عماد مرمل
يُعرف عن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري براعته في ابتكار المعالجات للأزمات المستعصية، وقدرته على استخراج أرانب التسويات من «قبعته السياسية»، الامر الذي جعل مقره في عين التينة «ملاذا» للكثيرين في الاوقات الصعبة.
وانطلاقا من هذا الدور الذي صنعه لنفسه، يبقي بري خطوط التواصل مفتوحة مع الجميع في الداخل، بمن فيهم الخصوم، من دون ان يتنازل عن ثوابته. انها الخلطة السحرية التي استطاع عبرها ان يوفق بين خياراته وقناعاته كرئيس لحركة أمل، وضرروات الانفتاح والمرونة كرئيس لمجلس النواب.
وفي حوار مع «صدى الوطن» اعتبر بري ان عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان تساهم في التهدئة وتنفيس الاحتقان، لاسيما ان الحريري يأتي ليساهم في مواجهة التطرف والارهاب وتعزيز منطق الاعتدال والوسطية، وفق ما صدر عنه، الامر الذي من شأنه ان يحد من مخاطر الفتنة المذهبية التي تتغذى في العادة من الخطاب المتطرف.
واشار الى ان عودة الحريري ستعيد تثبيت مرجعية القرار ومركزيته في تيار المستقبل، لافتا الانتباه الى ان التعامل مع الحريري يظل أفضل وأجدى من التعامل مع الوكلاء، كما استخلصت من تجربتي، وبالتالي فأنا آمل في ان نتمكن من التعاون لمعالجة العديد من الملفات العالقة.
وحول موقفه مما آلت اليه معركة عرسال، اعتبر بري ان الجيش نجح، برغم ملاحظات البعض، في التصدي للمجموعات الارهابية وبالتالي حماية البلدة ولبنان من مخاطر جمّة، لافتا الانتباه الى ان التفاف الجزء الاكبر من ابناء عرسال حول المؤسسة العسكرية، وحرص هذه المؤسسة بدورها على صون البلدة واهلها في عز المعركة، كانا بمثابة أفضل رد على محاولات خطف عرسال ووضعها في مواجهة الجيش والشرعية.
وأضاف «حتى نعرف أهمية ما أنجزه الجيش يجب ان نلتفت الى خصوصية موقع عرسال التي تربطها بسوريا حدود بطول 74 كيلومتر، وتتداخل مع العمق السوري ومع الجوار اللبناني المختلط، وبعد إسترداد حمص والعديد من النقاط في القلمون في يد الجيش السوري، صارت جرود عرسال ملاذا للمسلحين الذين أصبحوا يرون في البلدة شريانا حيويا لهم، وبالتالي فإن المنطقة باتت تشكل نقطة ثقل لهم، وما زاد من حساسية الوضع ان عرسال تضم مخيما كبيرا للنازحين السوريين.
وأكد بري ضرورة المعالجة السريعة لملف النازحين الذي تضخم الى حد اصبح ينطوي على مخاطر أمنية داهمة، مشيرا الى ان هناك إمكانية لعودة عدد منهم الى المناطق الآمنة في سوريا، ما يستدعي تعاونا وتنسيقا بين الحكومتين اللبنانية والسورية من خلال الاقنية الدبلوماسية، وإلا لماذا كان الصراخ من البعض على مدى سنوات لإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفيرين؟
ورأى بري ان معركة عرسال أدت الى تراجع في خطر «داعش» و«النصرة» على لبنان، لكن يجب ان نظل متيقظين حتى لا يباغتنا الارهاب في مكان آخر، منبها الى ان هناك نقاط ضعف في بعض المناطق، خصوصا شمالا، قد تستفيد منها الجماعات المتطرفة للعبث بالامن والاستقرار، ما لم يتم تحصينها.
ويشدد بري على ضرورة الاسراع في تسليح الجيش بعتاد متطور، مستغربا عدم تسييل الهبة السعودية بقيمة ثلاثة مليارات دولار الى مساعدات عسكرية حتى الآن، غامزا من قناة الفرنسيين الذين يتقاعسون عن تسليم الاسلحة الى الجيش بموجب هذه الهبة. وتابع: أخشى من ان يكون الفيتو الاسرائيلي هو الذي يقف وراء الموقف الفرنسي..
وتوقف بري عند جانب آخر في موضوع دعم الجيش، يتصل بفتح باب التطوع في المؤسسة العسكرية، مشيدا بقرار مجلس الوزراء على هذا الصعيد، لكنه لفت الانتباه الى ان الاعراف اللبنانية تقتضي مراعاة التوازن في عدد المتطوعين، وتحقيق التوازن يستوجب إيجاد حوافز للانتساب الى المؤسسة العسكرية، خصوصا بالنسبة الى المسيحيين.
وهنا، شدد بري على اهمية إقرار سلسلة الرتب والرواتب (مخصصة للعاملين في القطاع العام) لان راتب الجندي سيرتفع بموجبها، الامر الذي من شأنه ان يعزز الإقبال على المؤسسة العسكرية، وبالتالي ان يقويها في مواجهة التحديات المتزايدة، وفي طليعتها تحدي الارهاب.
واستغرب بري إصرار البعض على الاستمرار في إقفال المجلس النيابي الذي يمثل ركيزة المؤسسات الدستورية، انطلاقا من كونه أم السلطات، مشيرا الى ان الشغور في رئاسة الجمهورية لا يبرر تعطيل المجلس بل يجب ان يكون حافزا لزيادة انتاجيته وتفعيلها. واضاف «كانوا يراهنون على ان يكون رد فعلي على إقفال المجلس هو تعطيل الحكومة من خلال الطلب الى وزيري حركة أمل مقاطعة الجلسات أو عدم التوقيع على القرارات، لكنني فعلت العكس ودفعت في اتجاه تفعيل عمل مجلس الوزراء وتنشيطه، انطلاقا من الهاجس الامني الذي يستوجب بقاء الحكومة وحمايتها، حتى تكون قادرة على مواجهة الارهاب والاحتمالات الامنية المترتبة عليه».
ولا يرى بري ان هناك مسوغا لتمديد ولاية مجلس نيابي غارق في البطالة، متوقفا عند مفارقة معبرة وهي ان مجلس عام 1992 الذي جرى انتخابه بتصويت ضعيف جدا كان الاكثر غزارة في الانتاج والتشريع، وصُنف بشهادة الخارج في حينه بانه من أحسن البرلمانات في العالم.
وبالنسبة الى مصير الاستحقاق الرئاسي العالق في ثلاجة الشغور، قال بري ان تحريك هذا الملف يتطلب بالدرجة الاولى قوة دفع من المسيحيين المطالبين بأن يحسموا أمرهم ويتفقوا في ما بينهم على كيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي، لان 85 بالمئة من النواب المسلمين يشاركون في جلسات الانتخاب.
وأبعد من لبنان، أعرب بري عن اعتقاده بأن هناك تقدما في المفاوضات بين طهران وواشنطن حول الملف النووي، لكن الولايات المتحدة تحتاج الى بعض الوقت لإقناع الاوروبيين.
وفي سياق آخر، كشف بري عن ان السفير الفلسطيني في بيروت أطلعه خلال زيارته له على صور تُظهر يهودا متطرفين يصلون في المسجد الاقصى من دون ان يحرك أحد ساكنا، وأنا كنت قد حذرت من ان اسرائيل أصبحت موجودة تحت الحرم عبر الحفريات، وها هي الآن فوقه، فيما ينشغل العرب والمسلمون بقضايا أخرى.
وختاما، يُعرّج بري على علاقة بلدته الجنوبية، تبنين، مع الاغتراب، لافتا الانتباه الى ان العديد من أبنائها غادروا الى الولايات المتحدة، حيث أبدعوا وحققوا انجازات في المجالات التي عملوا فيها،
Leave a Reply