في الأسبوع الماضي، أورد موقع «ذي إنترسبت» الإخباري على الإنترنت، تقريراً تضمن تسريب وثيقة فيدرالية تزعم بأنَّ لدى مدينة ديربورن ثاني أكبر عدد من «الإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم» في البلاد. وفي غضون ساعات قليلة، تصدَّر التصنيف المريع لمدينتنا عناوين الصحف في جميع أنحاء البلاد واحتلَّ الخبر الصفحات الأولى للصحف وفي وسائل الإعلام المحلية.
ولم يكن التقرير مفتقداً للدقة فحسب، بل شكَّل طعنةً وإهانةً للمدينة والجاليات التي تؤلِّف النسيج الاجتماعي الحيوي فيها والتي تتخذ من ديربورن موطناً لها.
لقد كان هذا التشويه الجائر لواقع ديربورن وحاضرها ومستقبلها خطيراً جداً وبشعاً جداً بحد ذاته، لكن المعيب كان رد الفعل الباهت والخافت وحتى الصامت عليه الذي لم يرقَ الى مستوى خطورة الحدث!
وبينما ندد بعض منظمات الحقوق المدنية وعدد قليل من المسؤولين الرسميين بالتقرير، إلا أنَّ بلدية ديربورن، من كبيرها وحتى صغيرها، جبنَتْ عن الرد واعتصَمتْ بالصمت والسكوت الذي لم يكن من ذهب! هذه البلدية، التي أكثر من نصف أعضاء مجلسها البلدي من العرب الأميركيين، لم تنطق بحرفٍ واحد تعليقاً على هذا الافتراء والافتئات على حقوق مواطنيها فصَمّت آذانها حتى هذه الساعة وبلع مسؤولوها ألسنتهم وكأنَّ سكوتهم علامة الرضا.
لكننا نخاطب حضرات المسؤولين في بلدية ديربورن، خصوصاً الذين لا يبخلون بالكلام المباح في كل شيء بسبب أو من دون سبب، اعلموا أنَّ هذا التقرير يستهدف المدينة بأكملها وليس فئة واحدة منها. إنَّه يضر بكل سكان ديربورن، في أعمالهم وفي ومدارسهم وفي أسرهم وفي سلامتهم. كان حريّْاً على رئيس البلدية جاك أورايلي أنْ يُسارع إلى إطلاق حملة إعلامية للدفاع عن ناخبيه كما فعل وقت زيارة القس المتطرف تيري جونز، فصمته المريب يساعد ليس فقط على ترويج التصور الخاطئ بأن ديربورن «مدينة الإرهابيين» وإنما على إدامته أيضاً.
الوثيقة الممهورة بختم «المركز الوطني لمكافحة الإرهاب» هي أصلية ولو لم تكن صحيحة المصدر، لكان المسؤولون في واشنطن قد نفوا ذلك. لكنهم لم ينكروا وجود الوثيقة. والأنكى من ذلك، قاموا هم بالإيحاء إلى وكالة «اسوشيتد برس» الإخبارية عن وجودها بعد أنْ نمى إلى علمهم أنَّ موقع «ذي إنترسبت» حصل على نسخة منها.
دعونا نتجاوز لوم وسائل الإعلام. فالمشكلة ليست في تسريب الوثيقة. المشكلة هي أن مثل هذه الوثيقة موجودة في الأصل، وأن الحكومة الفيدرالية تصنف سكان ديربورن على أنهم من «الإرهابيين المشتبه بهم». والمشكلة الأشد وطئاً تكمن في أن أي واحد منا يمكن أنْ يُوضع إسمه في نهاية المطاف على «قائمة المراقبة» مثلاً بسبب ذهابه إلى المسجد أو إذا راق له رأي على جدار «الفيسبوك» ووضع علامة «لايك»، وفقاً للمبادئ التوجيهية الصارمة لوكالاتنا «الاستخباراتية الوطنية».
حتى في وسط الجالية العربية الأميركية، كانت الاستجابة دون مستوى خطورة الوثيقة المسرَّبَة وتداعياتها المستقبلية .والأمر المحيِّر في هذا التخاذل، هو كيف نطلب من البلدية التحرُّك فوراً ونحن قاعدون يحرِّكنا قانون الكاراجات والاراكيل؟، ولا يحركنا ما يتعلَّق فعلاً بمصيرنا في هذا البلد؟. لكن المحيِّر الأكبر هو توجُّه بعض الأفراد في جاليتنا إلى وسائل التواصل الإجتماعي، مستخدمين المنطق الطائفي البغيض لتبرير التقرير!!
فقد كتب بعض العرب الأميركيين الذين يعارضون «حزب الله» أن التقرير صحيح «لأنَّ الكثير من سكان ديربورن يدعمون» هذه الفئة اللبنانية بينما يجادل أنصار الرئيس السوري بشار الأسد أن ديربورن هي «عش للإرهابيين لأنها موطىء قدم لكثير من الذين يدعمون المعارضة السورية وداعش».
إذا كنا نرى بعضنا البعض في مثل هذه الصورة السلبية، فكيف نتوقع أنْ تكون صورتنا في نظر الذين يكرهوننا؟
الحقيقة هي أنه لا يهم أين نقف نحن من الصراعات في الشرق الأوسط. فآراؤنا محمية من قبل البند الأول في الدستور الاميركي، ولكل فرد رأيه الشخصي. ولكن إذا كانت فئة من جاليتنا تنتهك القانون، فإنه ينبغي توجيه الاتهام إليها رسمياً بارتكاب جريمة.
على الجميع أنْ يستوعبوا أنَّ الحكومة الفيدرالية وصمَتْ ديربورن بعار الإرهاب، وهي بكل مساحتها وعدد سكانها تبقى أصغر بكثير من عدد سكان نيويورك أو هيوستن، اللتين صُنِّفتا في المرتبة «الإرهابية» الأولى والثالثة على التوالي في «قائمة الارهابيين المشتبه بهم»، بسبب الآراء والمعتقدات الدينية للعديد من سكانها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الظلم والألم الذي جلبه هذا التقرير إلى مجتمعنا ومدينتنا، وعلى الرغم من أوجه القصور الفادح من قبل بعض السياسيين والسكان المقيمين، ارتقى بعض المسؤولين إلى سُدَّة ومرتبة الشرف في مهامهم كموظفين عامين مُنتخَبين او معينين وكانوا صريحين في دفاعهم عن ديربورن والعرب الأميركيين.
نشكر القلة الذين وقفوا إلى جانب مدينتنا ضد هذا التقرير المذِل وغير العادل والكاذب ونميِّز بشكلٍ خاص من هؤلاء السيدة باربرا ماكويد، المدعية العامة الفدرالية لمنطقة شرق ميشيغن، ونُعرب عن امتناننا لوقفتها المشرِّفة مع ديربورن على اعتاب مبناها البلدي، رغم غياب المسؤولين المنتخبين عن المدينة، وقفت جنباً الى جنب مع نشطاء وفعاليات نددت بالتقرير السيء الذكر. لم تكتف بهذا الموقف بل أنها فنَّدت بنود الوثيقة وأشادتْ بجاليتنا بقوة. كما أنَّ شهادتها كمسؤولة قانونية فيدرالية من شأنها أنْ تخفف بعض الخوف والريب الذي أثاره التقرير في منطقتنا وداخل الأسر والشركات التجارية.
كما اتخذ عضو الكونغرس جون دينغل، وهو ليس غريبا عن الدفاع بلا هوادة عن ديربورن وسكانها، موقفاً مماثلاً إلى جانبنا وحضر اجتماعاً لقادة ونشطاء الجالية ومنظمات الحقوق المدنية ووعد بالمتابعة لمعرفة المزيد عن التقرير. وكان رئيس الحزب الديمقراطي الوطني في ميشيغين لون جونسون حاضراً في الجلسة نفسها وتعهَّد بدعم العرب الأميركيين في الولاية التي أحبوها واستوطنوا فيها، في هذه الأوقات الصعبة والحرجة.
«صدى الوطن»
Leave a Reply