نبيل هيثم
يعيش لبنان في دائرة الفراغ الرئاسي والتي يتم التذاكي بشأنها وتوصف بالشغور وذلك للمرة الثانية خلال عقد من الزمن، الأولى في العام 2007 التي أشعلت أحداث 8 أيار 2008 وتم فرض إنتخاب الرئيس من مدخنة اتفاق الدوحة الذي انتهت مفاعيله قبل خروج الرئيس ميشال سليمان من القصر الجمهوري.
القوى السياسية تتقاذف المسؤولية والاتهامات حول من يمنع أو يعطل أو يؤجل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وكل الكلام يستند الى دفع التهمة متلازما مع «الدلعونا السياسية» حول الحرص على الانتخابات والعمل من اجلها، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، فالرئاسة ضحية الوجهين واللسانين والأهداف المستورة والحسابات الخاطئة والرهانات العقيمة، ويمكن مقاربة أسباب التعطيل وفق التالي :
– التفكك والتشرذم السياسي للمسيحيين الذين لم يعرفوا طعم الوحدة والتنسيق والإنسجام منذ حرب الإلغاء في التسعينات بين القوات اللبنانية والعماد ميشال عون وعاشوا منظومة الرؤوس المتعددة، مما جعلهم عاجزين عن تزكية أحدهم لرئاسة الجمهورية «مثال الطائفتين السنية والشيعية» وترحيل الرئاسة للحياديين منهم وتصفير القوى الكبرى.
– الدراماتيكية الانتخابية التي تتم بين حين وآخر، عبر جلسات مبتورة يعقدها المجلس النيابي برغم ادراكه انها فاشلة مسبقا.
– التدخل الخارجي الذي لعب دورا أساسيا في السياسة اللبنانية وخاصة انتخابات الرئاسة ورئاسة الحكومة سواء العامل الإقليمي أو الدولي حيث لم ينتخب سوى رئيسين خارج التدخل المباشر «حتى الاحتلال الإسرائيلي فرض رئيسا للجمهورية عام 1982 بعد احتلال بيروت».
– النظام السياسي اللبناني الذي يعتمد على معادلة «اللانظام» وسياسة الأمر الواقع خارج القوانين أو الدستور الذي يعدله ويعلقه السياسيون وفق أهوائهم مثل تبديل القنوات التلفزيونية، مما يسمح لهم بالمماطلة وعدم احترام المهل او القوانين ويؤمن لهم المخارج التي تنسجم مع مصالحهم او تنقذهم من أخطائهم ولذا فإنهم لايعملون تحت هيبة القانون او المهل اوالمواصفات والشروط المطلوبة.
– الأنانية الشخصية التي تحكم المرشحين فالترشيح ليس قرارا حزبيا او طائفيا وإن حاول البعض إظهاره كذلك، لأن الأحزاب اللبنانية يحكمها الملوك وأبناؤهم وإن أعلنوا عن فوزهم بالتزكية طوال أكثر من ثلاثين عاما، فالمرشح يقايض العام بالخاص ولايستطيع تقبل التضحية للجماعة أو الإقتناع بأنه ليس الأفضل بالمطلق.
– النظام الإنتخابي الذي لايراعي حق المرشح الأكثر تمثيلا او تحديد الشروط والمواصفات اللائقة برئيس الجمهورية، وحصر الإنتخاب ببضعة سياسيين يختزلون الشعب، المصادر صوته بحرمانه من إنتخاب الرئيس مباشرة.
– النوايا المبيتة لإعلان نظام تأسيسي جديد وتغيير إتفاق «الطائف» سواء المناصفة أو المثالثة او صلاحيات الرئيس مع نكران الجميع ذلك وإظهار تمسكهم بالطائف الذي يرجمونه يوميا لقصوره ويعترفون بانه لم يطبقوه كاملا حتى تظهر عيوبه أوحسناته، فإن النظام المشوه هو الطائف المبتور والمنقوص وليس الطائف الأصلي، لكن كل طرف يريد نظاما تأسيسيا وفق مصالحه التي تتناقض مع الأطراف الأخرى، مما يدفع الجميع لسلوك طريق الفوضى البناءة وتعطيل المؤسسات وتفريغها لإستدراج الآخرين لطرح الحلول وإلصاق التهمة بهم لتعديل الطائف كعنوان ملطف لإعلان نظام تأسيسي جديد وهذا ماجرى مع العماد عون ومبادرته لتعديل دستوري محدود يغير المنظومة السياسية اللبنانية
– التمديد لمجلس النواب لعدم رغبة البعض بإجراء الإنتخابات النيابية بحجة الوضع الأمني ولعدم إطمئنانهم بحصد نفس النتائج في الإنتخابات المقبلة بسبب تغير المزاج الشعبي وظهور قوى جديدة ومؤثرة على جميع الطوائف بنسب متفاوتة مما يدفعهم للتمديد بعنوان «ابعد عن الشر وغنيلو»
– إنتظار القوى السياسية والخارجية، إنقشاع الغبار عن ساحات الصراع في المنطقة والمسمى الربيع العربي ومعرفة المحور المنتصر لتقرير الموقف النهائي ،لأن المنتصر سيحدد الوجه السياسي للحكم في لبنان كما في المنطقة ولأن الجميع يرغبون بالحسم والربح الكامل ومغادرة ساحة الشراكة والتوازن ويساهمون في تأجيل الإستحقاقات ويغيبون أن لبنان محكوم بمعادلة – لاغالب ولامغلوب – مع توفر الإمكانيات في بعض المراحل ولكن استخدامها فجر أحداث ثورة 1958 ثم حرب السنتين عام 1975 ثم انتفاضة شباط عام 1984 ثم أحداث أيار 2007.
والسؤال المطروح هل يحتاج انتخاب رئيس للجمهورية أحداثا دامية كما في العام 1975 او إجتياح 1982 أو أيار 2007؟ هذا يفترض ان يتفق المسيحيون إبتداء وبشكل سريع لتزكية احد المرشحين، والا فلينتظر اللبنانيون الفراغ القاتل الذي يشل المؤسسات على تخوم دولة «داعش» الإفتراضية إبنة «الآباء المتعددين» وليناقش المسؤولون المعنيون جنس الملائكة ولون عيون ابوبكر البغدادي وعمامته بدل الإسراع في تحصين الساحة اللبنانية الغارقة بالنازحين واللاجئين والمسلحين والسائحين الإنتحاريين.
لعل تعطيل الانتخابات الرئاسية هو البديل عن غزوة داعش حيث تساهم بتفكيك وشل المؤسسات والقدرة على مواجهة الإرهاب أو تنظيم النازحين ويجعل لبنان على مشارف الفوضى الشاملة والتقسيم الواقعي غير المعلن برسم مناطق نقية طائفياً ومذهبيا وقامت بعض البلديات والجهات بتطبيق فرمانات «داعش» في فرض مظاهر الصيام لتكون البلديات تابعة لداعش وهكذا يتنامى الشواذ وترسم الإمارات اللبنانية، والطبقة السياسية راضية ومشجعة طالما أنها في الحكم ولا تفكر بمصيرها إن انتصرت «داعش» حقا، وهنا يجب ان يـُسأل مسلحو جبهة النصرة كيف ذبحتهم داعش!.
Leave a Reply