عماد مرمل
نجح الوزير السابق للخارجية اللبنانية عدنان منصور في أن يترك بصمته على سجل الوزارة، بعدما تسلح بالثوابت في زمن المتغيرات، وتمسك بوصايا التاريخ والجغرافيا في زمن تفتيت الدول وإعادة صياغتها.
يخفي منصور خلف الهدوء الظاهر صلابة في الموقف، وخلف إناقة التعبير تصلباً في القناعة، وهذا ما عسكته السياسة التي اتبعها حيال الازمة السورية، رافضا الانجراف وراء مغامرات الجامعة العربية، خصوصا بعض صقورها، فسبح في عكس التيار ومشى في عكس السير، انسجاما مع خياراته، ليتبين بعد حين انه كان على صواب ولو غرّد خارج السرب، في حين ان الآخرين كانوا داخل..السرب.
«صدى الوطن» التقت منصور، وكان هذا الحوار حول التجربة الوزارية والازمة السورية وانفلاش «داعش» وحسابات العرب:
-
كيف تصف تجربتك في وزارة الخارجية؟ ما الذي استخلصته منها؟
أنا لم أكن غريبا في الاساس عن ملفات وزارة الخارجية، لانني أمضيت 37سنة في العمل الدبلوماسي، تنقلت خلالها بين آسيا وأفريقيا واوربا واميركا، إضافة الى عملي في الادارة المركزية في بيروت، وبالتالي فأنا عندما أصبحت وزيرا كنت على بيّنة من كل الهموم المتصلة بالوزارة ومن كل القضايا المتعلقة بلبنان والعالم العربي، لكن الاكيد ان وجودي في موقع القرار أتاح لي ان أكون أقوى حضورا في الدفاع عن حقوق وطني، لا سيما في مواجهة اسرائيل.
- الى أي حد تأثر أداؤك في «الخارجية» بالاعتبارات الطائفية التي غالبا ما تتحكم بمسار الحياة السياسية في لبنان؟
إذا كانت الطوائف عنصر غنى، فإن الطائفية هي نقمة، وهناك فارق كبير بين الأمرين. أنا أدرك ان التوازنات يجب ان تُراعى في لبنان، وهذا ما حرصت عليه خلال وجودي في موقع المسؤولية، لكن ليس على حساب المبادئ والثوابت. وعلى سبيل المثال، إذا كانت لكل طائفة حصتها ضمن التعيينات والتشكيلات المدرجة في نطاق «الخارجية» فأنا كنت أركز على وجوب اختيار الأفضل ضمن الطائفة، مع عدم المساس بالتوزيع المعتمد.
– اثناء توليك مهام وزارة الخارجية، تعرضت الى حملات سياسية عنيفة من قبل قوى 14 آذار، على خلفية الخيارات التي اعتمدتها، لاسيما في ما يتعلق بالازمة السورية. الى أي درجة تأثرت بهذه الحملات؟
كن متأكدا من انه لو عاد بي الزمن الى الوراء، لسلكت الطريق ذاتها، وكررت المواقف ذاتها، خصوصا ان الأحداث أثبتت أنني كنت على حق وأن سياساتي كانت في محلها، ذلك انه بحكم التاريخ والجغرافيا وصلات القربى والمصير المشترك، لا يمكن للبنان إلا ان يتصرف كشقيق مع سوريا، وأي سلوك آخر سيرتد سلبا عليه. أنا لم أفتش من خلال عملي في «الخارجية» عن زعامة او دور سياسي، بل كنت حريصا على حماية المصلحة الوطنية التي تفرض عدم جعل لبنان بمثابة ممر او مقر لإيذاء سوريا، لأن من شأن ذلك ان ينعكس ضررا علينا.
- كيف تفسر فشل سياسة «النأي بالنفس» التي وضعتها حكومتكم في أيام الرئيس نجيب ميقاتي؟
إن شعار النأي بالنفس كان نظريا فقط، ولم يُطبق، لأن هناك من أصرّ على أن إستخدام لبنان في الحرب على سوريا، عبر إعتماده مقرا وممرا للمسلحين والسلاح والمال، الامر الذي ترك تداعيات خطيرة عليه، وأنا كنت السبّاق قبل قرابة ثلاث سنوات في التحذير من تحويل عرسال تحديدا الى «تورا - بورا» او «قندهار» جديدة، وللاسف أتت الاحداث لتثبت صحة مخاوفي، والأمر لم ينته هنا، إذ توجد خلايا نائمة في العديد من المناطق، لا نعلم متى تستيقظ.
- هل تعتقد ان البعض في الغرب والعالم العربي بصدد مراجعة السياسة المتبعة حيال النظام السوري، بعد التحدي الذي فرضه خطر «داعش» العابر للحدود؟
إن الدول التي تنسق في ما بينها لمواجهة الإرهاب لا تستطيع ان تذهب بعيدا في مواجهته من دون التعاون مع سوريا التي أصبحت تشكل جبهة متقدمة في المعركة ضد الإرهاب، تماماً كما أن أي حل سياسي للأزمة السورية لا يمكن ان يُنجز من دون التفاهم مع دمشق، وهذا ما ناديت به خلال جلسات الجامعة العربية، حيث كنت أشدد على ضرورة عودة سوريا الى مقاعد الجامعة، لأن عزلها لا يفيد الحل السياسي.
- أنت شاركت في عشرات الاجتماعات للجامعة العربية، وكنت مطلعا على ما يدور في الكواليس.. ما الذي كان يحرك مواقف بعض العرب من خصوم النظام السوري؟
لقد اكتشفت ان بعض الدول العربية تريد تصفية حساباتها مع النظام السوري، ليس من أجل مفاهيم الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي أحوج ما تكون اليها تلك الدول تحديدا وفاقد الشيء لا يعطيه، بل لأن الاحقاد فقط هي التي تحرك سياسات البعض. وكثيرا ما كنا لندخل الى الجلسات المغلقة لنكتشف أن القرارات ضد سوريا جاهزة ومعلبة، ويجري توزيعها لا لمناقشتها بل لإقرارها كأمر واقع، ولم يكن يجروء على الاعتراض سوى قلة، كنت من بينها.
- كيف تنظر الى ظاهرة «داعش» المنفلتة.. ما هي أبعادها الحقيقية، انطلاقا من معطياتك كوزير سابق للخارجية؟
إن هذا التنظيم التكفيري ما كان ليستمر ويتوسع لولا الدعم الخارجي، المالي والعسكري والاعلامي، والأكيد انه توجد دول وأجهزة استخبارات ترعى «داعش» لتفتيت المنطقة وبعثرة طاقاتها، وأنا أعتقد ان الكثيرين من عناصره يُغرر بهم انطلاقا من عناصر الجذب والاستقطاب التي تملكها قيادة التنظيم. لكن، يجب ان يكون معلوما ان خطر «داعش» سيطال الدول التي تدعمه، وان الدور سيأتي عليها، لا مفر.
- ما هو مستقبل «داعش» وغيره من الجماعات التكفيرية؟
في نهاية المطاف، لن تستطيع هذه الظاهرة التجذر والاندماج في نسيج البيئة العربية، بل هي فورة آيلة الى التلاشي حُكما لان المجتمع العربي سيلفظها عاجلا أم آجلا كونها مخالفة لجوهر الاديان وطبيعة الناس وتركيبة مجتمعات المنطقة القائمة على التنوع والعيش المشترك.
- هل تخشى من ان يؤدي المناخ المحتقن في العالمين العربي والاسلامي الى فتنة مذهبية؟
نحن الآن نعيش الفتنة الكبرى، والفكر المتطرف الذي ينبع من بعض الدول العربية يؤجج الصراع المذهبي، وهذا ما يريح اسرائيل ويخدمها.
- كيف السبيل الى مواجهة الارهاب التكفيري؟
لا خيار لنا سوى الصمود والتصدي.
Leave a Reply