فـي الأسبوع الماضي، كان من المفترض أنْ يلتقي قائد شرطة ديترويت جيمس كريغ مع أصحاب محطات البنزين فـي المدينة للاستماع إلى شكاواهم فتجمَّع ٦٥ من رجال الأعمال وأصحاب المحطات فـي فندق «دوبل تري» الواقع على حدود ديترويت وديربورن مهيئين أنفسهم لكي يحددوا أوجه القصور فـي دائرة شرطته، بدءاً من إصدارها للمخالفات العديدة المتكررة لنفس التهمة، إلى إهمالها وتأخُّرها بالاستجابة لنداءات الاستغاثة. لكن السيِّد كريغ لم يحضر بحجة أن الجو كان ممطراً «فخاف من البلل»!
لقد شكل غياب كريغ عن هذا الإجتماع الهام استهانة وقلة احترام لا مثيل لهما، وكان مثالاً صارخاً على سلوك الشرطة مع أصحاب محطات الغاز فـي ديترويت. فكما تكون الشرطة يُولَّى عليها. وفـي الآونة الاخيرة درج عناصر شرطة ديترويت على إصدار مخالفات متعددة لمحطات الوقود بسبب عدم إمتلاكهم لرخص تجارية صادرة عن البلدية، فـي وقتٍ كانت الشركات التجارية فـي صدد التقدم للحصول عليها. وللتدليل على الكيدية التي تتعامل بها الشرطة فـي ديترويت مع رجال الاعمال، تلقى صاحب محطة وقود لوحده ١٤ ضبط مخالفة ستكون عملية الطعن بها مضنية جداً بسبب البيروقراطية الإدارية المتفشِّية فـي المدينة.
وليس واضحاً ما إذا كانت الشرطة تحاول ترهيب أصحاب الأعمال لإخراجهم من ديترويت «إحراجهم فإخراجهم»، أو كسب المال لخزينة البلدية المفلسة، من جيوب رجال الأعمال أو تخويف الشعب لتأكيد سلطتها. ولكن بغض النظر عن ما هو الدافع وراء هذا التعسف والتسلُّط إلا أنَّ التعامل مع المواطنين بهذا الشكل غير العادل، هو أمر غير مقبول.
لقد تخلت الولايات المتحدة عن التصنيع فـي مطلع هذا القرن وأصابت شعار «صُنع فـي الولايات المتحدة» فـي التجارة الحرة بتداعيات اقتصادية خطيرة وبالتالي لحقت ديترويت، التي كانت من أهم مدن أميركا الصناعية، ثم تحوَّلتْ إلى مدينة منكوبة فـي المرحلة ما بعد الصناعية (الخدماتية) حيث ارتفعت معدلات الجريمة فـيها فغيَّرت وجه المدينة، من المدينة التي أسماها يوماً الرئيس فرانكلين روزفلت بأنها «سند الديمقراطية»، إلى «عاصمة القتل والإجرام» فـي الولايات المتحدة. ونجم عن هذا هجران الشركات الكبرى لديترويت وغادرها السكان فراراً من بؤس المدينة وترهلها وتفشي الفساد فـي إدارتها الى رحاب الضواحي الآمنة. أما سلاسل الشركات الضخمة فـي ديترويت فتجنبت مخاطر الأعمال التجارية والأمن المفقود. فقط محطات الوقود التي يملك معظمها العرب الأميركيون صمدت ووقفت مع المدينة المنكوبة واختارت البقاء فـيها رغم التحديات الكثيرة والمخاطر الكثيرة.
وكان قرار العرب الأميركيين والكلدان للاستثمار فـي ديترويت يوم لم تكن بيئة أعمال مؤاتية وناضجة فـيها مجرد خيار من بين الخيارات المتاحة فقط بل كان إختياراً اقتصادياً وتجارياً أيضاً. ووفرت محطات الوقود والمحلات التجارية الصغيرة فـي زوايا الاحياء، الخدمات والمنتجات الحيوية الضرورية للسكان الذين بقوا فـي الأحياء محاصرين بالفقر وفقدان الأمن. أصحاب المحطات والعاملون فيها عانوا وما زالوا يعانون من البقاء لساعات طويلة فـي سجن صغير وراء زجاج واق من الرصاص لتأمين العيش الكريم فـي ديترويت. وقد جرى ترويع العديد منهم فـي عمليات السطو المسلح، ودفع الكثير منهم حياتهم ثمناً لهذا العيش على يد المجرمين السائبين الذين يسرحون فـي الأحياء من دون رادع، وكل ذلك بسبب أوجه القصور الفاضحة فـي نظام العدالة الجنائية والشرطة.
عندما قامت ولاية ميشيغن بتسلم الشؤون المالية فـي ديترويت ومنها قسم الشرطة، كان هناك أمل فـي تحسين مستويات المعيشة وزيادة الامن فـي المدينة. وبعد وقت قصير من تعيينه، جاء كريغ الى ديربورن فـي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وإجتمع مع العرب الأميركيين من أصحاب المصالح فـي المدينة ووعد بالعمل على تشكيل شراكة بين الشرطة ورجال الأعمال. لكنه لم يكن وفـياً لوعده. حتى أنه لم يكلِّف نفسه عناء الحضور إلى الإجتماع المهم الأخير معهم.
خلاصة القول، على الشرطة والشركات الصغيرة والمجتمع المحلي أن يعملوا معاً إذا أرادوا إعادة ديترويت إلى مجدها السابق، علماً بأن الإصدار المفرط للمخالفات ضد أصحاب محطات والمصالح الصغيرة سيدفعهم لترك ديترويت لمصيرها القاتم مما يوجه ضربة كبيرة لمحاولات إعادة انتعاشها الإقتصادي.
Leave a Reply