بيروت – كمال ذبيان
بات لبنان يصنف من الدول التي تواجه الإرهاب، وأن ما ينتظره هو خطر أكبر، مما مرّ فـيه، وأن الحريقين السوري والعراقي المشتعلين فـي محيطه، تمدّدا إليه، عند حدوده الشمالية والشرقية المتاخمة لسوريا، وليس بعيداً أن يصل الحريق الى بقاعه وجبله وعاصمته مع ارتفاع أصوات التهديد من قبل الجماعات التكفـيرية من «جبهة النصرة» و«داعش» التي لها أتباع فـي الداخل اللبناني، وأقامت لها قواعد وخلايا فـي العديد من المناطق والمخيمات الفلسطينية، وباستطاعتها فـي التوقيت الذي تريده أن تشعل لبنان من أقصاه الى أقصاه، وقد هيأت البيئات الحاضنة لها من خلال هيئات وتيارات وحركات إسلامية تتعاطف معها، وتتوافق بالهدف مع مشروعها لإقامة «خلافة إسلامية» كمثل «هيئة العلماء المسلمين» و«الجماعة الإسلامية»، وغيرهما من مجموعات أخرى مسلّحة، حيث تتقدّم طرابلس كل المناطق التي يتحرّك فـيها «الإسلاميون المتشدّدون»، وإن كان أهلها لا يريدون أن تنزلق مدينتهم بإتجاه إقامة «إمارة إسلامية» وقد شهد عليها البعض فـي ثمانينات القرن الماضي، لكنها لم تدم سوى لسنوات قليلة.
فالقلق مما ينتظر لبنان هو ما بدأ يسيطر على أبنائه، مع التمدد المستمر لـ«داعش» سواء فـي العراق أو سوريا، بالرغم من التهديد الدولي بوقف زحف هذا الخطر الوجودي، وتركيب تحالف للتصدي له ولو جويّاً، وأن الواقع على الأرض اللبنانية لا يبشّر بالتفاؤل مع الذبح المستمر للجنود المختطفـين من قبل «داعش» و«النصرة»، وقد أحدث ذلك توتراً أمنياً داخل لبنان، وارتفاعاً للخطاب المذهبي، وتشكيكاً بمؤسسات الدولة عن أنها عاجزة عن استرداد أسراها من العسكريين الذين يقطع اهاليهم الطرقات دون حل لقضبتهم يقابله تهديد من قبل قوى إسلامية لبنانية متعاطفة مع الجماعات التكفـيرية، برفض قيام الجيش بأي عمل عسكري ضد المسلحين الخاطفـين فـي جرود عرسال، لأنه سيعرض «البلدة السنّيّة» للخطر من قصف وقتل ودمار وتهجير.
وبات الشريط الحدودي الممتد من عكار شمالاً الى شبعا جنوباً، مروراً بعرسال ومحيطها، ووصولاً الى عين عطا وعيحا وكفرقوق عند سفوح جبل الشيخ، منطقة تعيش على فوهة بركان يمكن ان ينفجر حيث ينتشر المسلحون عند أطراف الحدود اللبنانية – السورية من الجماعات التكفـيرية، الى جانب وجود آلاف النازحين، واصبحت هذه المناطق بعين العاصفة، إذ أن ما حصل فـي عرسال، لجهة استهداف الجيش من المسلحين، قد يطاله فـي مناطق أخرى، وأن القلق هو من أن صمود الجيش الذي يراهن عليه البعض قد لا يطول أمام قلة السلاح النوعي الذي يفتقده، إضافة الى الهجمة عليه وتصنيفه على أنه «جيش صليبي» ويأتمر بأوامر «الشيعة الرافضة»، وهو يستهدف السّنّة ومناطقهم مما يضعه فـي موقع صعب، وهو ما حصل أثناء معركة عرسال، إذ تمّ تقييد حركته العسكرية فـي مواجهة الإرهابيين تحت ذريعة عدم التعرض لعرسال السنّيّة، التي دعت «هيئة علماء المسلمين» لنصرتها ووصفتها بأنها ذبيحة، دون أن ترى أن مسلحين تكفـيريين تتواصل معهم «هيئة العلماء» وتلوذ بفكرهم، هم مَن يقومون بالذبح والمسلّحون الذين تمكنوا من خلال خطفهم للعسكريين، واحتلالهم لعرسال بإخضاع قرارها لهم، لتفرض الفوضى الأمنية والسياسية فـي لبنان، ولتتمكن من إسقاط الجيش، بالتشكيك به، وتعطيل دوره، والسيطرة على لبنان الذي بات أمام مفترق خطير، إذ السباق على التسلّح قائم بين اللبنانيين، و«الأمن الذاتي» أصبح أمراً واقعاً لا مفر منه، وقد بدأ يتسبب بإشكالات أمنية، تبدأ مع النازحين السوريين، لتتحوّل بين اللبنانيين، كما حصل فـي منطقة راشيا، عندما أوقف مسلحون فـي عين عطا باصاً كان على متنه سوريون يجري تهريبهم الى لبنان لقاء مبالغ مالية من قبل مهربين من أبناء شبعا وجوارها، وقد حصل إطلاق نار قتل على أثره سوري وجُرح آخرون، وتطوّرت الحادثة عندما انتصر مواطنون من شبعا ينتمون الى «الجماعة الإسلامية» لركاب الباص، مما خلق أزمة، بعد أن بدأ التداول عن تبادل شتائم اتخذت طابعاً دينياً وطائفـياً، من قبل عناصر تنتمي الى الحزب التقدمي الاشتراكي ومواطنين من شبعا، وكاد الأمر أن يتطوّر لأن كلا الطرفـين ينتميان كل منهما الى مذهب، فشبعا سنّيّة بأغلبيتها وعين عطا درزية، وقد زاد من الاحتقان، أن فـي المقلب الآخر من سفح جبل الشيخ الغربي فـي الجانب السوري، تحصل اشتباكات بين مسلحين معارضين للنظام فـي بيت جن وغيرها من البلدات ذات الطابع السنّي، وآخرين فـي عرنة وحضر التي يقطنها دروز.
وكاد أن ينفجر فـي المنطقة صراع سنّي – درزي، لولا تدخل النائب وليد جنبلاط وبقوة، وإرسال الوزير وائل أبوفاعور وهو ابن المنطقة ونائبها لضبط الوضع ومحاصرة الفتنة، التي تطل فـي أكثر من منطقة، وأعادت اللبنانيين الى مرحلة الحرب الأهلية، من خلال عمليات الخطف والخطف المضاد على الهوية، وحصلت بعض أعمال الخطف فـي بعلبك من قبل أهالي عسكريين، قاموا بتوقيف مواطنين من عرسال، تدخلت فاعليات المنطقة وعشائرها، كما مارس «حزب الله» وحركة «أمل» ضغوطهما لإطلاق سراح المخطوفـين من أبناء عرسال، وادانها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ومنع تكرار ما حصل، وتمّ تطويق الفتنة التي لم تنجح محاولات التكفـيريين بوقوعها بين عرسال ومحيطها من البلدات الشيعية والسنّيّة، رغم القصف عليها من قبل المسلحين فـي جرود عرسال، وحصول احتجاز لمواطنين، فإن الوضع مازال تحت السيطرة وهو ما سعى إليه النائب جنبلاط فـي قضاءي حاصبيا وراشيا، إذ قام بجولة فـي المنطقة هي استكمال لما بدأه فـي عاليه والشوف فـي الجبل، للحفاظ على الاستقرار ورفض التسلح والأمن الذاتي، والوقوف وراء الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية، وبعد أن بلغته معلومات عن أن الأهالي يرفضون النوم على حرير التطمينات فـي أن الجيش يحميهم وقد رأوا ما حل بالموصل مع وجود الجيش العراقي الذي انهار، وكذلك ما جرى فـي البلدات الكردية شمال سوريا، وأن الحماية الذاتية لا بدّ أن تقوم الى جانب الجيش اللبناني الذي لا يمكنه أن ينشر قواته فـي كل المناطق، وقد يتأخر للوصول إذا ما حصل هجوم من مجموعات مسلحة تكفـيرية، باتت على امتداد العالم، تهدد دولاً وجماعات.
ويحاول جنبلاط أن يحفظ الوجود الدرزي فـي بقعة جغرافـية من لبنان الى سوريا وفلسطين المحتلة، ولا يتجاوز تعداد الدروز فـي هذه الدول المليون، وهم أقل بكثير من «الإيزيديين» الذين شهر بعضهم إسلامهم ممن بقي منهم فـي بلداتهم، ومنهم مَن تهجّر من سنجار فـي محافظة نينوى العراقية، وهو ما يخشاه أبناء طائفة الموحدين الدروز التي أكّد جنبلاط على إسلامها وبروزه فـي شبعا ومن دار افتاء البقاع وتعهد ببناء مساجد كانت موجودة فـي الجبل وفـي بلدته المختارة وعبيه، وإن حصل خلاف فقهي أو عقائدي مع المذاهب الإسلامية، وهو قصد حماية أتباعها، وأعلن أن العاهل السعودي وخادم الحرمين الشريفـين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قال له، إن بني معروف عشيرتي وهم مسلمون مثلنا يجب الحفاظ عليهم وحمايتهم والدفاع عنهم.
وهي رسالة أراد جنبلاط أن يوصلها لتأمين حماية سعودية للدروز الذي ما فتأ يبشر أو يتنبّأ أنهم سينقرضون كأقلية فـي البحر المسلم السنّي.
إن لبنان أمام مرحلة مصيرية كما المنطقة والعالم أيضاً، فهو فـي زمن التحولات الجغرافـية والديمغرافـية، وأن أقلياته تتنازعها الهويات، وقد مرّلبنان بها فـي منتصف القرن التاسع عشر، عندما اقتتل الدروز والموارنة فـي زمن السلطنة العثمانية، فحضرت الدول السبع، لحماية الأقليات، وتبنّت كل دولة طائفة ومذهباً، عبر بروتوكول وقّع فـي العام 1860، ليحكم القناصل لبنان، مع تهاوي أو تراجع هيبة السلطة العثمانية.
فالهويات قاتلة كما وصفها الكاتب أمين معلوف، وكيف إذا كانت طائفـية ومذهبية وإثنية، وغابت عنها الهوية الوطنية والقومية، وتراجعت فكرة الدولة – الأمة، بمعناها الوطني، لتتقدّم فكرة الدولة – الخلافة مع بروز «الإسلام السياسي» بشقه التكفـيري الذي يحاول ان يفرض وجوده بالسلاح والاقتتال والحروب فـي كل دول العالم، ليكرّس نظامه المستمد من الإلتفاف على الشريعة الإسلامية.
Leave a Reply