بيروت - كمال ذبيان
فتحت معركة عرسال، الامن الذاتي وبعد مشاركة نازحين سوريين إليها في العمليات العسكرية ضد الجيش، خرجوا من المخيمات في البلدة، وقدّر عدد المسلحين المشاركين بين 500 وألف مسلح، تحدّث عنهم الرئيس نبيه برّي وقد شمل «الأمن الذاتي» المناطق على كل مساحة لبنان، حيث يتواجد نازحون سوريون، والتحذير من عددهم الذي وصل الى حدود المليون ومئتي ألف نازح مسجلين لدى الأمم المتحدة، وباتوا يشكّلون عبئاً اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وديمغرافياً، والأخطر من كل ذلك، أنهم تحولوا بؤراً أمنية في كل لبنان وتقدّر مصادر أمنية أنه بإمكانهم أن يجندوا حوالي مئة ألف مسلّح، وبوشر بتنظيمهم من قبل مجموعات إرهابية تكفيرية كـ «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، اللذين أكثر وجوداً وفاعلية من بين الجماعات المسلحة السورية، وبات لهم امتداد على الساحة اللبنانية من خلال خلايا نائمة واحتضان من جماعات إسلامية أصولية أو سلفية، وهو ما ظهر من خلال التعاون والدعم الذي قدمته للنازحين السوريين تحت مسمى «إنساني»، لكن تبيّن أن بينهم الآلاف الذين يدينون بالولاء للجماعات التكفيرية، وهو ما فتح الأعين لدى المواطنين لرصد ومراقبة حركة هؤلاء، وقد سبق لبلديات في عدد من المناطق، وقبل معركة عرسال، أن اتخذت إجراءات ميدانية، منعت فيها السوريين من التجوّل ليلاً، وقيّدت حركة تنقلاتهم نهاراً، وأخذت منهم قيودهم الشخصية، ووضعتهم تحت المراقبة، وصدرت بعض الأصوات والبيانات والمواقف من جمعيات تدّعي حماية حقوق الإنسان باعتبار هذه الإجراءات لها طابع عنصري وتقيّد الحرية، إلا أنه وبعد ما كشفت معركة عرسال عن دور لنازحين في المعارك حتى في طرابلس ومناطق اخرى، وما ظهر من ممارسات إجرامية لبعض السوريين، وسّعت من التدابير الاحترازية، الى «الأمن الذاتي» في بعض البلدات والقرى، لاسيما منها تلك التي على خطوط التماس عند الحدود اللبنانية - السورية في الشمال والبقاع، خوفاً من تسلّل مسلحين من «النصرة» أو «داعش» وغيرهما الى مناطقهم، والغدر بهم كما حصل في الموصل بالعراق، حيث بدأت عمليات حراسة ليلية لاسيما في البلدات ذات الكثافة المسيحية والدرزية والشيعية، مثل بلدتي القبيات وعندقت في عكار، الى القاع ورأس بعلبك في البقاع وهي بلدات مسيحية، يقوم شبانها بالحراسة والرصد بالتعاون مع الجيش اللبناني، وهي الحالة نفسها مع القرى الشيعية في البقاع الشمالي والهرمل، كما في بلدات وقرى في قضاءي راشيا وحاصبيا فيها وجود درزي، لاسيما تلك الواقعة عند سفح جبل الشيخ، في كفرقوق وعين عطا وعيحا، وقد زاد القلق في هذه المناطق قبل حوالي أكثر من سنة، بعد الإشتباكات التي حصلت بين عرنة وحضر الدرزيتين وبين جن السنّيّة داخل الأراضي السورية في جبل الشيخ، إذ كان المسلحون والمصابون منهم يدخلون الى لبنان عبر شبعا، وينقلون عبر «الجماعة الإسلامية» الى مستشفيات المنطقة، مما خلق حالة من التوتر والغليان وقطع الطريق من قبل أبناء المناطق الدرزية في لبنان، بوجه المسلحين، وأدّى ذلك الى حالة من الاستنفار المسلّح بين كل الأطراف، حيث كانت تجرى الإتصالات واللقاءات السريعة لمنع نقل الصراع السوري الى لبنان، وأن المخاوف زادت بعد معركة عرسال، في أن يتم فتح جبهة في شبعا وجوارها وذات الكثافة السّنّيّة، في مقابل قرى درزية وأخرى شيعيّة، إلا أن انتشار الجيش عند المعابر وسد بعضها، منع حصول احتكاكات، وساعد في ذلك أن أهالي العرقوب كان لديهم من الوعي أن تنبّهوا لما يحاك لمنطقتهم، فاتّخذوا هم إجراءاتهم الاحترازية، ومنعوا النازحين السوريين من القيام بأي عمل عسكري، ولعبت الجغرافيا حاجزاً في عدم تنقل المسلحين بسهولة، إذ أن الطرقات وعرة، على عكس عرسال التي كان يتم الانتقال منها وإليها من دون عناء.
«فالأمن الذاتي» بدأ يطل من جديد على بعض المناطق اللبنانية التي يزيد فيها عدد النازحين السوريين، على عدد المقيمين من أبنائها وبأضعاف، مما ولّد حالة من القلق والخوف، حيث جرت عمليات مداهمة قامت بها قوى حزبية محلية لأماكن تواجد سوريين، وكذلك فعلت الأجهزة الأمنية الرسمية من مخابرات للجيش أو فرع المعلومات التابع للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أو الأمن العام.
وبدأ اللبنانيون من كل الإتجاهات السياسية والطائفية يستشعرون بخطر الوجود السوري الذي لم تتوصل الحكومة بعد الى قرار بتنظيمه، وهو استفحل إذ يكلّف الخزينة حوالي 7,5 مليار دولار سنوياً وفق تقرير صندوق النقد الدولي، ويستهلك النازحون 200 ميغاواط كهرباء في وقت يعاني لبنان من قلة إنتاجه لها، إذ ينقصه حوالي 1400 ميغاواط ليكفي اللبنانيين، فكيف سيؤمن لحوالي 40 أو 50 بالمئة أكثر من عدد السكان اللبنانيين، من السوريين الذين يستهلكون حوالي 87 مليون ليتر مياه، ولبنان يعاني الشح لاسيما هذا الصيف لعدم هطول الأمطار، إضافة الى ما يسببه هؤلاء من ضرر على البنى التحتية والبيئة، وخطف فرص العمل من أمام اللبنانيين، بعد أن تحوّلوا الى المهن الحرة و فتح مطاعم ومحلات تجارية إلخ…
وبدأت تتشابه الأزمات من النزوح السوري في دول الجوار، حيث أظهرت التقارير التركية معلومات عن تجاوزات لسوريين وارتكابهم جرائم وغير ذلك، بالرغم من أن عددهم أمام عدد سكان تركيا، لا يوازي شيئاً، وكذلك في الأردن الذي يستخدم القوة معهم ويطرد منهم، كما تفعل تركيا في بعض الأحيان، وهو ما لا يجرؤ عليه لبنان الذي فتح حدوده دون ضوابط للنازحين الذين قدموا إليه من كل المناطق الساخنة والآمنة، وبات النزوح إليه اقتصادياً وليس أمنياً أو إنسانياً، لأن ما يحصلون عليه في لبنان لا يحصلون عليه في دول أخرى، حيث بات حل هذه العقدة صعباً، وتتداخل في هذا الملف عوامل سياسية وطائفية وأخرى مالية وديمغرافية، وتتفاعل فيه انقسام اللبنانيين حول ما يجري في سوريا، مما يعطي النازحين كل عوامل القوة والتمكن من أن يشكّلوا في المستقبل خطراً وجودياً مع الجماعات الإرهابية التي ستقودهم وتستخدمهم كبؤر موجودة للتوتير والفوضى الأمنية، وأن ما حصل في عرسال هو نموذج لما بدأ الوجود السوري يشكّله من خطر على لبنان، أين منه الوجود الفلسطيني الذي تحوّل الى مسلح نهاية الستينات تحت اسم «الكفاح المسلّح»، وفي زمن الهزيمة العربية أمام العدو الإسرائيلي، فباتت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين مراكز للتدريب والتسليح والأمن الذاتي عبر «الكفاح المسلّح»، وطُرد الدولة منها باسم «اتفاق القاهرة» الذي شرعن الوجود الفلسطيني المسلّح، وهو السيناريو نفسه الذي قد يتكرّر مع الوجود السوري الذي ظهرمسلّحاً في معركة عرسال، التي كادت أن تتحوّل ومازالت نقطة ارتكاز للإنطلاق منها الى مناطق أخرى لتحريرها، وما خطف العسكريين من جيش وقوى أمن داخلي من عرسال، والتفاوض عليهم مع الحكومة اللبنانية عبر وسطاء محليين وخارجيين، إلا اختباراً لما سيكون عليه وضع الوجود السوري المدني والمسلح، إذ أن الشروط الموضوعة من قبل الخاطفين تؤشر الى أنهم يطلبون بتشريع وجودهم، لجهة أن لا تقترب الدولة اللبنانية بأجهزتها من مخيمات النازحين، وأن لا تضايقهم أو تفرض عليهم إجراءات معينة، وتعمل على إطلاق المعتقلين منهم وتحديدا السجناء الإسلاميين وبعضهم ارتكب جرائم وهدّد أمن الدولة وقد يحقق المسلحون أهدافهم، وتسقط الدولة في الإمتحان عبر تشريع الوجود السوري المسلّح الذي سيقابله وجود لبناني مسلّح، تحت عناوين الحماية الذاتية عبر «الأمن الذاتي»، وهو المشهد نفسه الذي بدأ في مطلع السبعينات مع الظهور المسلّح الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية الممتدة من الجنوب الى بيروت وضواحيها والبقاع والشمال، حيث اندلعت المعارك بين المسلحين الفلسطينيين والجيش الذي سانده مواطنون بالدعم السياسي والمعنوي، وبعضهم ذهب الى التسلّح ليقف الى جانبه، في ظل انقسام داخلي حوله، وهو ما قد يحصل مع الوجود السوري الذي هو أخطر بأضعاف من الوجود الفلسطيني لأنه عددياً أكبر وانتشاره أوسع، وإذا لم يتم تداركه سريعاً قد يتحوّل الى صدام لبناني - سوري، لا يوقفه سوى منع تدفق النازحين المستمر الى لبنان والذي يبلغ في الأسبوع ما بين 6 و10 آلاف نازح، وترحيل مَن لا يثبت أنه نازح، وتشديد الإجراءات الإدارية والقانونية، بما لا يسمح ببناء مساكن، بدلاً من الخيم، والدخول في دورة اقتصادية واجتماعية وتربوية، حيث تساهم كلّها في تأزيم الوجود السوري.
Leave a Reply