بقلم خليل اسماعيل رمّال
شاطيء غزَّة هو المتنفَّس الوحيد لأهلها الذين يبلغون ١،٨ مليون نسمة يعيشون تحت الحصار والتضييق في أكبر سجن مفتوح في الدنيا وعلى مرأى ومسمع من العالم الغربي الذي يدَّعي الإنسانية وأنظمة النفط والغاز الغيورة على مصلحة أهل السُنَّة (في سوريا والعراق فقط لا فلسطين). هذا الشاطيء تحوَّل من نعمة إلى نقمة «بفضل» قوات الإحتلال الإسرائيلي المجرم حيث أصبح مسرحاً للعمليات الصهيونية الإرهابيَّة التي تمرَّستْ بسحق عائلات بأكملها آخرها أطفال عائلة بكر الأربعة الذين حوَّلتهم أشلاء في مشهد يبكي الصخر لكنَّه لم يكفِ لتحريك ضمير عرب الردَّة في السعودية وقطر وإمارات الخليج المسِخة أو الجامعة العربيَّة التي منَّتْ على فلسطين ببيان ولجنة متابعة.
فمؤتمر وزراء الخارجية العرب قرر تشكيل لجنة للذهاب إلى الأمم المتَّحدة لوقف العدوان على غزَّة، بعد ٩ أيام من حرب الإبادة الصهيونية وبعد أنْ عاد الوزراء من البرازيل على مهل حيث حضروا مباريات المونديال. ألم يسمع هؤلاء بالهاتف والفاكس والقنوات الدبلوماسية؟ ولماذا عليهم السفر الفاضي إلى نيويورك بأنفسهم؟ السبب إنَّهم يريدون إضاعة الوقت لإتاحة الفرصة لإسرائيل من أجل إفراغ مهمتها بعد أن أعطتها المبادرة العربية المشروعية للاستمرار بالقتل بحجة رفض المقاومة الفلسطينية للمبادرة!
وبخصوص المبادرة المصرية فقد أثبتتْ أنها أول تجربة فاشلة للرئيس الجديد عبد الفتَّاح السيسي مع بدايةٍ باهتة جداً في الحكم. إذْ كيف تكون مبادرة السيسي عادلة لوقف حرب الصهاينة الوحشيَّة على غزة والحرب المتواطئة الرديفة للأنظمة البترولية الرجعية وشيوخ فتنتها المجرمين، بما يكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني عندما تعامِل مصر المقاومة الفلسطينية الضحية سواسيةً مع إسرائيل الجلاد والمعتدي معاً؟ خصوصاً إذا علمنا أنَّ المجرم نتنياهو أتصل بالسيسي سرَّاً في اليوم الخامس من العدوان الوحشي وقبل إعلان المبادرة. والذي يبعث على الريبة أنْ يطلع بعض الإعلاميين، الذين لم توقفهم سلطة السيسي، مثل توفيق عكاشة وغيره من الخوَل يدعون مصر للمشاركة في ضرب «حماس» وينعون خطف وقتل ٣ مستوطنين إسرائيليين. لكن عكاشة وغيره من المنحرفين يعرفون، بلا شك، أنَّ مجزرة «بحر البقر» ضد أطفال مصر لم تكن بسبب أي ذريعة بقتل مستوطنيها.
لقد رفض الشعب المصري العظيم برمَّته التطبيع مع العدو الصهيوني رغم «كامب ديفيد» بسبب حسِّه القومي والوطني، وتفوَّق بابا الأقباط المرحوم شنوده على شيخ الأزهر حين أسبغ على هذا الرفض طابعاً دينياً. وما يجري اليوم من تطبيع غير مباشر ودفن لقضية فلسطين تحت ستار معاداة «حماس»، التي اخطأت، هو أمرٌ خطير! ليست هذه هي المحروسة أم المظلومين ونصيرة العدل وقائدة الأمة التي نعرفها! للأسف الشديد فشل عبد الفتاح السيسي في استعادة دور مصر كزعيمة وقدوة للأمة العربية ورائدة للحق في وجه الباطل وفوَّتَ فرصةً تاريخية باتخاذ موقف مشرِّف ضد الجريمة الإسرائيلية على غزَّة ولو بالكلام الذي كان ينتظره عشَّاق مصر التي هي أم العرب المتعالية على الجِراح والمتسامحة والتي تفصل بين أخطاء «حماس» الغبية بحق جيش مصر وبين قضية فلسطين وشعبها. رحمك الله يا جمال عبد الناصر قد خلت من بعدك الزعماء.
المبادرة السيسيَّة جاءت إذن لإنقاذ دولة الغدرالصهيوني التي أدهشتها المفاجآت واذلَّها الفشل الاستخباراتي رغم حصارها الذي تفرضه. أما أنظمة العرب المتخاذلة فقد استماتَتْ عندما طردتْ سوريا من الجامعة العربيَّة وأرادتْ إرسال قوات عربيَّة ودوليَّة اليها وفي تدويل الأزمة ووضعها تحت الفصل السابع وصرف المليارات لقتل الشعب السوري وإحضار الدب التكفيري إلى كرمنا وتجنيد شيوخ الفتنة الذين لم يحرِّكوا ساكناً تجاه فلسطين كما فعلوا ويفعلون مع سوريا والعراق خصوصاً المنافق القرضاوي. وفلتة الشوط كان موقف «داعش» وخليفتها الحجَّاج «أبو ٦ آلاف دولار رولكس»، التي قررت أنَّ القضاء على الروافض أوجب من قتال اليهود كما فعل كبيرهم الذي علَّمهم السحر صلاح الدين الكرد! عجيب، فهل الحوريات موجودات فقط على مفرق سوريا والعراق ولبنان وممنوعات من التواجد في فلسطين؟ يعني هل GPS مُعطَّل عندما يصل الأمر إلى غزَّة مثلاً؟! إمارات إمارات. إمارة من العراق يعلنها قمة الكفر البهيم فيرد عليه البهيم الآخر نائبه المهزوم الخايب، بإمارة من الشام بينما يُذبَح أهل السُّنة والجماعة في فلسطين وتُضرب «حماس» التي هي جزءٌ منهم ولا يتحرَّكا ولا يتزحزحا عن جهاد النكاح. هل من ذرَّة شك بأنهما أقصى النفاق والخوارج بل أشدُّ كُفراً؟؟؟
وللأسف الشارع الاوروبي في بريطانيا وفرنسا، صاحبتا أسوأ تاريخ استعماري إرهابي مجرم حتى اليوم ويحكمهما حاكمان هما أشر من الصهاينة، تحرك لنصرة غزَّة كذلك في دول العالم بينما الشارع العربي الذي صام دهراً وتمخض «رييعاً» كارثياً، تحرِّكه كرة القدم أكثر من دماء أطفال غزَّة! ما هذا الزمن الذي أصبح لعبةً بين الأقدام! حتى تشيلي قامت، من دون العرب ودول العالم الفاقدة للضمير، بتعليق علاقاتها التجاريَّة مع إسرائيل. وبينما كان ملفتاً انحياز الإعلام الأميركي والأوروبي الفاضح إلى مجازر إسرائيل لم تشذ قناة MTV اللبنانية الحاقدة، التي مثلها الأعلى العميل لإسرائيل بشير الجميِّل، عندما وضعت عنوان تغطيتها على الشاشة جملة «الحرب على اسرائيل». هذا خطأ مقصود وهي أسوأ من المجرم القاتل إتيان صقر من «حراس الملفوف» الذي قال يوماً خلال الحرب الأهلية أنَّه يريد تطهير لبنان بدم الفلسطينيين. فالمحطة العنصرية تفضِّل اسرائيل على فلسطين وكل شعبها. بئس هكذا إعلام ومجلس إعلام وحكومة شبطينية صلعاء في مسخ وطن يترك العملاء يسرحون ويمرحون.
ولا يقتصر الأمر على العربان فقط فمحمود عبَّاس المنتهية صلاحيته والخالص كازه من زمان يلعب دور الوسيط بين اسرائيل المجرمة قاتلة أطفال شعبه وبين المقاومة الفلسطينية وكأنه رئيسٌ لجمهورية الماو الماو. كذلك تتفرَّج حركة «فتح» المحتضرة على المعركة الضارية مع العدو الوجودي وكأنها تحصل في عالم آخر. الظاهر في كل بلد توجد لعنة إسمها ١٤ آذار!
والحق يُقال لا يوجد في التاريخ أنذل وأحط وأحقر من محمود عباس وسلطته وتوابعها مثل دحلان وتعبان وعلَّان. فمندوب الأول في الأمم المتحدة وصف إطلاق الصواريخ بأنَّها «جرائم ضد الإنسانية» والثاني يعمل للإمارات ويبلغ الإسرائيليين بمواقع ومنصات إطلاق الصواريخ حسب «عرب تايمز»!
لقد نجحتْ المؤامرة الغربيَّة العربيَّة الرجعيَّة من خلال «الربيع العربي» في الإنهاء العملي للصراع العربي الإسرائيلي بعد أنْ أصبحتْ إسرائيل حليفة لأنظمة الردَّة وتحوَّل العداء إلى إيران وقوى المقاومة. لكن المقاومة في غزَّة وفي لبنان ستعيد البوصلة ويجب أن تتراجع «حماس» عن موقفها ضد سوريا وتتصالح مع نفسها بعد خطاب قسم الرئيس الأسد الذي لم ينسَ قضية فلسطين رغم الجراح. فإسرائيل ليست مهتمة ومذهولة بكل مفاجآت المقاومة الفلسطينية وصمودها فقط، بل عينها على المقاومة اللبنانية التي هي الأم والأصل والتي وضعها أقوى بكثير من حيث القدرات الصاروخية ومداها ودقتها وكثافتها وخطرها رغم أكذوبة «القبة الحديدية» ثم طائراتها ومفاجآتها المقبلة في الجليل الأعلى والمستوطنات الشمالية. هذا ما يقض مضجع القيادة العسكرية الإسرائيلية أكثر اليوم رغم اندحار العرب. طائرات «أبابيل» المتَّحدة مع «أيوب» ستجعل العدو كالعصف المأكول!
Leave a Reply