مايكل براون، شاب يافع أعزل من السلاح، سقط صريعاً بعد أن أطلقَ عليه النار ست مرات الشرطي دارين ويلسون أحد عناصر شرطة ولاية ميزوري الأميركية بمدينة «فيرغيسون». براون، البالغ من العمر ١٨ عاماً فقط، كان افريقياً أميركياً «أسوداً» أما ويلسون فهو أبيض، وهو عرق الأغلبية الساحقة من عناصر الشرطة في المدينة التي معظم سكانها من السود. وفور وقوع هذه الحادثة الشنيعة أشتعلت مشاعر أبناء المدينة بسبب قتل أحد أبنائها بدم بارد، وحل التوتر في المدينة بأكملها ولم يهدأ فيها الغليان حتى الآن.
حاول السكان الغاضبون الاحتجاج على هذا الاجرام، ولكن الشرطة ردت على التظاهر بجهوزية كامل عتادها وعديدها العسكري وكأنها في حالة حرب، بما يذكِّر بجمهوريات الموز، فأطلقت الغاز المسيل للدموع على الحشود المتشحة بمظاهر الحزن والحداد وبدأت حملة اعتقالات لم تعفِ منها حتى الصحفيين إلى درجة ان وكالة العفو الدولية أرسلت فريق مراقبة قانوني إلى ميزوري لأول مرة في تاريخ أميركا. مشاهد الفوضى في فيرغيسون هي ظاهرة مرَضية حالياً تجتاح الأمة ومردها أنَّ الموظفين المولجين بحفظ الأمن وبإنفاذ القانون العام غالباً ما ينسون انهم يعملون في خدمة الشعب الذي هو رب عملهم الفعلي ومصدر رزقهم.
والذي أصبح واضحاً في بلد الحرية أنَّ أفراد الشرطة يتخطون صلاحياتهم ويستغلون سلطاتهم ومع ذالك غالباً ما يفلتون من العقاب والمسؤولية. وعادة ما يبدأ مسلسل استغلالهم للسلطة من خلال تعاطيهم مع حواجز التفتيش غير القانونية والبلطجة المقيتة والفاضحة، ولا ينتهي إلا بعد مأساة وطنية كالتي حصلت في فيرغيسون.
ومثل مدينة فيرغيسون، الشرطة هنا في عقر دارنا في مدينة ديربورن لا تعكس التركيبة السكانية للمدينة التي يشكل العرب الأميركيون حوالي نصف سكانها. فلا عجب أنْ تحصد الجالية نصيبها من المشاكل مع الشرطة التي لا تعكس التنوع العرقي للمدينة. ففي ديربورن هناك عالمان مختلفان لا يعترفان ببعضهما الآخر عالم الشرطة والسلطة الذي لا يريد ان يعترف بالحقائق الديموغرافية والجغرافية على الأرض وعالم أغلب السكان فيه لا يثقون بهذه الشرطة التي لا تحمل أي فهم أو مودة للمواطنين!
هذا العام، «تميزت» شرطة ديربورن بتوقيف وتعنيف شاب عربي أميركي مصاب بقصور عقلي كان يركب دراجته في وقت متأخر من الليل. كما اقتحم أفرادها بالخطأ منزلاً وأخضعوا عائلة بريئة مع أطفالها للتحقيق في قضية، لا ناقة لها فيها ولا جمل، لفترة طويلة من الرعب والهلع في احدى الليالي الظلماء.
حتى أن إعلاميينا لم يسلموا من بلطجية وشوفينية وتعالي أفراد شرطة ديربورن. فأمام مكتب «صدى الوطن» في الشهر الماضي، أُوقف أحد كتاب الصحيفة من قبل الشرطة الميمونة وقام عناصرها بوصفه بألفاظ مقزِّزة للنفس ثم قاموا بتفتيشه رغماً عنه وبشكلٍ غير قانوني فقط لمجرَّد الاشتباه بأنه يشبه احد المشتبه بهم في سرقة وقعت بمحلَّة قريبة. وقال مراسلنا إنه شعر وكأنه مجرم بسبب مظهره وشكله الخارجي.
والحقيقة المرَّة ان العديد من ضباط الشرطة في ديربورن يعاملون الناس، وخاصة الأقليات، بقلة احترام، كما لو كانوا مذنبين حتى يثبت خلاف ذلك. لكن ماذا يحدث عندما تعامل الشرطة المواطنين على أنهم مشتبه بهم؟ تضمحل الثقة بين أبناء المجتمع وحُماته المفترضين. يصبح رعاة القانون هم الأشرار أما المجرمون الحقيقيون (كاللصوص وتجار المخدرات وعصابات العنف) فيقوموا باستغلال الانقسام والفرقة بين الشرطة والشعب ليحققوا مشاريعهم الإجرامية.
مقابل ذلك نجد أنَّ سلوكيات البلديات المحلية ماهي إلا انعكاس للسياسات المنحازة غير الأميركية التي تتبعها الحكومة الفيدرالية نفسها كما يقول المثل العربي «الثلم الأعوج مِنْ الثور الكبير». فالحكومة الأميركية «أبدعت» في فنون التجسس علينا بشكل جماعي، وفي وضعنا على قوائم الإرهاب، بسبب أدياننا ومعتقداتنا السياسية، وفي منعنا من السفر دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو تنفيذ القوانين المرعية الإجراء التي هي من حق المواطنين الأميركيين والتي يرعاها ويحافظ عليها الدستور الأميركي، ولم يُعفَ من التجسس حتى أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي.
في عام ٢٠١١، اغتيل مراهقٌ أصله من ولاية كولورادو، هو المواطن عبد الرحمن العولقي في غارة طائرة بدون طيار في اليمن لأن والده كان مشتبهاً بالإرهاب. براون والعولقي هما ضحايا عقلية إجرامية لا حدود لها من قبل السلطة الحكومية.
وهنا في ديترويت، حيث نحن على دراية تامة بمضايقة المواطنين من قبل عملاء الوكالات الفيدرالية الأمنية. ويبرز هذا بشكلٍ فاضح على الحدود الكندية مع الولايات المتحدة، حيث يتم إذلال العرب الأميركيين والمسلمين يومياً من قبل عناصر الجمارك وحرس الحدود الفاقدين للحساسية والمشاعر تجاه مواطنيهم وبالتالي فأنهم يعاملونهم معاملة المشتبه بهم، وليس كالمسافرين العاديين. فأثناء عبورهم للعودة إلى بلدهم الولايات المتحدة، يعاني بعض المسافرين العرب والمسلمين من استجوابات غريبة تتضمن طرح أسئلة مستهجنة عن أماكن عبادتهم مثلاً وعدد المرات التي يمارسون العبادة فيها يومياً، في حين يتم حجز آخرين لساعات طويلة في غرف الاستجواب التي أين منها غرف دول العالم الثالث السيئة الذكر؟ التفتيش غير الضروري للهواتف ونسخها أمرٌ شائع وعادي عند الحدود في مخالفة صريحة للحرية الشخصية التي يحميها الدستور والحكم الأخير الصادر عن المحكمة العليا. وغالباً ما يتعامل حرس الحدود مع المسافرين بوقاحة وفظاظة غير مسبوقة مقرونة بلهجة آمِرة مهينة.
إنَّ العلاقة الوثيقة بين «نحن الشعب» ومطبقي القانون هو أمر ضروري لرفاهية وأمن المجتمع في أي شكل من أشكال الحكم والدولة، وهذه الميزة بدأت أميركا تفقدها في الآونة الاخيرة. ففي البلد الديمقراطي، صوت الشعب يعلو فوق كل صوت وهو مصدر السلطات الحكومية بكل أشكالها، التي يجب ألا يتنمر أفرادها ويعتدوا على المواطنين. أموال الضرائب التي ندفعها من جيوبنا تُصرف منها رواتب الرجال والنساء (وغالباً الرجال) الذين يرتدون الزي الرسمي العسكري ثم يظهرون لنا العداء أو يهددوننا أو يميزون ضدنا على الموانيء والمطارات والشوارع، إنه أمر محزن وغير عادل.
يجب على كل الوكالات الأمنية والقانونية في جميع أنحاء البلاد ان تأخذ درساً وعبرةً وتتعظ مما يحدث في فيرغيسون قبل فوات الأوان وتعامل الناس باحترام وتقدير وكياسة وحذر وعدل وحق كما نص على ذلك الدستور الأميركي وإلا فإن الحرية ستهجر أرضها وتفقد أميركا قيمتها الحقيقية كدولة للعدالة والمساواة والحقوق المدنية والديمقراطية.
«صدى الوطن»
Leave a Reply