بيروت – كمال ذبيان
لم يكن مضى 48 ساعة على صد «حزب الله» لهجوم «جبهة النصرة» على جرود بريتال عند الحدود اللبنانية – السورية، حتى فجّر عبوة ناسفة بدورية للعدو الإسرائيلي فـي مزارع شبعا المحتلة عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة موقعاً جريحين فـي صفوفها.
فالمعركة واحدة من الجبهة الشرقية الى الجبهة الجنوبية بمواجهة عدو واحد، الأول تكفـيري والثاني استيطاني، وهما وجهان لعملة واحدة، يستهدفان الوجود والحرب ضدهما وجودية، إذ أن كلاًّ منهما له مشروعه الديني الذي يستهدف اقتلاع الآخر، إذ اقام اليهود دولتهم على أساس ديني مستند الى نصوص توراتية، والجماعات التكفـيرية يقوم مشروعها لإقامة «دولة الإسلام» على أساس ديني، بتحريف نصوص قرآنية، ويتشابه المشروعان الإسرائيلي والتكفـيري فـي عمليات القتل وارتكاب المجازر والتهجير والتمييز ورفض الآخر، فالمشروع الصهيوني قامت به عصابات الهاغاناه وشتيرن، والمشروع التكفـيري بالتفسير المنحرف عن الإسلام ينفذه تنظيم «القاعدة» وما تفرّع منه من عصابات كـ«النصرة» و«داعش» فـي سوريا والعراق، و«بوكوحرام» فـي نيجيريا، و«أنصار المقدس» فـي سيناء، ومسميات أخرى فـي دول عدة
فالهجوم الذي شنّته «جبهة النصرة» على مواقع لـ«حزب الله» فـي جرود بريتال، كان متوقعاً، مع اقتراب فصل الشتاء الذي يصعب فـيه على المسلحين التابعين للنصرة و«داعش» والفارين من البلدات التي حرّرها الجيش السوري فـي جبال القلمون، من أن يقيموا فـي مناطق غير آهلة تعلو فوق 2200 متر وتكسوها الثلوج، ولا تستطيع بعض المغاور فـي الجرود استيعاب آلاف المسلحين الذين أقفلت الطرق فـي وجههم، منذ أن تمّ طردهم من بلدات القلمون فـي الربيع الماضي، حيث حاولوا تكرار العودة إليها مرات عدة، فكانوا يقعون فـي كمائن نصبها لهم الجيش السوري و«حزب الله»، إضافة الى حقول ألغام توزّعت على السلسلة الشرقية لجبال لبنان، لقطع المنافذ عليهم، ولم يبقَ لهم سوى منفذ الى عسال الورد وفليطا وسرغايا والطفـيل، لكن دون أن تمكّنهم من أن يتّقوا برد الشتاء القارس، إذ سيكون وضعهم الجغرافـي سيئاً جداً، مع انقطاع خطوط الإمداد عنهم، وهم يضعون ضمن شروطهم لإطلاق سراح العسكريين المخطوفـين لديهم، تامين ممر إنساني لهم ليتزوّدوا بالمواد الغذائية والمياه ووسائل التدفئة إلخ… لكن حصار الجيش لمواقع انتشارهم فـي جرود عرسال وفصلها عن البلدة، وضعهم مع المسلحين المنتشرين فـي بعض جرود القلمون فـي حالة صعبة، إذ أن نزولهم الى عرسال سيعني معركة مع الجيش اللبناني، وأن توجههم نحو الزبداني سيضعهم بمواجهة الجيش السوري، فكان قرار «النصرة» التي تتمتع بوجود عسكري أقوى من «داعش» بالهجوم على بريتال والتقدم منها نحو السهل والإقامة فـي المنطقة والتمدد منها، كما كانت الخطة فـي عرسال بالسيطرة عليها والتقدم نحو بلدة اللبوة وجوارها عندما تمت مهاجمة مراكز الجيش فـي 2 آب الماضي، والذي تصدّى للمسلحين وتمكّن من دحرهم بعد أن استعاد مواقعه العسكرية التي كلفته عشرين شهيداً بينهم ثلاثة ضباط وعشرات الجرحى و38 مخطوفاً بينهم 19 دركياً.
وما حصل فـي جرود بريتال هو عرسال – 2، حيث كان قائد الجيش العماد جان قهوجي قد حذّر من هجوم ثانٍ سيتعرض له الجيش فـي عرسال وهو مازال متوقعاً، لكن المسلحين اختاروا مواقع لـ«حزب الله» وليس للجيش، وقاموا بهجوم مفاجئ وغادر وفـي يوم عيد الأضحى وعند صلاة الظهر، ليتمكنّوا من الوصول الى أحد المواقع المتقدمة فـي منطقة تسمى «عين الساعة»، حيث وقعت معركة قاسية تمكّن المهاجمون من الاستيلاء على الموقع الذي استردّه مقاتلو «حزب الله» بعد أقل من ساعتين، وتمكّنوا من دحر المسلحين ومطاردتهم لمسافات بعيدة من أرض المعركة وقتل العشرات منهم وجرح المئات، حيث فشلوا فـي بريتال مع «حزب الله»، كما هُزموا مع الجيش فـي عرسال، وكانت خسارة الحزب عشرة شهداء وعدد من الجرحى، وأفشل خطة المسلحين بالدخول الى بريتال التي هبّ أهلها كما البلدات المجاورة لمنع المسلحين من تحقيق أهدافهم.
وقد تتكرّر المحاولة من جديد من قبل المسلحين الذين عليهم أن يؤمنوا مأوى لهم قبل الشتاء وإلا سيقتلهم «الجنرال ثلج»، وهذا معلوم فـي الحروب، إذ كان عامل الطقس يعاكس الجيوش ويمنعهم من تحقيق خططهم العسكرية، وأن ما ستحاول أن تقدم عليه «النصرة» و«داعش» هو فتح ثغرة باتجاه الزبداني والوصول إليها ثمّ التمدد نحو مجدل عنجر داخل لبنان وعند نقطة المصنع الحدودية والتوجه نحو البقاعين الأوسط والغربي، وهذا سيناريو يجري التداول به، لكن دونه صعوبات فـي تحقيقه، إذ ينشر الجيش السوري فرقاً عسكرية له لن يكون من السهل على المسلحين أن ينفذوا مخططهم.
وما جرى فـي جرود بريتال، لم يمنع «حزب الله» الذي يخوض حرب الوجود مع الجماعات الإرهابية التكفـيرية من سوريا الى لبنان، من أن يهمل المعركة مع العدو الإسرائيلي الذي يفرح لاستنزاف الحزب فـي المعركة ضد التكفـيريين، لكن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أكّد فـي أكثر من مناسبة، بأنه حيث «يجب أن نكون سنكون»، وأن المعركة واحدة من الجبهة الشرقية عند الحدود اللبنانية – السورية الى الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأن تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من الغجر سيبقى مهمة المقاومة كما الجيش اللبناني اللذين يتكاملان فـي المعركة، حيث لم تتوانَ مواقع الجيش المنتشرة عند الحدود على طول الخط الأزرق من إطلاق النار على الجيش الإسرائيلي عند أي خرق للسيادة اللبنانية، وهذا ما حصل فـي العديسة قبل نحو عامين، عندما حاولت دورية للعدو الإسرائيلي اقتلاع شجرة داخل الأرض اللبنانية فتصدى لها واسقط منها قتلى وجرحى
وفـي موازاة ما يقوم به الجيش الذي كان احد مواقعه فـي السندانة فـي مزارع شبعا تعرض لاطلاق نار من العدو الاسرائيلي فرد عليه واصيب جندي بجروح وقبل يوم من عملية المقاومة فـي المكان نفسه، فإن المقاومة نفّذت عمليات تفجير فـي دوريات إسرائيلية داخل مزارع شبعا المحتلة عند سفح جبل الشيخ ولم يعلن عنها إلا لاحقاً، كما نفّذت عملية فـي منطقة اللبواني عند الحدود أيضاً، وهو ما ترك العدو يتحدث عن احتمال أن تقوم المقاومة بعمليات داخل الجليل المحتل فـي فلسطين القريب من لبنان، وهي أخذت تهديدات السيد نصرالله على محمل الجد عندما أشار فـي إحدى خطبه، إلى أن المعركة المقبلة ستكون داخل المستوطنات التي لم يعد الجيش الإسرائيلي يشكّل لها حالة اطمئنان وأمن.
فـ«حزب الله» لم تشغله المعركة ضد التكفـيريين وهي وجودية بامتياز من أن يبقي يده على الزناد فـي مواجهة العدو الإسرائيلي الذي فاجأه اعتراف المقاومة السريع بعملية التفجير التي قامت بها ضد الدورية الإسرائيلية، واعتبرها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنها خطرة فـي مكانها وزمانها، وهو تصعيد غير مسبوق ويرمي الى وضع «إسرائيل» أمام درس الرد الذي أعلنت أنها ستختار الزمان والمكان المناسبين، وقد تبلغت الرسالة بأن المقاومة لا تسكت عن سقوط شهداء لها تغتالهم «إسرائيل»، وكان آخرهم الشهيد حسن علي حيدر الذي قتل فـي عدلوان أثناء محاولته تفكيك جهاز تجسس زرعته «إسرائيل» عبر عملاء لها فـي المنطقة وفجّرته من الجو، فكانت عملية مزارع شبعا باسم الشهيد حيدر وان المقاومة اوصلت رسالة بانها لم تفقد قوة الردع بمواجهته .
والرد الإسرائيلي حصل موضعياً بقصف مزارع شبعا ومحيطها، ولن يقدم العدو على عملية عسكرية واسعة على غرار ما حصل عام 2006 أو فـي الحروب على غزة منذ العام 2008، وكان آخرها ما جرى خلال الصيف، لأن قادة العدو يعرفون مدى خطورة فتح حرب مع لبنان، بالرغم من معرفتهم بالوضع الدقيق لـ «حزب الله» فـي أن يخوض حربين، كما فـي تأثير الحرب السورية عليه وافتقاده للعمق الاستراتيجي المريح، إضافة الى الجبهة الداخلية اللبنانية المتزعزعة، ومع ذلك فإن الكيان الصهيوني بات يدرك كلفة أن يخوض حرباً مع لبنان ولو هدّد وزير دفاعه بأنه سيدمّره ويعيده 80 عاماً الى الوراء، لأن 180 ألف صاروخ الذين تمتلكهم المقاومة حسب تقدير الخبراء الإسرائيليين سيطبقون على الكيان الصهيوني ما يحدث دماراً أكثر ما تحدثه قنبلة نووية، ستنفجر فـي داخل المراكز والمصانع النووية الإسرائيلية التي هي فـي مرمى صواريخ المقاومة، كما كل مرافقه ومرافئه ومراكزه العسكرية على مساحة الدولة العبرية .
Leave a Reply