جنيف – عماد مرمل
جمعت مدينة جنيف مؤخرا رؤساء المجالس النيابية فـي العالم، فـي إطار المؤتمر الـ131 «للإتحاد الدولي البرلماني» الذي يكاد يكون «طبعة برلمانية» للجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ ان الإتحاد يضم جميع الجنسيات، ويعقد سنويا مؤتمرا أساسيا، يحضره ممثلون عن كل المجالس التشريعية.
وتسللت «أشباح» الإرهاب الى المؤتمر الأخير، وفرضت إيقاعها على المؤتمرين الذين فرقتهم أمور كثيرة وجمعتهم «مصيبة» تنظيم «داعش» العابر للحدود، حيث تسربت الهواجس المترتبة على هذا الخطر إلى الكثير من الكلمات، وحضرت فـي العديد من الإجتماعات الجانبية التي عقدت بين رؤساء الوفود، وخصوصا بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورؤساء البرلمانات العراقية والسورية والإيرانية.
وإزاء تفاقم التهديد الإرهابي الذي لا يستثني أوروبا، اتخذت السلطات السويسرية تدابير أمنية مشددة لحماية المؤتمر الدولي البرلماني، وخصّت رؤساء الوفود اللبنانية والسورية والعراقية تحديداً بإجراءات إضافـية، شملت تزويدهم بسيارات مصفحة وتعزيز عناصر المكلَّفة المولجة بمواكبتهم وحمايتهم.
وبرغم هذه المظلة الامنية «الفولاذية»، أبدى بري حرصاً على أن يستفـيد من وجوده فـي سويسرا، للتنزه ليلا على الرصيف الممتد من أحد المطاعم حيث تناول طعام العشاء، إلى مقر إقامته فـي فندق يقع على ضفاف بحيرة «ليمان» فـي جنيف، يحيط به عدد من الصحافـيين ورجال الأمن.
بدا بري فـي هذه «النزهة السويسرية»، خلال ليلة خريفـية، وكأنه «يفش خلقه» بعد أيام طويلة من الإقامة الإلزامية-الطوعية فـي مقر الرئاسة الثانية (عين التينة)، بفعل المخاطر الأمنية التي لا تسمح له بالتنقل، إلا فـي حالات الضرورة القصوى، وبشكل مموه يشمل السيارة المستخدمة والمواكب التضليلية وتوقيت التحرك ووجهة السير.
وكم من مرة وصل بري إلى المكان الذي يقصده بسيارة أجرة، او اضطر الى ان يبيت ليلته فـي مكتبه فـي مجلس النواب عندما يكون على موعد فـي اليوم التالي مع جلسة تشريعية.
وعليه، استعاد بري بعضاً من حريته فـي جنيف التي كانت قد استضافته قبل قرابة 31عاما، كرئيس لحركة أمل، فـي إطار اجتماعات هيئة الحوار الوطني التي إنعقدت فـي أحد الفنادق القريبة من البحيرة، سعياً إلى وضع حد للحرب الاهلية، وضمت آنذاك أمراء الطوائف المتصارعة مثل كميل شمعون وبيار الجميل وصائب سلام وعادل عسيران ووليد جنبلاط وغيرهم، برعاية سورية من قبل وزير الخارجية حينها عبد الحليم خدام.
وشاءت المصادفة أن يمر بري، كرئيس لمجلس النواب هذه المرة، قرب الفندق الذي كان شاهدا على فصول الحوار، مستعيدا بعضا من محطات الماضي الذي ساهم فـي صناعة حاضره. وقاد بري خلال مشاركته فـي مؤتمر الاتحاد البرلماني حملة «علاقات عامة» لمنع وصول رئيسة مجلس النواب الاوسترالي إلى رئاسة الإتحاد، التي دارت حولها معركة انتخابية حامية بين مرشحي أندونيسيا وبنغلاديش ومالديف إلى جانب أوستراليا.
وما دفع بري والوفود العربية الاخرى إلى مواجهة المرشحة الاوسترالية وقطع الطريق عليها هو انحيازها السافر والفاضح إلى جانب اسرائيل والذي ظهر بوضوح وفجاجة خلال عرض برنامجها الانتخابي أمام المجموعة العربية التي صُدمت بما سمعته خلال «جلسة التعارف».
لم تتردد الطامحة الاوسترالية إلى بلوغ رئاسة الإتحاد البرلماني فـي تبرير العدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ومساواة الضحية بالجلاد، معتبرة ان العنف المفرط الذي استخدمته اسرائيل فـي قصفها للقطاع إنما جاء فـي سياق رد الفعل على صواريخ حركة حماس، متجاهلة الفارق الكبير فـي القوة النارية وعدد الاصابات.
أكثر من ذلك، أشارت المتكلمة الاوسترالية خلال النقاش مع محاوريها العرب إلى أن الكيان الاسرائيلي هو «نظام ديموقراطي، سليم الاداء». وأقرت بمنع دخول المحجبات إلى مقر مجلس النواب الاوسترالي، بذريعة أمنية.
أمام هول ما سمعه ممثلو المجموعة العربية فـي «الإتحاد البرلماني»، قرروا بذل كل جهد مستطاع لإيصال مرشح آخر إلى رئاسته. وإذا كان هناك من فضل لهذه المسؤولة الاوسترالية فهي انها جمعت البرلمانيين العرب فـي جنيف ضدها بعدما فرقتهم الخلافات حول كيفـية مقاربة العديد من المسائل التي نوقشت فـي المؤتمر، إلى حد أن المغرب والعراق والامارات العربية المتحدة رفضت ان تنسحب إحداها للاخرى فـي انتخابات فرعية لشغل موقع شاغر فـي الاتحاد.
وتولى بري بالتنسيق مع رئيس مجلس الأمة الكويتي التحرك فـي كل الإتجاهات داخل المجموعة «العربية لتحقيق التوافق» حول واحد من مرشحي اندونيسيا والمالديف وبنغلاديش، وبالتالي بلورة «لوبي» عربي ضاغط، يكون قادرا على الاستقطاب والتأثير فـي نتائج الانتخابات، إستنادا إلى كتلة الاصوات التي يملكها هذا اللوبي، ويقارب حجمها ثلث عدد أعضاء الإتحاد البرلماني الدولي. وبالفعل، نجحت مساعي بري فـي إنتاج توافق عربي على مرشح بنغلاديش الذي استطاع فـي الدورة الاولى من الانتخابات ان يتقدم على المرشحين الآخرين، لكن ليس بالقدر الكافـي لحسم المعركة، فتمت دورة ثانية أفضت إلى فوزه، وإقصاء منافسته الاوسترالية، فـي إنجاز لا يخلو من البصمات العربية و«حنكة» بري.
وسألت «صدى الوطن» بري عما إذا كان قد فكر مرة فـي الترشح الى رئاسة الاتحاد البرلماني، فأجاب «طُرح علي الأمر فـي أكثر من مرة، لكنني رفضت خوض هذه التجربة، لأن رئيس الإتحاد سيكون ملزما بالتعاطي مع جميع الدول المنخرطة فـي صفوفه، ومن بينها اسرائيل، وهذا ما لا يمكنني أن أقبله بأي شكل من الأشكال».
وخُصص بري بدعوة من أمين عام مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية للمشاركة فـي قمة القيادات العالمية للاستثمار حول التنمية، التي إنعقدت على هامش مؤتمر الاتحاد البرلماني، حيث كان لبنان الدولة العربية الوحيدة المشاركة فـي هذه القمة، بحضور رئيسة مجلس النواب الاوسترالي بونوين بيشوب، ورئيس مجلس النواب النيوزيلندي دافـيد كارنر، وكبير العاملين فـي مجال الاستثمار الدولي رونالد كوهن، إضافة إلى كبار الخبراء فـي الإقتصاد والاستثمار فـي اليابان والصين والولايات المتحدة وسويسرا.
وفـي حين ركزت مداخلات معظم الضيوف على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للتنمية، أطل بري على هذه المسألة من زاوية وجوب مكافحة خطر الارهاب، كممر إلزامي نحو إيجاد بيئة آمنة وحاضنة للاستثمارات والإنماء.
Leave a Reply