ديربورن – علي حرب
شركة «فورد للسيارات» ليست فقط هي المعْلَم الشهير الوحيد دولياً الذي تفتخر به مدينة ديربورن. لقد أصبحت «حلويات ومنتوجات شاتيلا» سمة بارزة أخرى ترصِّع جبين المدينة وتعزز وجود الجالية العربية الأميركية المتنامي فـيها. وبسبب جودة ونجاح منتوجات «شاتيلا» ومذاقها تم شحنها إلى جميع أنحاء أميركا الشمالية التي سبقتها شهرتها اليها، كما أصبح محل حلويات «شاتيلا» قبلة للسكان المحليين من الذواقة، ومقصداً حتمياً وطبيعياً للزوار الآتين إلى ديربورن من كل أنحاء المعمورة.
الراحل رياض شاتيلا مع بناته ندى، تانيا وبتول |
صعود نجم منتجات «شاتيلا» ونجاحها الباهر يمثِّل قصة «الحلم الأميركي» والفضل يعود لرجل مغامر بدأ بمنتج بسيط من خلال بداية متواضعة ولكن خلّاقة، ونما ليصبح ماركة تجارية معترف بها عالمياً من خلال الالتزام والكد والاجتهاد. رياض شاتيلا، مؤسس شركة الحلويات التي سُميت بإسمه وافته المنية قبل عامٍ مضى ولكن عائلته حافظت على ذكراه وتراثه من خلال الاستمرار وتعزيز الشركة التي أحياها وأعطاها من عمره وجسده.
وبعد عام من خسارته فـي معركته الطويلة مع مرض السرطان، تتذكر الجالية ورجال الأعمال والعائلة, الراحل رياض شاتيلا، الذي توفـي فـي ٦سبتمبر(أيلول) ٢٠١٣، كرجل عمل بجد وعرق جبين لتكريس حلمه.
شاتيلا وعقيلته زينات |
أرملته زينات شاتيلا هي الآن رئيسة الشركة، فـي حين أنَّ ابنتيه تانيا وندى تتقاسمان منصب نائب الرئيس وتقومان معاً بإدارة العمليات اليومية للشركة المتنامية.
هاجر شاتيلا إلى الولايات المتحدة فـي عام ١٩٧٧ قادماً من لبنان وأنشأ فرناً فـي متجر صغير منزوٍ على شارع «وورن» بعد عامين من قدومه، قبل أن ينتقل إلى موقع أكبر على شارع «شايفر» فـي عام ١٩٨٤. بعد ذلك نقل المحل فـي نهاية المطاف إلى موقعه الحالي الواقع على شارع «وورن» منذ عام ٢٠٠٣.
صنع شاتيلا جميع منتجاته من الصفر وأحدث ثورة فـي طريقة عرض الحلويات الشرق أوسطية من خلال بيع البقلاوة وغيرها من الحلويات على الصواني، والذي سمح بشحن المنتجات إلى جميع أنحاء البلاد من خلال تبريدها للحفاظ على الجودة لأمدٍ أطول. وبسبب شحن الحلويات عبر حدود ولاية ميشيغن، جعل شاتيلا مذاق الحلويات العربية مُتاحاً ومألوفاً لدى الآلاف من الأميركيين خارج منطقة ديترويت.
ابنته ندى تحدثت عن تجربة الأسرة الصعبة والعاملين فـي الشركة فـي التعامل شخصياً ومهنياً مع فقدان والدها قائلةً «لقد كانت علاقته حميمية مع جميع الموظفـين وخسارته مأساوية بالنسبة لنا جميعاً. والشيء الأكثر أهمية بالنسبة له كان مواصلة العمل والحفاظ على تركته، هذه الوصية التي دفعتنا وجعلتنا أقوى كأسرة واحدة».
وأضافت ندى شاتيلا أنَّ والدها الراحل أعدَّها وأختيها تانيا وبتول لإدارة الأعمال التجارية، بينما كانت والدتها زينات موجودة معه منذ البداية.«لقد تعلمنا منه واتخذناه كمثال ولكن إشغال محله مباشرةً هو تجربة ليست بسيطة. لكننا تكيفنا بسرعة وساعدنا مختلف أفراد الأسرة، أمي وأخواتي وبعض العمَّات والأعمام»، كما قالت ندى. وأردفت أنَّ التحدي الأكبر الذي واجهها هو الإبقاء على معايير والدها العالية وتكرار التزامه وعلاقته المثالية مع الموظفـين.
وافتتحت شركة «حلويات شاتيلا» موقعاً لها جديداً فـي مدينة «غرب بلومفـيلد»، ووفقاً لندى شاتيلا كان المحل يبيع الحلويات ويدعى «بيستاشيو» وكان يقدِّم منتجات «شاتيلا». وكان أصحاب المتجر قد عقدوا اتفاقاً مع الراحل شاتيلا الأب بأنهم سيأتون إليه أولاً إذا أرادوا بيع المحل. وعندما قرر أصحاب المحل ترك المصلحة، حصلت شركة «شاتيلا» عليه عبر شرائه.
وأوضحت ندى شاتيلا أنها هي وعائلتها تبحث فـي إمكانية فتح محلات خارج حدود ميشيغن من أجل استيعاب طلبات الزبائن خارج الولاية. وأضافت أن العمل استمر بنمو مطرد بعد وفاة والدها، حيث ارتفع الإنتاج بنسبة ١٠ بالمئة خلال العام الفائت. وفـي الأسبوع الماضي، فازت «حلويات شاتيلا» بجائزة العام لأفضل الحلويات الشرق أوسطية فـي جنوب شرق ميشيغن من قبل الموقع الإلكتروني «كليك اون ديترويت» التابع للقناة «الرابعة التلفزيونية المحلية». وكان «شاتيلا» فاز بنفس الجائزة فـي عام ٢٠١٢ ولاحظت ندى أنَّ الإبقاء على الجائزة التي حاز عليها والدها هو دليل على أن المحل حافظ على جودة منتجاته وعلى ثقة المستهلك. وكانت أسرة الفقيد قد أحيت الذكرى الأولى لرحيله فـي الأسبوع الماضي بمدافن «الحدائق التذكارية الإسلامية» فـي مدينة «ويستلاند» حيث ووري الثرى فـي العام الماضي.
وقال رجل الأعمال ومؤسس «النادي اللبناني» علي جواد فـي الراحل رياض شاتيلا بأنه يجسد فعلاً ومضموناً الحلم الأميركي «إننا كنا نسمع قبل مجيئنا إلى هذه البلاد بأن أميركا بلد تتحقق فيها الأحلام. «فأثبت رياض شاتيلا بأنها فعلاً ذلك ولا تزال».
أما الناشط الإجتماعي غسان الحوراني فقد وصف شاتيلا «بالرجل المعطاء الذي لم يرفض طلباً لأي مؤسسة أو إنسان تقدم إليه بحاجة. وأضاف حوراني «كان رياض شاتيلا يعطي من قلبه وليس فقط من جيبه، وكان متواضعاً يرفض الأضواء». وأشار حوراني أن زوجة الراحل السيدة زينات كانت شريكة فـي القرار وكان يستشيرها فـي أعماله الخيرية التي كانت فـي معظم الأحيان تزيد من حجمها لدعم المحتاجين والمؤسسات الفاعلة. ختم حوراني «أن رياض شاتيلا كان رجلاً طموحاً معطاءاً عمل جاهداً حتى خلال فترة مرضه ليكون إنتاجه مشرفاً ويليق بزبائنه».
وقالت عالمة النفس من ديربورن هدى أمين إنَّ نجاح «شاتيلا» هو نتاج مباديء العمل الأخلاقية الراسخة ودعم زوجته الرائعة والعائلة. يذكر أنَّ أمين عاشت مدة قرب متجر شاتيلا الأول على شارع «وورن».
وأضافت أمين «لقد كان رجلاً صاحب إيمان يقوم بالعمل الخيري والعمل الجاد ويجسد القيم الطموحة لدى العرب الأميركيين».
وعقبت «نحن أصحاب خلق مشاريع اقتصادية بطبيعتنا لأننا جئنا من بلدان مضطَّهِدة، لهذا السبب فإننا نحلم أحلاماً كبيرة. نحن مواظبون ونحن دائما نعمل بجد لتحقيق أهدافنا».
حسن بزي، رئيس منظمة «تجمع سكان ديربورن هايتس» وصف شاتيلا بأنه نموذجٌ يُحتذى به وقال «كان من الشعب وللشعب، وهو رجل مميز، متواضع، ورجل أعمال من الدرجة الأولى ومؤسسته ستكون دائماً جزءاً من تاريخ نمو الجالية المتزايد. لقد كرس الكثير من الدعم للجالية ومنظماتها ونحن نفتقده كثيراً ونشجع الناس على اتباع دربه المفعم بالتفاني والالتزام تجاه الجالية». وبالنسبة لاستمرار نمو حلويات شاتيلا بعد وفاة مؤسسها، قال بزي «يعود الفضل إلى تفاني شاتيلا وقد تعلمنا من «حلويات شاتيلا» انه عندما تضع الأساس الصحيح من أول يوم، وتؤمن فـي ما تفعله، سيبقى حتى بعد رحيلك». بزي، الذي كان صديقا لشاتيلا فـي أواخر أيامه أكد «أنَّ زوجته وبناته والأشخاص الذين شاركوا فـي الإدارة لعبوا أيضاً دوراً كبيراً فـي اتباع خطاه والحفاظ على استمرار نجاح الشركة وتطويرها».
وقال الحاج محمد طرفة مؤسس «نادي بنت جبيل» «إنَّ «حلويات شاتيلا» تضع مثالاً حيَّاً أمام الجالية فـي كيفـية الحفاظ على المؤسسات»، واصفاً الراحل برجل الأعمال اللطيف الناشط وقد ساعد الجالية وأمَّن الوظائف للكثير من الناس فـي جاليتنا».
Leave a Reply