الناشر الراحل لجريدة «النهار» اليومية اللبنانية غسان التويني أصدر فـي عام ١٩٨٥ كتاباً بعنوان «حرب الآخرين» وكان الافتراض الذي قدَّمه الكتاب أن الحرب الأهلية اللبنانية الطاحنة آنذاك كانت حرباً بالوكالة، خاضتها على الأرض اللبنانية القوى الإقليمية والدولية من خلال الفصائل والمليشيات اللبنانية المتحاربة.
اليوم يتكرر المشهد ولكن بشكل اوسع، حيث نشهد حروب الآخرين المتعددة وهي تتداعى فصولاً فـي جميع أنحاء العالم العربي، من الصومال الى ليبيا إلى سوريا إلى اليمن الى مصر والقادم اعظم، حيث تقوم الدول الكبرى والإقليمية والشقيقة أيضاً للأسف، بتصفـية حساباتها على الأرض العربية التي مازالت مأسورة ومطوّْقة بالإستعمار الخارجي الظاهر والمُقنَّع.
اليمن السعيد هو مهد الحضارة العربية، لكنه للأسف أصبح يعكس ويمثِّل بشكل درامي كبير حالة البؤس العربية الشديدة بسبب الأوضاع المتردِّية وتفتيت الشعب العربي. فالناشطون فـي الحراك الجنوبي المسمَّوْن بـ«الإنفصاليين» يريدون إقامة دولتهم، والمتطرفون المرتبطون بتنظيم «القاعدة» يشنُّون حرباً ضروساً ضد الحكومة المركزية ويتمددون فـي بعض مدنها واقاليمها. أما«الحوثيون» الزيديون فقد أحكموا سيطرتهم على العاصمة صنعاء ويطالبون بتقاسم السلطة. والحكومة المحاصَرة من كل حدبٍ وصوبٍ، غالباً لأسباب تعود الى عجزها الذاتي الذي هو من صنع يديها، تنازع للحفاظ على الهدوء والنظام العام ودعم شرعيتها وشعبيتها المفقودة بسبب المطالبة الشعبية فـي حياةٍ كريمة تتساوى فـيها الحقوق والواجبات. الجميع يحارب الجميع وهم يتلهون بالنزاعات التي تركت الكثير من أبناء الشعب اليمني الطيِّب على حافة اليأس والفقر والهجرة لمن استطاع سبيلاً.
إنَّ الصورة القاتمة الحالية، التي تدمي قلب كل مواطن عربي على ما آل إليه اليمن السعيد الذي أضحى مكتئباً، لم يكن بالإمكان تصورها قبل ثلاث سنوات عندما شارك الملايين فـي الثورة الشعبية المؤيدة للحرية والديمقراطية والتي أدت للاطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح.
فضربات الطائرات الأميركية من دون طيار والتدخلات السعودية والإيرانية السافرة فـي شؤون اليمن هي برهانٌ ساطع على أن اليمنيين يحولون بنادقهم ضد بعضهم البعض لخوض حرب الآخرين على أرضهم. لقد أصبح اليمن ساحة لمواجهة سعودية إيرانية أخرى، وأرضية لحربٍ مذهبية ومعركة قبلية عنيفة لا تبقي ولا تذر بل تحطِّم أحلام الشعب اليمني الطيب فـي الحرية والتقدُّم والازدهار.
والذين يستدعون التدخلات الخارجية إلى بلدهم هم قوى ذات توجه إقصائي متطرِّف. لذا فالبديل الوحيد لكل هذه الأوضاع المأساوية هو الحوار والتعايش فقط ويجب على الفصائل اليمنية وضع أسلحتها جانباً والتلاقي معاً من أجل حل خلافاتها ومعالجة مظالمها سلمياً.
وسائل الإعلام الغربية المنحازة عندما تذكر اليمن، غالباً ما تشير إليه على أنه الجار المحاذي للسعودية، أكبر منتج للنفط فـي العالم. الإمبريالية الغربية والعالمية دائماً تنظر إلى الدول الأضعف من خلال عدسة الطمع فـي استغلال مواردها. ولكن هناك صفات أكثر وأعز وأنقى فـي اليمن من مجرد مجاورتها لحقول النفط والغاز، فـي اليمن موئل حضارة عظيمة، من سد مأرب الكبير إلى عجائب الدنيا الهندسية حيث بُنيت أول ناطحات سحاب فـي العالم. كما أنَّ اليمن هو منبع العزة والشرف والكرم والأصالة. لا ينبغي أن تقع فـي هاوية الحرب الأهلية العبثية التي يمكن أنْ تدمر البنية التحتية للبلد وتعبث بالنسيج الشعبي الإجتماعي.
يجب على اليمنيين أنْ لا يسمحوا لأنفسهم فـي أنْ يصبحوا أدوات المواجهة نيابة عن الدول الأخرى ووقوداً لحربهم، والحوار هو السبيل الأوحد للخروج من خطر الانقسام والتشرذم يحدوهم فـي ذلك تغليب الحسّ الوطني العام على بقية الإنحدارات وليتعظ الشعب اليمني لما حدث حوله وما آلت إليه حصيلة الفتن والمآسي ومعارك التطهير الإثني والطائفـي والحروب الأهلية خصوصاً فـي لبنان وسوريا والعراق والصومال، وكما يقول المثل «من جرَّب المجرَّب، فعقله مخرَّب».
Leave a Reply