بيروت – كمال ذبيان
لم تعد الحرب الإسرائيلية على لبنان أو فلسطين، مسألة أيام، كما كانت حروب الكيان الصهيوني مع الأنظمة العربية، وهو ما حصل في حرب إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948، وفي حرب توسّعه عام 1967 من ضمن مشروعه لإقامة «إسرائيل الكبرى»، بإحتلال الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان، ثمّ في الحربين على لبنان 1978 و1982.
لقد تغيّرت عقيدة الحرب عند الصهاينة، كما عند اللبنانيين والفلسطينيين، بعد نشوء ظاهرة المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان، وقبلها المقاومة الفلسطينية، لكن التجربة اللبنانية في المقاومة كانت مختلفة ومميّزة، وأصبحت مدرسة عسكرية يحتذى بها في حرب التحرير منذ العام 1982 حتى العام 2000، أو في معركة التصدي والصمود لحرب تموز 2006، التي مُني فيها الجيش الإسرائيلي هزيمة مازالت آثارها النفسية والمعنوية، وتداعياتها العسكرية مستمرة داخل الدولة العبرية، إذ فرضت على الجيش الذي لا يُقهر أن يقوم بحوالي ست مناورات، وإدخال تعديلات على قتاله، لكنه أخفق، بعد حربين له على غزة في مطلع 2009 ثمّ في 2012، وفي الحرب الثالثة التي يشنّها ومازال، وهو يتكبّد خسائر فيها.
فالنظرية التي كانت سائدة لدى قادة العدو وهي الغزو البري أثبتت فشلها مع الاحتلال الصهيوني للبنان، إذ لقّنته المقاومة الوطنية والإسلامية، دروساً على مدى عقدين من الزمن، ومنذ غزوه للبنان في العام 1982، فكانت المقاومة الوطنية حاضرة في الميدان، منذ أن اجتاح «جيش الدفاع الإسرائيلي» الجنوب وتوسّع باتّجاه الجبل ثمّ بيروت، حيث تصدّت له المقاومة، وأمطرت مستوطناته في 21 تموز من ذلك العام بصواريخ «الكاتيوشا»، كما واجهته في صيدا وقاتلته في عين داره والمديرج والسلطان يعقوب وخلده والمتحف في بيروت التي عندما دخلها كانت له عمليات المقاومة بالمرصاد من مقهى «الويمبي» في الحمراء الى كورنيش المزرعة وصيدلية بسترس ومحطة أيوب في زقاق البلاط، والمصيطبة وبرج أبي حيدر، فولّى ضباط وجنود الإحتلال هاربين وهم يصرخون «لا تطلقوا النار علينا إننا راحلون».
هذه المقاومة الوطنية، تطوّرت مع «المقاومة الإسلامية» التي أنشأها «حزب الله»، وقامت بعمليات نوعية لا سيما الاستشهادية منها التي شاركت فيها أحزاب عقائدية كالحزب السوري القومي الاجتماعي والشيوعي والبعث، إضافة الى حركة «أمل»، إلا أن «حزب الله» تصدّر عمليات المقاومة التي وإن أخذت طابعاً آحادياً لضرورات المعركة، وقد طعّمها الحزب بـ«سرايا المقاومة» لتكون وطنية وبقيادته، كي لا تتكرّر تجربة المقاومة الفلسطينية التي تحوّلت بعض فصائلها الى أدوات تابعة لأنظمة عربية، وبدأت تعمل لأهداف غير فلسطينية، ودخلت في الصراعات الداخلية للأنظمة وهذا ما سعت «المقاومة الإسلامية» الى تجنّبه، ليبقى القرار معها لا مع غيرها، وهو ما ساهم في تحقيق الانتصارين الأول بانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب في 25 أيار 2005، و الثاني في ردع العدوان الإسرائيلي في صيف 2006.
فتحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي عام 2005 دون مفاوضات أو قيد أو شرط، عزّز نهج المقاومة بعد أن ذهبت منظمة التحرير الفلسطينية مع الأنظمة العربية الى مدريد، تحت شعار «الأرض مقابل السلام»، فلم يطبق رغم اتفاق أوسلو ووادي عربة، وجلسات المفاوضات، فلم يكن أمام الفلسطينيين سوى الانتفاضة التي بدأت شرارتها الأولى في العام 1987، لتتوسّع.
فالمقاومة في لبنان، ساهمت في تغيير عقيدة الحرب في مواجهة «إسرائيل»، فكما أقامت مجتمعاً للمقاومة في لبنان، خلقت مثله في غزة وحاولت صنعه في الضفة الغربية والأراضي المحتلة في العام 1948، فكانت الأنفاق في القطاع على الحدود مع مصر هي الوسيلة لنقل السلاح، وقد لعب «حزب الله» دوراً أساسياً وفاعلاً في إرسال السلاح عبر البحر والبر، وقد اعتقل أحد قيادييه المعروف باسم سامي شهاب في مصر لمشاركته في نقل السلاح، وأوقفت باخرة أسلحة في البحر كانت متوجهة الى غزة، كان وراءها «حزب الله» لذلك كانت تسمية محور المقاومة والممانعة الذي يمتد من إيران الى لبنان ففلسطين مروراً بسوريا، وكانت الحرب عليه عسكرياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً، وصنّف أميركياً بأنه «محور الشر»، وشُنّت الحروب المتتالية عليه من «إسرائيل» أومن الأدوات التي التحقت بالمحور الآخر الذي تديره أميركا تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد» الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش.
فما يحصل في غزة من حرب إسرائيلية مدمّرة، لها عنوان واحد، هو إنهاء المقاومة، وهذا ما ينطبق على لبنان، كما في سوريا التي تُشن الحرب عليها من داخل المجتمع السوري، بتحريض جماعات تكفيرية على النظام السوري لإسقاطه، لأنه يدعم ويساند المقاومة التي وللأسف خرجت حركة «حماس» من هذا المحور واختارت أن تكون مع تنظيمها «الإخوان المسلمين» المدعوم أميركياً، على أن تبقى مع سوريا التي حمى نظامها وقيادتها، وجودها كمقاومة فيها، وهو ما تسبب بانتكاسة لـ«حماس» داخلها، وخرج من قادتها مَن يدعو الى العودة لمحور المقاومة حيث أظهرت الحرب على غزة، ما هو دور إيران وسوريا و«حزب الله» في تسليح وتجهيز وتدريب المقاتلين، فكان استخدام صواريخ بعيدة المدى تصل الى 200 كلم، وهي من صنع إيراني، وسقطت للمرة الاولى في تل أبيب وحيفا وغطّت كل مستوطنات الكيان الصهيوني من الجنوب التي تضم مفاعل ديمونا الى الشمال في حيفا حيث مصافي النفط ومصانع البتروكيميائيات، إضافة الى ظهور طائرة «أبابيل» وهي ثلاثة أنواع استطلاعية وهجومية وقتالية، وقد كان تحليقها في سماء فلسطين المحتلة مفاجأة للعدو الإسرائيلي، كما كانت طائرة «أيوب» التي أطلقها «حزب الله» من لبنان.
فكما حرب تموز 2006 في لبنان، فإن «حماس» ومعها فصائل فلسطينية أخرى تخوض معركة الأسابيع الطويلة مع العدو الصهيوني، ولن تستسلم غزة له، بعد أن بدأ الجيش الإسرائيلي يشعر بالتعب دون أن يحقق أهدافه لجهة وقف إطلاق الصواريخ أو تدمير منصاتها وإسقاطها، ولم تفلح الحرب عن بعد في استخدام الطيران بتحقيق «الجرف الصامد» وهو اسم العملية العسكرية الإسرائيلية، إذ أن قرار الحرب البرية والتي باشرها الجيش بدأت مكلفة عليه بمقتل ضباط وجنود النخبة في «لواء غولاني» وأسر أحد الجنود، مما رفع من الأصوات الإسرائيلية الرافضة للحرب، بالضغط على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ليوقفها والقبول بالمبادرات التي تدعو لوقف النار كما في موافقته على المبادرة المصرية، لكن «حماس» المستندة الى محور المقاومة، قررت أن لا يكون الثمن السياسي والعسكري إلا وفق شروطها، وأن أهالي غزة يقفون مع المقاومة لوقف الحصار وفتح المعابر وإطلاق الأسرى.
وإذا كانت غزة وحيدة تقاتل وتصمد، فإنها تلقّت رسالة دعم من لبنان عبر اتصال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، بكل من خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، ورمضان شلح أمين عام «الجهاد الإسلامي»، أكّد لهما فيها أن المقاومة في لبنان جاهزة لكل الإحتمالات، وهي في الوقت المناسب لن تكون بعيدة عن المعركة، حيث يعود القرار للمقاومة في غزة، فهي التي تطلب لتكون صواريخ المقاومة في لبنان سنداً لغزة وفلسطين، وليست صواريخ هواة أو تلك التي يطلقها البعض من الجنوب كردة فعل، لا تؤثر في الحرب، بل إن سلبياتها أكثر، وقد توقف العدو الصهيوني كما غيره في دوائر القرار الدولي، عند مغزى وتوقيت إتصال السيد نصرالله وإظهاره في وسائل الإعلام، وهورسالة الى «إسرائيل»، بأنها تعرف ما يعني فتح معركة الشمال بالنسبة لها، إذا ما استمرّت في عدوانها على غزة، فإذا كانت صواريخ غزة أنزلت خمسة ملايين مستوطن الى الملاجئ، فإن صواريخ لبنان ستغيّر مجرى المعركة، وقد تكون بداية نهاية الكيان الغاصب كما وعد الأمين العام لـ«حزب الله» وأكّد في أحد خطبه أن «شيعة علي» لن يبخلوا في تقديم الغالي والنفيس لفلسطين والقدس التي لها يوم في نهاية شهر رمضان أطلقه الإمام الخميني الذي قال «إسرائيل غدة سرطانية»، يجب أن تقتلع. وهذا مؤشر ايجابي بتحديد وجهة المعركة الحقيقية باتجاه العدو الاسرائيلي واسقاط الفتنة السنية الشيعية.
Leave a Reply