يواجه العالم العربي تهديدات خطيرة قد تؤدي إلى المزيد من التشرذم في صفوفه. فبلدان مثل العراق وسوريا ولبنان، كما نعرفها، مهددة بجغرافيتها وكيانها، في وقت تتمدد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في بلاد الشام وما بين النهرين، وتنفذ أحكاماً إجرامية بذبح نظري وفعلي لخصومها ومن يخالف عقيدتها من مسلمين واقليات دينية.
فيما تواصل إسرائيل سياسة «ضم» (وهو تعبير مُلطَّف لكلمة سرقة) الأراضي العربية الفلسطينية. ومع ذلك، وبدلاً من توحد العرب ضد أعدائهم وأخذ الحذر والحيطة من الأخطار التي تحدق بهم، اختاروا كعادتهم الوقوع في هاوية وبراثن الطائفية والمذهبية البغيضة القاتلة.
في لبنان، لم يميز إرهابيو «الدولة الإسلامية» بين السنة والشيعة في الجيش اللبناني فقاموا بقطع رأس جندي من كل مذهب. هذه المأساة الانسانية التي كان من المفترض أنْ توحِّد البلد بأكمله وتجمعه حول مؤسسات الدولة والجيش الذي يحظى بالاحترام والتقدير الأكبر بين أغلبية فئات الشعب. ولكن بدلاً من ذلك، حصلت سلسلة من حوادث الخطف والخطف الطائفي والمذهبي المضاد مع احتجاجات عنيفة، عمَّقتْ الانقسامات الحادة بين مكونات المجتمع اللبناني لدرجة وضعت البلاد على حافة حرب أهلية.
إنَّ الجميع مذنبون بلا استثناء، فلا يجب أنْ تتعاظم الأمزجة الفئوية والإثارة وردات الفعل المتهوِّرة وتعلو على صوت العقل والمصلحة الوطنية العليا في اشد الظروف حراجة.
لكن الأكثر خطورةً من كل ذلك هو ما يحدث في عقر جاليتنا هنا، حيث تسرَّب سرطان الطائفية إلى عقول عرب أميركا وشقَّت المذهبية طريقها إلى فكر وثقافة ولغة بعض العرب الأميركيين والمسلمين. ففي ولاية الكثافة السكانية العربية في ميشيغن، تصاعدت مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشوارع والمقاهي، وتكثفت اللغة الطائفية والمذهبية بعد الأحداث الأخيرة في لبنان والعراق، حيث شهدنا دعوات مريعة للهجوم الطائفي والإنتقام من قبل جميع الاطراف وبدون استثناء.
بعض التصريحات المغرضة تعزو زيادة التشدد والتزمت والتكفير الارهابي إلى العقيدة الإسلامية، وكأن «الدولة الإسلامية» لم تقتل الآلاف من جميع المذاهب والأعراق في جميع أنحاء العراق وسوريا ولبنان! الطائفية داخل الجالية العربية الأميركية والكلدانية، إذا ذرَّت بقرنها ستكون أكثر رجعية منها في العالم العربي ولا عذر لنا إِنْ وقعنا في أتونها، خصوصاً وإننا نعيش في ترف وطننا الآمن الجديد في الولايات المتحدة، المتعدد الأعراق والأديان، مما يحصننا من عدوى البلبلة المذهبية ويحصننا من الاضطرابات الإجتماعية التي تحدث في المشرق العربي. لذلك يجب أن نكون أكثر موضوعية واتزاناً وحكمة مما نحن عليه، ونبرز صوت العقل والعقلانية لإخواننا المنكوبين بمرض الطائفية والمكتوين بنارها في العالم العربي والإسلامي.
يجب أن تكون وحدة بلداننا الأصلية طلباً موحَّداً وملحاً لجميع الأميركيين العرب والكلدان. فمن غير المقبول وغير الأخلاقي أنْ نقوم بصب زيت المنطق القبلي والطائفي على نار التهديد الوجودي للوطن العربي.
الطائفية هنا قد تكون نتاج أقلية عالية الصوت المنكَر والجرأة الوقحة من دون وازع. لذلك على الأغلبية أنْ لا تكون صامتة وساكتة عن الحق. يجب على الأغلبية القلقة على مصير أوطانها وشعوبها أنْ تتحرك سواء عبر ندوات أو إجتماعات أو مؤتمرات جماعية لوضع حد لهذه الموجة الخطيرة، وتشجب وتدين وتجابه كل تعليق على «الفيسبوك» يعزز التعصب ضد أي جماعة أو مذهب. علينا أن ننخرط في حوارات لإخماد نيران الطائفية الشاذة بحجج منطقية وإنسانية ونحن نمتلك من التاريخ الأخوي والتراث الحضاري المشترك ما يعيننا على ذلك. علينا مسؤولية أخلاقية ومعنوية لحماية مجتمعنا وجاليتنا من هذه الانقسامات المستشرية التي تتكشف بشكل مأساوي أمام أعيننا في أوطننا الأم وتنذر بنتائج وخيمة على مصيرنا ومستقبل اهلنا هناك.
لدينا اهتمامات مشتركة، محلياً ودولياً، لكن الطائفية ليست من صلبها، وهي التعليم والعدل والحقوق المدنية وإصلاح قوانين الهجرة وقضية فلسطين العادلة وسيادة وحرية بلداننا العربية.
ولنتذكر جميعاً أنَّ القنابل الإسرائيلية لا تميز بين السُنَّة والشيعة والمسيحيين والدروز، كما لا تميز بين الأطفال والنساء والمدنيين العُزَّل عندما تنزل على رؤوس ومنازل الناس في لبنان وفلسطين. كما أنَّ الانتحاريين المجرمين، الذين يفجرون أنفسهم في أسواق بغداد وشوارع سوريا، لا يوفرون أي شخص إلى أي دين انتمى. فأعداؤنا يروننا شخصاً واحداً وشعباً واحداً وكتلةً موحَّدة، فلنكن كذلك.
في الولايات المتحدة، تُغلِق البنوك حسابات الأميركيين العرب المصرفية بغض النظر عن هويتهم الدينية أو المذهبية. وعندما نوضع نحن العرب على قوائم الممنوعين من السفر واللوائح الإرهابية، لا نُصنَّف حسب الهوية المذهبية.
أخيراً ينبغي على الجاليات العربية الأميركية والمسلمة والكلدانية أنْ تقف موحدة متراصَّة ويجب إسكات الأصوات الفتنوية الطائفية والمذهبية بيننا. ولتخرس أصوات الفتنة الطائفية إلى الأبد! إنه منطق التأريخ الذي يتقدم إلى الأمام رغم كل المعوقات التي توضع في عجلته.
Leave a Reply