نبيل هيثم
بعد أكثر من ثلاثة أعوام على بدء النزاع في سوريا، واكثر من عام على بروز تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (بنسخته الثانية بعد التنظيم العراقي الأم)، كنتيجة لما عرف بـ«الفتنة الجهادية»، التي أدت الى تصدّع انصار تنظيم «القاعدة» في سوريا، وتوزعهم بين زعيم «جبهة النصرة» ابو محمد الجولاني، و«امير المومنين» في «دولة الخلافة» ابو بكر البغدادي، وبعدما طرق الخطر «الداعشي» ابواب اربيل، على اثر مجازر وحشية طالت المسيحيين والإيزيديين، استفاق المجتمع الدولي، فأصدر مجلس الأمن وبالإجماع قراراً بفرض عقوبات على التنظيمين الجهاديين البارزين في سوريا والعراق.
يطرح القرار الاممي الذي حمل الرقم 2170، الكثير من الأسئلة، إن من حيث توقيته، او سبل تطبيقة، او من حيث قدرة «داعش» والقوى الإقليمية التي تدعم هذا التنظيم الإرهابي على جعل تلك الخطوة الاممية مجرّد حبر على ورق، ناهيك عن اقتصاره على ستة قياديين فقط، واللافت ان زعيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي ليس من بينهم؟!
لكن السؤال الأهم، طرحه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، قبيل دقائق من صدور قرار مجلس الأمن ليل الجمعة الفائت، حين أشار، في خطاب في ذكرى انتصار المقاومة اللبنانية على اسرائيل في آب العام 2006، إلى أن «بعض الدول تواجه ألف مشكلة لكي تقدر أن تبيع ناقلة النفط الخاصة بها… فكيف يستطيع داعش أن يبيع النفط، وأن يحصل على تمويل أمام نظر المجتمع الدولي والدول الإقليمية؟!».
وبعد صدور القرار الأممي يصبح السؤال: لماذا انتظر المجتمع الدولي كل هذه المدّة لكي يقدم على هذه الخطوة، التي ما زال تطبيقها من عدمه موضع شكوك؟
هنا لا بد من التعمق اولا في مصادر تمويل «داعش». فمنذ تأسيسه تحت اسم «الدولة الإسلامية في العراق»، كإمتداد لتنظيم أبي مصعب الزرقاوي، في العام 2006، مروراً بحقبة ابي عمر البغدادي، وصولاً إلى حقبة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو «الدولة الإسلامية» بحسب ما بات يسمّي نفسه بزعامة أبي بكر البغدادي، كوّن «داعش» منظومة مالية ضخمة، تتناسب مع اتساع رقعة انتشاره جغرافياً من حلب غرباً، مروراً بالرقة ودير الزور، وصولاً إلى الموصل والفلوجة وبعقوبة شرقاً.
ويجمع المتابعون للحركات «الجهادية» في العالم، أن اي تنظيم ارهابي لم يمتلك من الأصول المنقولة والثابتة والسائلة ما يمتلكه «داعش» اليوم.
والواقع أن المنظومة المالية لـ«داعش» هي خليط في بنيتها التنظيمية بين حكومة وشركة تجارية وجمعية خيرية، وهي ممتدة عبر شبكة مترابطة في الداخل والخارج، تم تشكيلها بشكل منظم وفعال طوال السنوات الماضية.
وبخلاف التنظيمات «الجهادية» الاخرى، والتي تبقي منظومتها المالية طي الكتمان، فإن «داعش» يدير اموره المالية من خلال هيئة خاصة، تشبه الوزارة في شكلها البيروقراطي، ويحتفظ بسجلات وحسابات خاصة لتلك الاموال، كما يمتلك قنوات وآليات دقيقة لإدارتها، بما يشبه النظام المحاسبي.
وتقدر تقارير استخباراتية غربية ميزانية «الدولة الإسلامية» بمئات الملايين من الدولارات ما يجعلها تفوق ميزانية دول معترف بها، مثل تونغا وكيبيراتي.
وفي المراحل الأولى من عمر «داعش» كانت التبرّعات هي المصدر الأساسي لتمويل نشاطاته. وكانت حملات التبرّع تتم عبر جهات متعددة، كـ«الجمعيات الخيرية» و«حملات الإغاثة» و«المنتديات الجهادية»، أو من رجال اعمال خليجيين وناشطين في «المنتديات الجهادية» على شبكة الانترنت، فيما كانت عمليات التحويل تتم بأشكال شتّى، استفاد فيها «داعش» من تجربة «القاعدة» في تهريب الاموال.
وتشير تقديرات استخباراتية وتقارير صحافية إلى ان مانحي «داعش» يتركزون بشكل خاص في السعودية والكويت، بالإضافة إلى عدد من الجمعيات والمؤسسات والخلايا النائمة في المنطقة العربية، وكذلك في أوروبا واميركا. وفيما تدور شبهات بأن التنظيم يتلقى دعماً من حكومات خليجية، إلا ان لا ادلة ثابتة على ذلك، خصوصاً في ظل غياب الشفافية في موازنات الانظمة المذكورة، فضلاً عن ان عمليات تمويل كهذه تتم وفق آليات سرية ومعقدة للغاية، سواء عبر الحسابات الوهمية أو الوسطاء من رجال الدين ورجال الاعمال. ومع ذلك، فإن الثابت ان ثمة شخصيات بارزة ونافذة في الخليج تقوم بدور واضح وعلني في بعض الاحيان لنقل الاموال الى التنظيمات الجهادية، ومن بينها «داعش» و«النصرة».
غير ان الامر بات يتجاوز هذا الشكل «التقليدي» من التمويل، فـ«داعش» يتمتع اليوم بنوع من الاستقلالية المالية، ولم يعد مضطراً الى الاتكال حصراً على تبرّعات «المؤمنين»، فقد وسّع التنظيم المتشدد نشاطاته التمويلية، وباتت تتراوح بين عمليات تهريب الأسلحة والآثار، والخطف وطلب الفدية، وتزوير العملات، وفرض الضرائب «الأتاوات» على سكان المناطق الخاضعة تحت سيطرته، أو عبر نقاط التفتيش الحدودية، ناهيك عن عائدات النفط الخام، والغنائم الأخرى، بما في ذلك الأسلحة والآليات العسكرية، والممتلكات العامة والخاصة، كالمصارف والمصانع ومشاغل الذهب… الخ.
ويضاف إلى ذلك، العائدات «الشرعية»، اي تلك التي يفرضها التنظيم المتشدد بإسم الإسلام، كجمع الزكاة وفرض الجزية على المسيحيين.
وتشير التقديرات الى ان «داعش» جنى مئات الملايين من الدولارات خلال السنوات الماضية، من خلال عمليات الخطف، التي مارسها في العراق وسوريا، والتي تصل الفدية في الواحدة أحياناً إلى مئات الآلاف من الدولارات، بالإضافة إلى فرض «الاتاوات» على المواطنين ورجال الاعمال، والتي تشير تقديرات الى انها كانت تدر على التنظيم المتشدد مبالغ مالية كبيرة جدا.
وخلال ما عرف بـ«غزوة الموصل»، تمكن مقاتلو «داعش» من الاستيلاء على مبالغ تزيد عن 500 مليون دينار عراقي من المصرف المركزي في المدينة، فيما صادروا العديد من الأسلحة والمعدات، بينها عشرات العربات العسكرية من طراز «هامفي».
وتعتبر نقاط التفتيش والحواجز على الحدود بين العراق وسوريا المصدر الآخر للعائدات المالية، فـ«داعش» يسيطر اليوم على اكثر طول الحدود العراقية – السورية، ويقيم عشرات الحواجز في التي تدر له مبالغ طائلة على شكل «أتاوات». وفي ما يتعلق بحقول النفط في المناطق الخاضعة تحت سيطرته، تشير التقديرات الى ان «داعش» يستخرج 30 ألف برميل من النفط يومياً، ويتم بيع هذه الكميات في السوق السوداء من خلال وسطاء، ينقلون النفط الخام إلى تركيا، والبعض الآخر يباع في السوق المحلية.
وفي واقعة مثيرة للانتباه، تمكن الجيش العراقي مؤخراً من القاء القبض على رئيس المجلس العسكري في «داعش» المكنى بـ«أبي هاجر»، وقد عثر في منزله على نحو 160 ذاكرة ومضية «فلاش ميموري»، تحوي معلومات مهمة، أبرزها بعض الارقام حول اموال «داعش»، حيث تبيّن ان أصول أموال التنظيم تتجاوز 875 مليون دولار. وكان ذلك قبل «غزوة الموصل»، وما رافقها وتلاها من عمليات نهب قدّرت عائداتها بمئات ملايين أخرى من الدولارات… ولذلك، يذهب بعض الخبراء في شؤون الحركات الجهادية الى ان أصول «داعش» قفزت خلال الاسابيع الماضية إلى ما يقرب من ملياري دولار!
وانطلاقاً من تلك المعطيات، بالإضافة إلى تقديرات اخرى، فإن حجم الانفاق في «دولة الخلافة» يصل الى ارقام توازي الانفاق في ميزانيات دول بعينها، وتشمل بشكل خاص مخصصات المقاتلين والناشطين (بين 400 و600 دولار للفرد شهرياً، بما يوازي 10 ملايين دولار)، ناهيك عن شراء الاسلحة (علماً بأن «داعش» يحصل على كميات كبيرة منها سواء كغنائم مباشرة او عبر المساعدات العسكرية التي كانت ترسل – وما زالت – إلى الفصائل المسلحة في سوريا).
عقوبات متأخرة!
وفي مقابل تلك المنظومة المالية المعقدة، لم يأت القرار الأممي بفرض عقوبات على «داعش» – و«جبهة النصرة» – على مستوى التحديات، سواء في اقتصاره على ستة اسماء في التنظيمين (سعوديان، وكويتيان، وسوري، وجزائري)، أو في افتقاره الى الآليات التنظيمية التي تردع دول المنطقة عن تسهيل التمويل، ولا الى آلية مراقبة واضحة لأنشطة التنظيمين الإرهابيين (حيث ترك هذا الامر للجنة الامم المتحدة في العراق، التي ستقدم تقريراً دورياً في هذا الشأن كل 90 يوماً).
لكن الأهم في الموضوع أن القرار قد جاء متأخراً، فـ«داعش» لم يعد في حاجة إلى تبرّعات، وهو ان اراد ذلك، فلديه ما يكفي من وسائل للقيام بعمليات التحويل. وتكفي الإشارة هنا إلى امرين:
– اولهما : ان تهريب النفط يتم لصالح «داعش» في اسواق سوداء، وهي آلية يصعب فرض سيطرة عليها في ظل تغطية تركيا – الدولة العضو في حلف شمال الاطلسي – لعمليات التهريب والبيع التي تتم على اراضيها. – ثانيهما: أن «داعش» اثبت قدرة، طوال السنوات الماضية، على الافلات من الرقابة المصرفية على التحويلات، ومن غير المعروف بعد ما إذا كان ذلك ناجماً عن آلية معقّدة يمتلكها التنظيم، أم ان الغرب قد غض الطرف عن هذا الأمر، مع الإشارة الى ان الكثير من الحكومات الغربية – ولا سيما الحكومة الأميركية – تمتلك قدرة على الولوج إلى «داتا» نظام «سويفت» المصرفي الأوروبي الذي تتم من خلاله معظم التحويلات المالية في العالم. كل ذلك يعيد طرح السؤال: هل فات الوقت فعلاً؟ لعل الفترة المقبلة تقدّم اجابة.. ولكن كم من ابرياء سيقضون نتيجة ارهاب «داعش» حتى تلك اللحظة؟!
المشمولون بقرار مجلس الأمن الدولي
– عبدالرحمن محمد ظافر الدبيسي الجهني: سعودي الجنسية، في منتصف الأربعينيات من العمر، وكنيته «أبو الوفا». يُعد من أبرز المطلوبين أمنياً من قبل السلطات السعودية، وقد أُدرج اسمه ضمن قائمة السبعة والأربعين التي اعلنت في كانون الثاني العام 2011. التحق بتنظيم «القاعدة» في العام 2005، وقاتل في أفغانستان وباكستان، وتولى مهمة استقبال المقاتلين الوافدين من الممر الإيراني. وصل إلى سوريا في منتصف العام 2013، مبعوثاً لتنظيم «القاعدة»، وكُلّف ملف المصالحة بين «جبهة النصرة» و«داعش»، بالإضافة إلى التدريب على «الأمنيّات»، واستقبال المتطوعين والتبرعات من الخارج لمصلحة «النصرة».
– حجاج بن فهد العجمي: داعية كويتي متشدد. يعتبر مهندس عمليات تمويل «جبهة النصرة» في سوريا، ويشتبه في أنه يتنقل بين الكويت وسوريا لنقل الأموال، وتجنيد كويتيين لتولي مواقع قيادية في التنظيم. نشر صوره مع قادة في «النصرة» على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد منع من جمع الأموال في السعودية والكويت منذ سنوات. يعتبر العجمي ناشطاً بارزاً على موقع «تويتر» حيث يتابعه أكثر من 60 ألف مغرّد.
– ابو محمد العدناني: المتحدث الإعلامي بإسم «داعش» اسمه الحقيقي هو طه صبحي فلاحة، وهو من مواليد العام 1977، في قرية بنش في ريف ادلب. أعلن العدناني قيام «دولة الخلافة» في التاسع والعشرين من حزيران الماضي. عيّن «أميراً» لتنظيم «داعش» في «الإقليم الشامي»، كما أنه أحد القياديين البارزين في «مجلس شورى المجاهدين».
– سعيد عريف: جزائري الجنسية. من مواليد العام 1965 في وهران. كان ضابطاً في الجيش الجزائري، قبل أن ينشق وينضم إلى تنظيم «القاعدة». تدرّب في معسكرات تابعة لـ«القاعدة» في افغانستان، ويعتبر من كبار المسؤولين عن تجنيد المقاتلين الأجانب. اعتقل في دمشق العام 2003 ورحل الى فرنسا، حيث كان يواجه تهماً بالارهاب، ولكنه تمكن من الهرب في تشرين الاول العام 2012، وانضم الى القتال في سوريا.
– عبد المحسن عبد الله ابراهيم الشارخ: سعودي الجنسية. ولد في الشقراء في العام 1985. يعرف باسم سنافي النصر، ويشتبه في انه يقود عمليات تنظيم “القاعدة” في سوريا ولديه علاقات وثيقة بمتطرفين في باكستان. يُعد من أبرز المطلوبين أمنياً من قبل السلطات السعودية، وقد أُدرج اسمه ضمن قائمة الخمسة والثمانين الصادرة في العام 2009. قاتل في أفغانستان، ونشط مع القاعدة في إيران، ثم أرسل إلى سوريا بعد مبايعة الجولاني لأيمن الظواهري، ويتزعم حالياً جبهة «النصرة» في اللاذقية.
– حميد حمد حميد العلي: كويتي الجنسية. أدرجته الامم المتحدة على قائمتها السوداء لصلاته بتنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به. هو متهم بتمويل وتخطيط وتسهيل او تنفيذ اعمال على علاقة بالتنظيمات الجهادية في سوريا.
Leave a Reply