خليل إسماعيل رمَّال
أشرف رئيس عربي قام بانقلاب ضد نظام فاسد هو المشير السوداني عبد الرحمن محمَّد حسن سوار الذهب الذي قام خلال انتفاضة العام ١٩٨٥ بالإطاحة بحكم الدكتاتور جعفر النميري، بصفته أعلى ضباط قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات ثم قام بتسليم السلطة للحكومة المنتخبة فـي العام التالي رافضاً أنْ يترشح للرئاسة أو يحتكر الحكم. هذا حدث قبل ثلاثة عقود تقريباً من لعنة «الربيع العربي». سوار الذهب الذي يجب أنْ يذكره التاريخ بأحرف من ذهب، ذَهَبَ الى المجهول من دون جلبة وضوضاء وتناساه العرب الذين لم يعهدوا هذا التعفُّف عن السلطة والتنازل عنها بهذه السهولة ولهذا لم يوجد له نظير بين الحكَّام الحاليين.
وأنظف ثورة حصلت خلال «الخريف العربي» بعد ثورة المقاومة فـي لبنان، هي ثورة الحوثيين الذين تمكَّنوا من خلال انتفاضتهم المطلبية من استقطاب كل فئات الشعب اليمني وعندما كانوا قادرين على الاستيلاء بسهولة على السلطة والحكم لوحدهم أظهروا تعفُّفاً أيضاً «سوارياً ذهبياً» وقرروا البقاء بين أوساط الشعب والمعارضة لحماية منجزات الثورة وقاموا بتسليم السلطة لحكومة وطنية جامعة إلى درجة أنَّ السعودية، غريمتها الأولى، وافقت على التسوية بين الحوثيين والحكم بوساطة أممية!
ثورة الحوثيين أعادت التوازن إلى الخلل الذي اعترى النظام العربي من خلا بروز تنظيم «داعش» الإرهابي الذي سيطر على مساحاتٍ واسعة فـي سوريا والعراق معلناً «دولةً» إسلامية وخليفة. لكن المنطقة تبقى حبلى بالمتناقضات التالية:
١- لا أحد يعرف بالضبط سر قيام الولايات المتحدة بتزعم ائتلاف عسكري لمحاربة «داعش» من الجو رغم وجود طرق فعالة أكثر مثل تجفـيف موارد التمويل للإرهابيين الذي يقدمه حلفاؤها المنضوون اليوم فـي الحرب ضد «داعش» ووقف ممرات العبور المفتوحة على مصراعيها من قبل تركيا. كما أنَّ ضرب مواقع فـي سوريا من قبل قوى التحالف هو تطور خطير قد يؤدي الى عواقب وخيمة.
٢- يحار المرء فـي الموقف الذي يجب أنْ يتخذه. فمن ناحية، يفكر فـي خطر الطاعون السياسي الداعشي الذي يجب استئصاله بعد ازدياد شروره الجاهلية الطاعنة بالدين والإنسانية، ولكن من ناحية ثانية، هذه الحرب المزعومة ليست حقيقية وليست نظيفة ولديها أجندة خاصة خصوصاً بعد انتشارها الى سوريا والإغارة على مبانٍ خالية فـي الرقة ودير الزور التي تركتها قوات «داعش»!
٣- المعروف أنَّ أميركا لا تقوم باي عملٍٍ من شأنه إلحاق الضرر بمصالح إسرائيل و«داعش» لا تشكِّل أي خطر على الصهاينة بدليل أنَّ مسلحي المعارضة السورية يكادون يبنون شريطاً حدودياً فـي القنيطرة على شاكلة دويلة سعد حدَّاد، وبحمايةٍ من العدو الاسرائيلي الذي أسقط مقاتلة سورية كانت تضرب مواقع المسلحين.
٤- ربَّما علينا شكر التحالف الاميركي العربي ضد «داعش» بعد «ظهور» الطائرات الحربية العربية «الباسلة» للدول الخليجية التي شاركت بفخر فـي ضرب مواقع فـي سوريا، خصوصاً الطيران الملكي الأردني الذي لم نر طلائعه منذ ١٩٧٠ عندما قام بإبادة المقاتلين الفلسطينيين فـي مجزرة «أيلول»! لقد كنَّا نظن أنَّ الطائرات العربية قد أكلها الصدأ رغم صفقات الأسلحة التي تُعدُّ بالمليارات سنوياً ولكنها لم تتحرك اثناء حرب الإبادة الصهيونية ضد غزَّة!
٥- التناقض الظاهر الأبرز هو فـي التقارب الإيراني السعودي الجديد والتباين بين حلفاء الممانعة حول ضرب أهداف داخل سوريا وبعد تشدد ايران والمقاومة وروسيا مقابل مرونة سورية لافتة بسبب دقة وحراجة الوضع السوري المحاط بالعداء من كل جانب. ولا يمكن فهم تقارب ايران مع السعوديين مقابل رفضهم للحلف الاميركي ضد «داعش».
٦- لبنان يقف بين فكي كماشة بعد خدعة المليار دولار للجيش اللبناني الذي يعجز عن إكمال حربه ضد إمارة الإرهاب فـي طرابلس وعرسال ويتركها مع خلاياها النائمة تسرح وتمرح ثم يغزو مخيمات اللاجئين السوريين الذين يتم دفعهم لاحضان الإرهاب ويعطي «داعش» دعاية مجانية.
الجيش يعرف أين شادي المولوي وميليشيات «النصرة» وكتائب عبدالله عزَّام وغيرهم ولكنه لا يحرك ساكناً بينما تمَّام سلام يسافر إلى نيويورك وكأنَّ الوضع فـي البلد تمام بتمام. سلام يمثل قمة العجز والفشل مثل البلد والنظام المتخاذل المتواطيء. فما نفع رحلته وأهالي العسكريين يكادون يموتون رعباً على أولادهم؟!
لقد حقَّق فريق «داعش» السياسي نصراً جديداً على النيام فـي ٨ آذار خصوصاً النوائب الساعين إلى التمديد لولايتهم غير الميمونة. فقد نجحت «داعش» وأذنابها بتحريض الأهالي على المقاومة رغم توضيح السيِّد حسن نصرالله. ذلك أنَّ إعلام«داعش» وفريق ١٤ آذار، تمكَّن كالعادة من منع حتى مطاردة الإرهابيين وتكبيل يد الجيش وحجب الغطاء السياسي عنه ومنع القبض على المطلوبين. ألم يجتمع سعد الحريري مع رئيس بلدية عرسال علي الحجيري المحكوم بالإعدام؟!
لا أحد يلوم أهالي العسكريين المخطوفـين الذين يحترق قلبهم على فلذات أكبادهم كل دقيقة، لكن مصيبتهم انهم فـي «شبه وطن» لا يملك مقومات الدولة ولا حتى السوبرماركت! وهكذا نجح مخطَّط «داعش» بقيام الأهالي بالمطالبة نيابةً عنهم بإطلاق سراح الإرهابيين المجرمين من سجن رومية حتى تكتمل عصابات القتل والإجرام، مثل زوجة الجندي نزال التي طالبت السيِّد حسن بالمبادلة و«بوقف سفك الدماء». ورغم أنَّ اللوم لا يجب أنْ يوجَّه إلى الأهل المفجوعين إلا أنَّ المسؤولية تقع على نيام ٨ آذار الذين عليهم القيام برد الشبهات والتوضيح بدل أنْ يبتلعوا ألسنتهم. أين أصبح وهَّاب وقنديل وزهران وغيرهم؟
فـي كل بلدان العالم، حتى المتخلِّفة منها، تقوم الدنيا فـيها ولا تقعد اذا خُطف أحدٌ من أفرادها وفـي أميركا أنهى الرئيس الأسبق جيمي كارتر حياته السياسية بعد أنْ علَّق مصير رئاسته على مصير الرهائن الأميركيين فـي إيران.
اما عندنا فـي لبنان، فشتان ما بين سوار الذهب المتعفِّف والنائب أو المسؤول اللبناني المتعسِّف!
Leave a Reply