانها» تعلو به الريح فينتصب قائما ثم تتركه فيهوي ساجداً، خيل إلي أنه يصلي.
لا تعني لي الشجرة كثيرا، فهي كلها وظلالها من تحتها تندرج في قوله تعالى: «أولم يروا إلى ماخلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين وعن الشمائل سجداً لله وهم داخرون».
إن الذي عناني ليست هذه الشجرة، والتي استوقفتني هي الريح تنتهي وتتلاشى، خُلقت لنتنفس منها وحياتنا مرتبطة بالشهيق والزفير المتواصلين يمدّان أجسادنا بما يجدد الدماء وينشط الأعضاء.
لسنا وحدنا نحن البشر الذين نعيش منه، هناك أمم من الدواب والطيور والحشرات تشاركنا الحياة على هذا الكوكب وتتنفس معنا الهواء نفسه.
بعض الطيور محظوظة أكثر منا، فهي تصطاف في أوربا وتمضي الشتاء في أفريقيا، وفي رحلتها ذهابا وإياباً تعتمد على الطيران الانسيابي، وتيار الهواء من تحتها فتضربه بأجنحتها وتنطلق.
سألت نفسي: أين يذهب الهواء الخارج من صدري؟ وكم صدراً سيدخله من بعده؟ وبعد تردده في عشرات الصدور أين يستقر؟ وأين يذهب في ذلك الكون المتسع؟
أقسم الله في كتابه العزيز بالريح ووظائفها في مواضع عديدة «فالمرسلات عرفا والعاصفات عصفا، الناشرات نشرا، فالفارقات فرقا، فالملقيات ذكرا،عذرا أو نذرا إنما توعدون لواقع» والايات الأخيرة تشير الى ان الهواء هو الوسيط الذي يحمل الأصوات، وإنه عندما ينقل الوحي إلى الناس فهو مبشر ومنذر.
ما أعجب الهواء الذي يهب عنيفاً فيدمر، أو يهب خفيفاً فيلطّف، وكم في الهواء من آيات تدعو إلى التفكُّر، وعدت إلى نفسي أتأمل الأنفاس الداخلة والخارجة من مخلوقات لاتحصى، فخشعت نفسي الصغيرة لله وعظمت قدرته عندما يتم كل ذلك وفق نظام مقدور ومسطور، «شؤون يبديها ولا يبتديها» إن لُبابها عنده (أي الله) وظواهرها لدينا.
وكل ما علينا هو التدبر والإعتبار والتمجيد والإكبار لهذا الرب الذي حقّت عبادته ليس خوفاً من ناره، ولاطمعاً في جنته، بل لأنه رب عظيم وقادر، يفعل ما يشاء بقدرته ويحكم مايريد بعزته، وليس كما يروّج بعض الضعفاء «إن تنصروا الله ينصركم» تنصروه بماذا؟ وما أنتم في هذا الكون العظيم لتنصروا الله القادر المقتدر؟.
الرسول الكريم محمد «صلى الله عليه وسلم» روى عن الله سبحانه وتعالى وقال: «ياعبادي إني حرّمت الظلم عن نفسي وجعلته محرماً فلا تظالموا ياعبادي لو أن أولكم أو آخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم مازاد في ملكي شيئاً، ياعبادي: لوأن أولكم أو آخركم، وإنسكم وجنكم،كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً».
عدت لتأمل الرياح والعواصف عندما هدأت، وظهرت الشمس من جديد، تملأ الأرض نورا ودفئاً فسجدت لله تعظيماً وشكراً.
Leave a Reply