ديترويت – محمد الرموني
بدأ الناس في ديترويت بل في ميشيغن منذ مدة بالحديث عن ما يسمى بـ«امبراطورية غيلبرت» و«امبراطورية ايليتش» في اشارة الى انهما اللاعبان الرئيسيان اللذان اعادا تشكيل وسط ديترويت، مع العلم أن هناك عدداً من رؤوساء الشركات ساهموا في تنشيط المدينة على مدى عقود فعلى سبيل المثال أن هنري فورد الثاني بنى مركز «رينيسانس سنتر» الذي يضم الآن المقر الرئيسي لشركة «جنرال موتورز»، وبيتر ستروه الذي بنى مجمع «ريفر فرونت كومبليكس»، في حين اقام بيتر كرامانوس جونيور مبنى «كومبيوار» بالقرب من «كامبوس ماريتوس»، وروجر بينسكي الذي جلب الـ«سوبر باول» العملاق وساعد في تنظيف وسط المدينة.
ولكن حين يكتب تاريخ وسط ديترويت لمرحلة اواخر القرن الـ20 وبداية القرن الـ21 سيبرز إسمان من المرجح تصدرهما القائمة: عائلة وايك ايليتش ودان غيلبرت. ولقد وصف بعض الخبراء في القانون والتطوير الإجتماعي للمدن الكبيرة بأن تأثيرهما لم يسبق له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة، وبأن حجم استثماراتهما في ديترويت غير مسبوق، وان العقارات التي يمتلكانها في الوسط التجاري في ديترويت لا تضاهى في اي مدينة اميركية اخرى.
وكان كريستوفر ايليتش وهو نجل مؤسسي «ليتل سيزارز» مايك وماريان ايليتش وهو المدير التنفيذي للشركة قد اعلن الاسبوع قبل الماضي البدء بتنفيذ اقامة استاد رياضي ضخم لنادي ديترويت «ريد وينغز» للهاوكي ومنطقة ترفيهية مجاورة على اراض فضاء ومهجورة في الطرف الشمالي من وسط المدينة بتكاليف تصل الى 650 مليون دولار. ليقابلها في الطرف الجنوبي اعادة إعمار وتأهيل لصروح قائمة: فوكس ثياتر، كوميركا بارك وفورد فيلد.
غيلبرت من جانبه مستمر في فورة شرائه المباني في وسط المدينة واعادة تنشيطها من خلال نقل شركة «كويكن لونز» وموظفيها اليها لتدب الحياة فيها مرة اخرى، وضخ استثمارات عقارية في القطاعين التجاري والسكني على طول شارع وودوورد حوالي «كامبوس ماريتوس» الذي كان يوما منطقة شبه مهجورة، وقام مؤخرا بشراء كازينو وفندق «غريكتاون» الذي كان يعاني من وضع مالي مضطرب، معززا بذلك سيطرته على وسط المدينة من «كامبوس ماريتوس» الى «غراند سيركاس بارك»، ويسعى غيلبرت الى تحويل المنطقة إلى «سيليكون فالي» جديد من خلال تشجيع اقامة مشاريع التكنولوجيا الرقمية المتطورة مثل «ماديسون» وضخ استثماراته فيها.
ليس بالضرورة ان يكون إمبراطور العقارات غيلبرت وإمبراطور البيتزا ايليتش متنافسين، صحيح ان احدهما سيطر على الطرف الشمالي من وسط ديترويت والآخر على الطرف الجنوبي، الا ان كليهما يسعى لتحقيق رؤياه لجلب الازدهار الى الوسط التجاري في المدينة بما يحقق ارباحا مؤسسية ويرفع من قيمة العقارات ويحقق الفوز للجميع حسبما يقولان. ماريان ايليتش وغيلبرت كل منهما يمتلك واحدا من كازينوهات ديترويت الثلاث، وعائلة ايليتش تمتلك اثنين من اكبر النوادي الرياضية في ديترويت اضافة الى فوكس ثياتر وهوكي تاون كافيه. نادي «التايغرز» للبيسبول المملوك لعائلة ايليتش وحده يجلب ثلاثة ملايين زائر في كل موسم الى كوميركا بارك، في حين ساهم غيلبرت برفع عدد العاملين في الوسط التجاري من ألفي شخص عام 2010 الى اكثر من 12500 الآن بوجود شركة كويكن لونز التي تشكل مظلة لعدد من شركات غيلبرت، حيث اقيم عدد كبير من المحلات والحانات والمطاعم. ويملك غيلبرت اكثر من 60 مبنى جلها على شارع وودوورد. وكان غيلبرت اشترى مؤخرا مبنى صحيفة «ديترويت فري برس» و«ديترويت نيوز».
ربما يأتي يوم يقول فيه اهالي ديترويت والمؤرخون بان مساهمات ايليتش وغيلبرت اشبه بمساهمات اندرو كارناغي واندرو ميلون في بيترسبرغ اللذين منحا من ثرواتهما الكثير للجامعات والمكتبات والمؤسسات الثقافية في المدينة وفي اميركا. وهما على اي حال مختلفان عن مليارديرات القرن الماضي الساعين لتصدر المشهد الاجتماعي والاقتصادي، فكلاهما يقول اشياء لطيفة عن الاخر وكل يسعى لجلب الناس والنشاط الى قلب المدينة. وقال كريستوفر ايليتش (49 عاما) الاسبوع قبل الماضي خلال الاعلان عن الخطة لإقامة الاستاد الرياضي «نحن معجبون بما يقوم به دان غيلبرت، ونحن تواقون للتعاون معه كلما كان ذلك ممكنا، نحن سعداء بما يفعله الجميع وليس فقط بما يفعله دان، بل بما يفعله جميع المساهمين في نهضة ديترويت». في المقابل ابدى غيلبرت عقب الاعلان عن خطة بناء الاستاد الرياضي اعجابه بما تقوم به عائلة ايليتش من توسع وابتكار والتزامها ذات المدى الطويل بالمدينة. وقال غيلبرت «ان تصاميم المشروع مدروسة ومثيرة للاعجاب ستؤدي الى تحول في وسط المدينة» واضاف ان هذا سيتوج عطاء مايك وماريان لديترويت والذي يقوم ابنهما كريس بتنفيذه بحب واجتهاد».
اسلوبان متميزان:
كلاهما ضخ استثمارات هائلة في ديترويت مثلما فعل بضعة مستثمرين اخرين, مايك وماريان ايليتش نقلا المقر الرئيسي لـ«ليتل سيزارز» الى وسط ديترويت في ثمانينيات القرن الماضي معاكسين بذلك التوجه السائد حينها للشركات التي كانت تميل الى نقل مقراتها من ديترويت الى الضواحي، كما قاما بتجديد واعادة فتح فوكس ثياتر وجلبا ريد وينغز وهما يمتلكانه منذ العام 1982، وقاما ببناء كوميركا بارك وهوكي تاون كافيه، وامتلكت ماريان ايليتش كامل حصص موتور تاون كازينو في العام 2005 واعلنا الشهر الماضي عن البدء بتنفيذ مشروع الإستاد الرياضي الضخم والمنطقة الترفيهية المجاورة في شمال الوسط التجاري من المدينة.
غيلبرت هو الاخر نقل مقر شركة كويكن لونز من الضواحي الى وسط ديترويت في العام 2010 وعلى الفور باشر بشراء عدد من ناطحات السحاب في وسط المدينة والتي كانت تعاني من اوضاع متردية وسرعان ما اصبح الآن يمتلك وشركاؤه اكثر من 60 بناية في قلب المدينة بعضها كلاسيكي مثل «فيرست ناشونال بيلدينغ»، «تشايس تاور» وبناية وان «وودوورد» اضافة الى كازينو «غريكتاون».
وضع البروفسور تشانموك في جامعة «وين ستايت» مقارنة بين ما يقوم به غيلبرت وايليتش حاليا في ديترويت وما قام به كارناغي وميلون في القرن الماضي، وقال «كارناغي وميلون ساهما بسخاء في انشاء ودعم المؤسسات العامة مثل الجامعات والمكتبات وهذا شيء ليس على أجندة غيلبرت وايلتش لغاية الان». من جانبه قال جورج جاكسون وهو رئيس والمدير التنفيذي السابق لمؤسسة التطوير الاقتصادي في ديترويت «ليت عندنا خمسة اخرين مثل كل من غيلبرت وايليتش ليكونوا اشبه بكبسولات منشطة لديترويت». ويرى جاكسون فرقا في الاسلوب بين غيلبرت وايليتش، فالأول يتميز بالجرأة المفرطة حيث انه يقتنص الفرص وقام بشراء العشرات من المباني في وقت قصير، على عكس ايليتش الذي يمضي سنوات في دراسة المشاريع قبل التنفيذ مثل ما فعل في مشروع الاستاد الرياضي والمنطقة الترفيهية، وهناك فروقات اخرى حيث ان غيلبرت يميل نحو الاحتفاظ بالتصاميم المعمارية التاريخية للمباني التي يشتريها ويقوم بتطويرها في حين ينحو ايليتش باتجاه الهدم أو إعادة البناء والترميم مثلما فعل في «فوكس ثياتر» وهو ما استدعى انتقادات على مدى الفترة السابقة. ايضا اعتمدت مشاريع ايليتش بشكل كبير على اموال دافعي الضرائب بينما لم يكن الامر كذلك بالنسبة لغيلبرت. وقال جاكسون بان هناك شيئا يجمع بين الاثنين كلاهما «عملاق في التفكير».
من هو غيلبرت ومن هي عائلة ايليتش؟
مايك ايليتش (85 عاما) هو راعي اعمال العائلة, ماريان ايليتش (81 عاما) راعية شركات العائلة، كريستوفر ايليتش وهو نجلهما والرئيس والمدير التنفيذي لشركة «ايليتش هولدينغز» وهي المظلة لشركات العائلة. دان غيلبرت (52 عاما) مؤسس ورئيس شركة كويكن لونز وهي مظلة شركات غيلبرت.
مصدر الثراء: بالنسبة لعائلة ايليتش البيتزا والرياضة، حيث ان مايك وماريان اقاما محلا للبيتزا تحت مسمى «ليتل سيزارز» عام 1959 اصبح واحدا من اضخم محلات البيتزا في اميركا ومن ثم استثمرا في قطاع الرياضة والترفيه, وقال نجلهما كريستوفر بان حجم عائدات العائلة من الاعمال يفوق 3.1 مليار دولار سنويا.
أما بالنسبة لدان غيلبرت فان مصدر ثرائه القروض العقارية عبر الانترنت حيث انشأ مؤسسة صغيرة في اواخر التسعينيات تحولت الى شركة «كويكن لونز» واصبحت في العام 2014 ثالث اضخم شركة لمنح القروض العقارية في الولايات المتحدة. صنفت مجلة «فوربس» غيلبرت في المرتبة 118 في قائمة اغنى 400 شخص في اميركا (3،9 مليار دولار) في حين جاءت عائلة ايليتش في المرتبة 157 (3،2 مليار دولار).
الظهور الاعلامي: تميل ايليتش الى قلة الظهور الاعلامي فقليلة هي المقابلات الصحفية التي يجريها افراد العائلة، بينما يجري غيلبرت الكثير من هذه المقابلات ويرسل تغريدات عبر تويتر، ومؤخرا اعرب عن أسفه عن تصريحات اعلامية اطلقها بحق البعض واعرب عن ندمه عليها. وبالنسبة للفرق الرياضية التي يمتلكها كل منهما فان ايليتش يملك فريق «ريد وينغز» لـ(الهوكي) وفريق «ديترويت تايغرز» لـ(البيسبول) بينما يملك غيلبرت فريق «كليفلاند كاليفرز» لـ(كرة السلة). «ايليتش هولدينغز كورب» أسست عام 1999 وتضم عدة شركات وهي: «ليتل سيزار»، «ريد وينغز»، «ديترويت تايغرز»، «اوليمبيا للترفيه»، «ابتاون للترفيه»، «بلو لاين» لتوزيع المواد الغذائية، «شامبيون فودز»، برنامج «ليتل سيزارز» لجمع التبرعات، «اوليمبيا للتطوير». وتضم شركة «كويكن لونز» المملوكة لدان غيلبرت: «بيدروك للخدمات العقارية»، وعدداً كبيراً من العقارات في ديترويت.
جانب من التقرير عن صحيفة «ديترويت فري بريس»
Leave a Reply