خليل إسماعيل رمَّال
ذهب إلى غير رجعة، المشهد الذي كان فيه أرئيل شارون يقف مزهواً بنصره العسكري ذات صيفٍ من عام ١٩٨٢ في لبنان وهو ينظر من منطقة الجبل إلى قصر بعبدا الذي كان يسكنه الياس سركيس حيث كان بإمكانه أنْ يدخل القصر لو أراد ويطرد رئيس الجمهورية ويكرس نفسه حاكماً عسكرياً واسع الصلاحيات.
بعد ٣٢ عاماً تغير العالم فانتهى العصر الإسرائيلي وبدأ عصر المقاومة والانتصارات وولَّى زمن الخيبة والهزائم. الكيان الإسرائيلي الغاصب مصدوم وغاضب ويكاد يجن من هزيمته وانتصار المقاومة الفلسطينية في غزَّة بعد ٥٠ يوماً من أشرس وأطول حربٍ شنَّتْهاأقوى آلة حربٍ عدوانية عاتية وبدعم أميركي وأوروبي غير محدود وتواطؤ عربي مشين ضد شعبٍ أعزل مُحاصَر لا يملك إلا إرادة المقاومة والعيش بكرامة والدفاع عن وطنه مهما غلت التضحيات.
لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمن انتصاره غالياً جداً بلغ ١٤ الف بين شهيدٍ وجريح عدا عن تدمير المنازل والمؤسسات والمدارس والمرافق العامة والبنى التحتية. وإلى الذين تهكموا على هذا النصر، كما أنكروا سابقاً انتصار المقاومة في لبنان، نقول لهم لقد ربح الشعب الفلسطيني وحقق معجزة النصر الإلهي الجديد مهما كابر المكابرون. ولقد تمكن شعب فلسطين من تحقيق الأهداف الاستراتيجية التالية:
١- أعادت حرب غزَّة القضية الفلسطينية إلى موقع الصدارة كونها الأساس لأي حل سلمي شامل في الشرق الأوسط، رغم محاولات خلق عدو جديد في إيران أو لبنان من أجل حرف الأنظار عن القضية المصيرية المقدَّسة.
٢- اظهر صمود المقاومة الفلسطينية هشاشة المجتمع الإسرائيلي وترهل الجيش الذي كان لا يُقهر قبل أنْ يمرغ مقاومو لبنان أنفه في التراب.
٣- أظهرت المعركة إبداع وقدرات المقاومة الفلسطينية وردها الصاع صاعين وبالتالي خلق توازن رعب ومعادلة جديدة مع قوات الإحتلال. لقد حوَّلتْ المقاومة الحرب الصاعقة إلى حرب استنزاف لا يطيقه الكيان الغاصب أدى إلى شل مرافقه وخلق أزمة تهجير وخسائر اقتصادية هائلة.
٤- هرَّب نتنياهو الإتفاق على وقف إطلاق النار وأخفاه عن مجلس حربه مما يدل على عمق الهزيمة ولو كان الاتفاق محل فخرٍ لإسرائيل لأعلنته على كل الملأ. فالاتفاق لم ينزع سلاح المقاومة وبرضى المحتل أو عدمه سيُبنى مطار ومرفأ بحري لغزة، ولم تتمكن قوات العدو بكل إمكاناتها من التوغل برِّياً داخل غزَّة أمام عزم وتصميم وتخطيط المقاومة وشبكة أنفاقها ومفاجآتها. مجرد صمود المقاومة هو انتصار ساحق بحد ذاته فغزة احترقت، مثل بيروت عام ١٩٨٢، ولم ترفع الراية البيضاء!
٤- لا شك أنَّ «حزب الله» وإيران والمقاومة الفلسطينية درسوا بدقة متناهية نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي الذي وقف عاجزاً أمام مجموعة من ١٥ ألف مقاوم مسلَّح، وهذا ما تخشاه فعلاً تل أبيب حيث تشير التقديرات الأولية للحرب المقبلة بينها وبين المقاومة في لبنان إلى مقتل ٥ آلاف جندي إسرائيلي فوراً على الأقل، وهذه خسارة بشرية لا تتحملها دولة الإحتلال عدا عن شل الحياة فيها وتدمير مصانع الكهرباء والصناعات البتروكيميائية التي ستتسبب بكارثة اقتصادية وبيئية كبيرة.
إنَّ كلفة حرب إسرائيل العالية لا شك تردعها، وستردعها اليوم أكثر، من ارتكاب أية خطوة مجنونة متهورة تجاه لبنان، وهي إنْ بقيت تملك قرار الحرب، ولو من قبيل حفظ ماء الوجه، لكن قرار السلم ووقف الحرب لم يعودا في يدها، وهذا من أسباب النصر الإلهي الكبير في غزَّة.
Leave a Reply