فاطمة الزين هاشم
عندما تدخل الخيانة إلى عشّ الزوجيّة فلا بدّ أن تنتهي به إلى التفتّت والخراب، هذا ما حصل لذلك المحامي الذي كان ناجحاً فـي عمله، ويتمتّع بشخصيّة أخّاذة، كان يعرف كيف يدير دفّة حياته مع أسرته بجدارة، إذ كان زوجاً كريماً وأباً حنوناً، لا يبخل على عائلته بشيء، وكانت السعادة ترفرف فوق بيته والبهجة تملأ عيون ساكنيه، حتّى جاء ذلك اليوم المشؤوم، حين حضرت إلى مكتب الزوج المحامي، سيّدة لترفع دعوى ضدّ أهل زوجها الذين حرموها وأولادها من ميراث زوجها المتوفـي.
تكرّرت زياراتها للمكتب بعد أن وجدت اهتماماً زائداً من المحامي، ممّا جعلها أن تدعوه لزيارتها فـي بيتها والتعرّف على أولادها الصغار خاصّة بعد أن اكتشف أنّ والدهم كان زميلاً له فـي المهنة، عطف على الأولاد والأم معاً، وعلى الرغم من أنّها لم تتمتّع ولو بالقليل من جمال زوجته وأخلاقها الرصينة، إلّا أنّ الشيطان أغوى الإثنين معاً فتزوّجا سرّاً وأخفى الأمر عن زوجته.
وتغطيةً على فعلته الخيانيّة تلك، راح يضاعف من اهتمامه بزوجته أمّ أولاده، الأمر الذي دعاها إلى الإستغراب والإستفسار: لمَ كلّ هذا الإهتمام المفاجئ الزائد وقد مضى على زواجهما ما يقرب من ثلاثين عاماً؟ على الرغم من أنّه قد توقّف عن اصطحابها معه فـي أسفاره وحضوره المؤتمرات فـي ولايات أخرى، حيث حلّت الزوجة الثانية محلّها فـي ذلك، متذرّعاً لها بضيق الوقت وزحمة العمل.
وبمرور الأيّام أصبح يتأخّر عن الحضور إلى المنزل، لأنّ الزوجة الثانية أخذت تطالب بحقوقها الزوجيّة وتطلب مساواتها بزوجته الأولى، وكم حاول إقناعها بأنّ الأولى هي الأصل وأن الإتّفاق قد جرى على هذا الأساس، إلّا أنّ كلّ محاولاته معها باءت بالفشل، بل أخذت تطارده فـي كلّ مكان يذهب إليه، حتّى نفر منها وطلّقها.
فـي إحدى الأماسي حضر إلى البيت ووجد زوجته الأولى تنتظره فـي حديقة المنزل لتناول طعام العشاء سويّةً معها، وفجأةً ما إن نظر إليها حتّى نهش صدره الندم، ووخزه ضميره بخيانته لها، فقرّر الإعتراف لها، حتّى إذا انتهى منه أخذتها حالة من الشعور بالدوار ولم تتفوّه بكلمة واحدة، إذ أصيبت بهوان الكبرياء، فأسرعت إلى غرفة النوم حيث انزلقت بجسدها على الفراش بعد أن همهمت بصوت متهدّج (تصبح على خير)، تأوّهت فـي أعماقها بصمت، حاول أن يستميل جسدها نحوه فابتعدت، كان كلّ شيء يوحي لها برائحة الخيانة، فذوت لديها مشاعر الإحتواء، وتراجع عندها الشعور بالأمان وتهاوت السكينة، وفجأةً راح فكره يسرح مرّة أخرى بالعودة إلى مطلّقته.
وقد صادفها فعلاً فـي إحدى الأماكن السياحيّة، فاجتاحه الحنين إليها كما بادلته هي الأخرى مشاعره ممّا دعاهما إلى الزواج ثانيةً، وقرّرا أن يقضّيا شهر العسل مرّة أخرى لكن فـي ولاية ثانية، وقد تذرّع إلى زوجته الأولى بضيق الوقت وزخم العمل كذلك، فبدأ الشكّ يتغلغل فـي نفسها، ممّا حدا بها إلى مراقبته من بعيد، فرأته فـي إحدى الأماسي يسرع بالعبور من شارع مكتبه إلى الشارع المقابل ويحتضن سيّدة ثمّ يصعد إلى داخل سيّارتها.
أخذت الزوجة تستعيد ملامح تلك السيّدة، فتذكّرت أنّها قد شاهدتها منذ فترة طويلة يوم جاءت بصحبة شقيقة زوجها على الرغم من عدم معرفة الشقيقة بالعلاقة التي تربطها بشقيقها، إلى بيت الزوجة الأولى حتّى أنّها أرادت الإطّلاع على غرف وأثاث المنزل ولم تستثن رؤية غرفة النوم بحجّة الإطراء على ذوق الزوجة المخدوعة، ويومها سألت زوجها إن كان يعرفها فأجاب بالنفـي.
وحين عاد إلى البيت صاحت فـي وجهه: (أيّها المخادع لقد ضحكتم عليّ أنت وشقيقتك وهذه الوضيعة، حتّى أنّها دخلت غرفة نومي، فغضب الزوج من تصرّف زوجته الثانية، فاتّصل بها هاتفـياً وكلّمها بصوت عالٍ بحيث تسمعه زوجته الأولى صائحاً بها: (أيّتها الخبيثة لماذا تريدين خراب بيتي وأنت تعلمين أنّني جدّ ولديّ أحفاد؟) فردّت هي: (أحفادك أين كانوا عندما كنت تغازلني وتضاجعني؟ ألآن تذكّرتهم؟) فأجابها محتدّاً: (أنت طالق طالق طالق ولا أريد أن أرى وجهك بعد الآن) فأغلق سمّاعة الهاتف ملتفتاً إلى زوجته قائلاً: (لقد انزاح عنّا هذا الهمّ، وأنا لك وحدك بعد اليوم، أنت وأولادي يا حبيبتي).
نظرت إليه وهو يعتذر ويظهر لها ندمه وينعت نفسه بالخائن، ويطلب منها السماح والمغفرة، فاستجابت له بطبيعتها كأنثى مسامحة وحنونة فأعطته صكّ الغفران، لكنّ ثقوباً سود ظلّت تملأ جوانب قلبها، شعرت بأنّ جرحها عميق لن يداويه الزمن، فرجعت إليه جسداً بلا روح.
Leave a Reply