مريم شهاب
إن كنت غريباً مثلي أقام طويلاً فـي المهجر وظل عربي الهوى، ولايزال قلبه معطوباً بحب وطنه. وبقيت روحه معتصمة بحبال الإيمان بالله المدبّر لهذا الكون العظيم. فماذا تتوقع حين تفتح أية وسيلة تكنولوجية؟؟ تلفزيون أو أنترنيت.
سوف ترى العديد من الأفلام الإباحية، تتثائب أمامها ضجراً، أو مسلسلات تافهة تخلط السم بالدسم لترسيخ صورة اليهودي/الغربي الطيب، مقابل صورة المسلم البشع الإرهابي أو الثري السفـيه. صار العربي المسلم العدو الأوحد للحضارة الغربية. وكل المسلمين دواعش وإرهابيين، كما تصوره معظم وسائل الإعلام الغربية المضلّلة أو الخاضعة تحت سطوة المنظمات الصهيونية التي يساعد على إثباتها الكثير من الأعراب بحماقاتهم.
الأسبوع الماضي وعلى إحدى القنوات المحلية الأجنبية هنا فـي ديربورن، شد إنتباهي صوت الأذان. معقول! الأذان على شاشة تلفزيون أميركية، فـي ليلة باردة خريفـية كأنها قادمة من لبنان. إعتقدتُ فـي بادئ الأمر أن صوت الأذان آت من مخيلتي لشدة البذاءة التي أسمعها هنا وهناك تهزئ وتكّفـر الدين الإسلامي. لكن بعد الصوت توضحت الصورة أمامي: إنها مكة المكرمة!.
صوت الأذان، يخشع له قلب السامع، حتى ولو لم يكن مسلماً. هو النداء الروحاني الذي كنا نسمعه بخشوع فـي القرى والمدن العربية، قبل «جعير» مكبرات الصوت والميكروفونات الناعقة.
قلت فـي نفسي، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، حتى هذه القناة الرسمية التي لا دعايات سمجة عليها، ركبت موجة إستغلال الإعلام ضدنا كمسلمين. «شو هالعلقة»؟ لكني أكملت المشاهدة.
بعد الأذان راحت الكاميرا وبصورة بهية وبديعة تنقل كيف المصلين يؤدون الصلاة فـي خشوع وروحانية فـي جوامع نظيفة تزخر بالفن الإسلامي البديع، البعيد عن البذخ والإسراف. ويعلق المذيع بنبرة معتدلة وكلمات إنكليزية معبرة بأسلوب سهل ممتع يشرح الجانب الروحي الإيجابي والسامي فـي الإسلام على حد تعبيره، وينقل للمتفرج الغربي فـي عبارات راقية مناسك الحج وشعائره، التي تمتد على مدى عشرة أيام. مثلاً حينما قدّم مشهد رجم الشيطان، فسّره للمشاهد غير المسلم كأسلوب بسيط وعفوي لرفض الشر.
توالت المشاهد من غار حراء وجبل النور والمساجد والمنائر فـي مكة المكرمة حتى المدينة المنورة، يتابعها المذيع بلهجة بيانّية، ذكية ومشوقة غير مسيئة إلى جوهر الدين الإسلامي. بل على العكس من ذلك تؤكد ديمومته (الدين) حين تصور الناس من كافة الأعراق والبلدان والقارات والأجناس، تهوي أفئدتهم إلى أول بيت وضع للناس، جميعهم جنباً إلى جنب يؤدون فريضة الحج. فـي لقطات صادقة ومعبرة. قوافل من البشر فـي ثيابها التقليدية والفولكلورية المحلية. جاءت من كل فج عميق على حسب تعبير المذيع إلى مهرجان المحبة الإنسانية وليس إلى إحتفال همجي للقتل والظلم والإرهاب كما يحدث الآن فـي بعض البلاد العربية، والتي للأسف تركز وسائل الإعلام الغربية عليها.
فرح عظيم غمرني وأنا أشاهد صورة مشرقة عن شعائر إسلامية قلما نراها، حتى فـي قنوات «الجهالة العربية»، خصوصاً وأن الشريط تم تصويره وإنتاجه بأسماء عربية، ونجا من إسلوب الخطابة والمديح الفارغ كالكثير مما نقدمه عن أنفسنا للغرب.
كل عام وانتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
Leave a Reply