بيروت – كمال ذبيان
الإنتخابات النيابية المؤجلة من أيار 2013، مع انتهاء ولاية مجلس النواب القانونية فـي 25 منه، والتمديد له لـ 17 شهراً يتنهي فـي 20 تشرين الثاني المقبل، أقفل باب الترشيح على 514 مرشحاً، تنفـيذاً للقانون الساري المفعول، والذي لم يتمكّن النواب من إصدار قانون انتخاب آخر، يكوّن السلطة التشريعية من خارج القيد الطائفـي، كما نصّ اتفاق الطائف ولم يطبّق، بل صدرت كل القوانين على قياس زعماء الطوائف، لا بل أن اتفاق الدوحة أعاد العمل بقانون الستّين، الذي وزّع الدوائر الإنتخابية على أساس القضاء، فـي حين تحدّث اتفاق الطائف عن المحافظة، وقد حصل تراجع فـي اتفاق الدوحة الذي أنهى أزمة سياسية ودستورية وتوترات أمنية، عن الإصلاحات التي وردت فـي اتفاق الطائف، وبدأ لبنان ينحدر نحو الطائفـية والمذهبية السياسية أكثر، حيث لم يعمل على إلغائهما ولو تدريجياً كما جاء فـي إصلاح النظام السياسي، ليتم طرح اقتراح قانون عُرف أو سُمي بـ «الأرثوذكسي»، يطالب بأن تنتخب كل طائفة مرشحين منها، تحت عنوان تحقيق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين كما ورد فـي الدستور، وهو المشروع الذي تبنّته القوى المسيحية السياسية والدينية، وفـي مقدمها «التيار الوطني الحر» الذي اقترح رئيسه العماد ميشال عون انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي، من الشعب على مرحلتين، المرحلة الأولى ينتخبه المسيحيون وفـي المرحلة الثانية اللبنانيون.
من داخل قاعة مجلس النواب اللبناني |
وتأجيل الإنتخابات حصل بسبب الخلاف على قانون الإنتخاب الذي منه تتكوّن السلطة، وكان دائماً يفصّل ومنذ الاستقلال لخدمة مصالح سياسية وطائفـية، ولم يتمكّن مجلس النواب الحالي الذي انتخب فـي العام 2009 من الإتفاق على قانون جديد، وإن كانت الحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي تقدّمت بمشروع قانون، تتمّ فـيه الإنتخابات على مرحلتين الأولى على أساس القضاء والثانية على لبنان دائرة واحدة، لكنه توقف فـي مجلس النواب الذي مُدّد له بسبب الخلاف حول القانون، وللظروف الأمنية أيضاً، ولم يتمكّن النواب أن ينجزوا قانوناً جديداً كما وعدوا بعد التمديد، لا بل جرى تعطيل مجلس النواب وشلّ دوره ومهامه، فـي كل مرة يطرح مشروع أو اقتراح قانون لا يناسب هذه الكتلة النيابية أو تلك، وبات التشريع واقفاً عند مطالب تناسب المصالح السياسية لكل طرف سياسي.
فالترشيح للإنتخابات افتتحه الرئيس برّي هو نفسه مع كتلته النيابية، وقد فاجأ الجميع بما أقدم عليه، فـي وقت كان المتداول هو تمديد ثانٍ لمجلس النواب يمتد الى انتهاء ولايته، وهو أوصى النائب نقولا فتوش أن يحضّر اقتراح قانون للمجلس، وهذا الطرح كان قبل أن تعطّل «كتلة المستقبل» وحلفاء لها فـي 14 آذار جلسات التشريع، وفـي قضايا أساسية، مثل سلسلة الرتب والرواتب التي تهمّ شريحة واسعة من الأساتذة والمعلمين والموظفـين والعسكريين، وخاضت «هيئة التنسيق النقابية» نضالا عبر التظاهر والاضراب لتحقيق مطالبها، لكنها دون جدوى، لأن رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة لا يرغب فـي دفع المستحقات دون فرض ضريبة، كما أنه يسعى الى تمرير 11 مليار دولار تمّ صرفهم أثناء رئاسته للحكومة التي استقال منها وزراء حركة «أمل» و«حزب الله» وتوجد شكوك حول صرف هذا المبلغ.
فالرئيس برّي كان يميل مع النائب وليد جنبلاط الى تمديد قصير لمجلس النواب، لأسباب أمنية، إلا أن شغور موقع رئاسة الجمهورية، وعدم انتخاب سلف للرئيس ميشال سليمان، عقّد الوضع الدستوري والقانوني كما السياسي، بأن انتخابات نيابية قبل الرئاسية، يعني استمرار الشغور، إضافة الى أن الحكومة ستستقيل حكماً بعد إنتخاب مجلس النواب، فأين هو رئيس الجمهورية الذي سيجري استشارات نيابية ملزمة لتكليف شخص لتشكيل حكومة، وهي إشكالية مطروحة واستند إليها الرئيس سعد الحريري ليدعو الى أسبقية انتخاب رئيس للجمهورية على انتخاب مجلس النواب، حتى ولو تمّ التمديد له من جديد، وقد وافقه البطريرك بشارة الراعي وقوى سياسية أخرى، للدفع بإتجاه إجراء الإنتخابات الرئاسية وحثّ النواب على حصولها، لكن عدم الإتفاق على مرشح لها، والإنقسام السياسي حول المرشحَين ميشال عون وسمير جعجع سيؤجّلها الى وقت غير معلوم، مع محاولات ربط الإستحقاق الرئاسي بتطورات المنطقة، وهو ما طرح أيضاً فكرة التمديد لمجلس النواب، للأسباب نفسها التي اعتمدت فـي التمديد الأول وهي الإضطراب الأمني فـي أكثر من منطقة، والذي يحبّذه الرئيس برّي وأفرقاء سياسيون آخرون، باستثناء «التيار الوطني الحر» الذي اعترض على التمديد وقدّم طعنا أمام المجلس الدستوري الذي لم ينعقد أو لم يكتمل النصاب فـيه لمناقشة الطعن فـي المهلة الدستورية المحدّدة.
ووضع الرئيس برّي أمام الجميع استحقاق الإنتخابات النيابية فـي موعده القانوني، والذي حدّده وزير الداخلية نهاد المشنوق فـي 16 تشرين الثاني القادم، وقبل أربعة أيام من انتهاء ولاية مجلس النواب الدستورية، وأعدّ كل الترتيبات اللوجستية، إلاّ أنه ظلّ مشككاً بأن تحصل لأسباب أمنية وهو أكّد أن وزارته لا تستطيع تأمين الأمن بالكامل وبدعم من الجيش، لإنشغال القوى العسكرية والأمنية بمحاربة الإرهاب ورأس حربته تنظيم «داعش» ومعه «جبهة النصرة» وقد احتلا بلدة عرسال وجرودها، وخطفوا عسكريين الى مراكزهم العسكرية التي تضم حوالي خمسة آلاف عنصر، وهو ما يمنع حصول الانتخابات التي تفترض أن يقوم المرشحون لها بجولات انتخابية ومهرجانات سياسية وشعبية، وهذه بحاجة الى قوى عسكرية وأمنية لحمايتها، وهو غير متوافر لدى المؤسسة العسكرية والأمنية.
فالأسباب الأمنية تتقدّم لتأجيل الانتخابات والتمديد لمجلس النواب، لكن الرئيس برّي لا يريد تمديداً لمجلس لا يشرّع، ولا يقوم بمهامه وهو عاطل عن العمل، ولابدّ من تمديد مشروط إذا ما حصل، لا أن يكون مفروضاً على الشعب الذي هو صاحب الوكالة التي يمنحها للنواب، ولا يمكن أن يفرض التمديد عليه، دون أن تقدم له ما هو مطلوب من ممثلي الشعب أن يفعلوه وهو تشريع قوانين لتطوير المجتمع وتقديم مصلحته على أية مصلحة أخرى، ومراقبة الحكومة وعملها وما إذا كان أداؤها لصالح المواطنين، أم لمشاريع خاصة.
والترشيح للإنتخابات لا يعني حصولها، وقد كانت فـي موعدها القانوني قبل 17 شهراً، وقبل التمديد أكثر حضوراً وتفاعلاً بين المواطنين، وحركت الاوضاع السياسية والشعبية، ولم يكن الظرف الأمني كما هو اليوم مستقرا اكثر مع الهدوء فـي طرابلس وصيدا وبيروت ومناطق اخرى ، اما اليوم فإن الأجواء السياسية تميل الى أن الإنتخابات لن تحصل فـي هذه الفترة القصيرة، وإن جرت فلن تتغيّر خارطة مجلس النواب لجهة توزع الكتل النيابية، لأنه لا وجود لمنافسين حقيقيين، كما أنه لا توجد حماسة للإنتخابات التي ترافقها لقاءات ومهرجانات وندوات ورفع صور ولافتات، وحلقات تلفزيونية، فإن كل هذا النشاط لم يحصل بعد، لأن التمديد يتقدّم على ما عداه، وأن الرئيس برّي الذي هدّد بأنه مع إجراء الإنتخابات وهي أفضل من تمديد لمجلس نواب معطّل، فإنه رفع السقف السياسي لينال من «كتلة المستقبل» موافقة على حضور جلسات التشريع، وغير ذلك فإن الأوضاع قد تتّجه الى مزيد من التأزم السياسي، والإنسداد الدستوري، وتفرض البحث فـي أسس النظام السياسي، وسيقود حتماً الى أن يطرح مسألة تكوين السلطة.
وليست المرة الأولى التي يرفع فـيها الرئيس برّي سقف تفعيل مجلس النواب، وعدم ربط التشريع بمسائل تتعلّق فـي قضايا لا تمت بصلة الى عمل مجلس النواب التشريعي والرقابي، وهو مصدر السلطات، ولقد طرح وزير المال علي حسن خليل موضوع دفع الرواتب لموظفـي الدولة بإصدار قانون، لأن لا وجود لموازنة مصادق عليها من مجلس النواب ونوقشت فـيه، وهو حاول الضغط عبر قانون يصدر عن مجلس النواب يجيز الصرف للحكومة، ليفرض على الكتل التي تعطّل التشريع فـي مجلس النواب،ان تحضر وإلا فإن دفع الرواتب للموظفـين سيتوقف وان «كتلة المستقبل» لا يمكنها أن تقفل مجلس النواب، ولا يقبله رئيسه الذي اتّخذ قراراً بأنه لا يشرّع فـي ظل غياب مكوّن أساسي من مكوّنات الوطن، فعندما يقف نواب المستقبل بما يقدّمه الرئيس برّي من عمل ميثاقي، موقفاً سلبياً فـي التعطيل، فإن الإنتخابات النيابية تبقى أفضل من التوازن القائم داخل مجلس النواب والذي يعطّله عدم التوافق السياسي أيضاً.
Leave a Reply